أطلعني احد مخرجي شبكة «ان بي سي»; ونحن في طريقنا الى إجراء اول لقاء مع ليندي إنغلند على كل الصور التي ظهرت فيها ليندي وأثارت ضجة عالمية واسعة بعد انكشاف امر التعذيب الذي كان يمارسه جنود اميركيون على معتقلين عراقيين في سجن ابوغريب اصبحت المجندة إنغلند، 21 سنة، اسما معروفا على نطاق العالم بعد نشر صورها، وهي تبتسم واقفة وراء «تلة» من السجناء العراقيين العراة، وصورة اخرى وهي تجر سجينا عراقيا آخر بواسطة مقود للكلاب مربوط حول عنقه، وهي الصورة التي ظهرت على الصفحات الاولى للصحف في مختلف الدول.
الرئيس جورج بوش اعلن من جانبه ان الجنود الاميركيين المتورطين في عمليات التعذيب «سيخضعون للعقاب»، اذ صدر هذا التصريح قبل ثلاثة ايام من توجيه هذه التهم الى ليندي. وعلى العموم، فإن هذه الصورة من النوع الذي لا يتمنى أي شخص ان يكون له بها أي صلة، إلا وسائل الإعلام بالطبع.
ليندي الآن حامل في شهرها السادس بمولود ذكر اختاروا له مسبقا اسم كارتر. اما الأب، فهو من الشخصيات السيئة السمعة التي ظهرت في تلك الصور ويدعى تشارلز غرانر. وقالت لي ليندي، التي حصلت على طلاق بالتوافق خلال زيارة لها لمسقط رأسها قبل بضعة اشهر، إنهما كانا يتحدثان هاتفيا على نحو منتظم، وهو الآخر يواجه محاكمة في العراق. وقد مثل كل من تشارلز وليندي أمام المحاكمة الاسبوع الماضي. عقب اطلاعي على الصور وسماع العديد من الادعاءات الاخرى (ممارسة الجنس أمام السجناء مع غرانر)، لم أعرف ماذا يمكن ان اتوقع ليندي فتاة قصيرة القامة واقرب في هيئتها الى الاولاد، إلا ان شكلها تغير تماما بمساعدة الماكياج. تقول تيري، والدة ليندي، في تعليقها على ما حدث ان ابنتها اذا لم تنفذ التعليمات العسكرية ربما سجنوها، لكنها الآن سجنت ايضا. عائلة انغلند تتسم بالبساطة; فوالدها كين وشقيقتها جيسيكا وشقيقها جوش يقفون الى جانبها. انهم لا يملكون مالا يسمح لهم حتى بالسفر برا لزيارتها. وهذا هو السبب في عمل ليندي في الجيش الاميركي، اذ التحقت بالخدمة فيه لتوفير المال لمستقبلها ومساعدة اسرتها.
الحديث مع افراد عائلة ليندي حول مسألة التصرف على نحو افضل ورفض تنفيذ الأوامر العسكرية ليسا فكرة عملية. فمن وجهة نظرهم تعتبر ليندي كبش فداء، ويرون انها ستدفع ثمن شرور حاملي الرتب الكبيرة وانها تفتقر الى المال او العلاقات التي يمكن ان تستخدمها للدفاع عن نفسها. يقول افراد الاسرة انهم سيبذلون كل جهد في تربية طفل ليندي بعد ولادته. كما يؤكدون ان لا مجال مطلقا لإعطاء الطفل لأسرة غرانر، الذين يشعرون بأنه ورطها في محنة فظيعة. علمت خلال تناول الغداء مع ليندي واسرتها ان واحدا من المحامين المكلفين بالدفاع عنها خانهم فيما يتعلق بالمحافظة على سرية بعض تفاصيل القضية. كما يعتقدون ان اصحاب الرتب الكبرى اداروا ظهرهم لها، وبالتالي باتوا لا يعرفون بمن يمكن ان يثقوا. وسألتني ليندي عما اذا يجب ان تثق بكبير محامي الدفاع عنها، اذ كان من المفترض ان تلتقيه اليوم التالي لأول مرة.
شعرت ببعض التعاطف معها، إلا ان منظر السجناء العراقيين المذعورين في الصور قفز الى ذهني وتذكرت الدم والخوف والإذلال عندما التقطت تلك الصور لليندي واصدقائها.
وفي ما يلي مقتطفات من الحوار الذي دار مع ليندي انغلند:
* انك تعيشين الآن في ثكنة عسكرية، ألا تعتقدين ان هذا الوضع لا يتناسب مع امرأة حُبلى؟ حدثيني عن الغرفة التي تعيشين فيها.. ما هي الاشياء الموجودة بها؟
ـ لدي ثلاجة ومايكرويف وحمام.
* ما هي الفترة التي عشتيها في هذا المكان؟
ـ منذ عودتي.
* وهل ستظلين في هذا المكان حتى ولادتك؟
ـ يبدو أن الامر كذلك.
* هل تجدين العيش هنا امراً صعبا؟
ـ الغرفة صغيرة.
* ما هو رد فعلك عندما رأيتي صورك على شاشات التلفزيون؟
ـ واصلت الأكل وقمت وانصرفت بعد ذلك؟
* واصلت الأكل؟
ـ كنت اشعر بالجوع.
* هل كانوا يرمقونك بنظرات استياء في المدينة، ام ان الناس كانوا متعاطفين معك.. ما هو نوع المعاملة تجاهك طبقا لإحساسك؟
ـ هناك كثيرون من الذين ساندوني وصافحوني بأيديهم وشكروني، إلا ان الامر كان غير عادي.
* اذا حكمت المحكمة عليك بالسجن سيكون هناك حراس آخرون. هل تشعرين بالخوف من الناس؟
ـ لا اريد الاجابة عن هذا السؤال.
* لديك فرصة الآن لتوجيه حديث الى اناس لم يلتقوك، وإنما فقط قرأوا عنك. ماذا تريدين ان تقولي لهم؟ بمعنى آخر، معظم الناس في مختلف دول العالم قرأوا عنك.. نحن لا نتحدث عن الولايات المتحدة، وإنما عن العالم، حيث قرأ الناس قصصا فظيعة. ماذا تريدين ان تقولي لهؤلاء في جملة واحدة؟
ـ لا تصدقوا ما قرأتموه.
* هل كنت تصدقين ما يكتب في الصحف؟
ـ لا.. لم اكن اصدق أي شيء يكتب في الصحف.
* اذا عاد الزمن الى الوراء، هل هناك لحظة تتمنين لو انها لم تحدث؟
ـ ربما تكون هناك اكثر من لحظة واحدة.