المخيمات الصيفية للأطفال في لبنان.. رياضة ومهارات وتدريب على الاندماج مع الآخرين

TT

تطورت فكرة المخيم الصيفي الى ان اصبحت في اوجها، فهي طاغية ومنتشرة في مختلف المناطق اللبنانية. وبمعنى آخر يمكن اعتبارها مدرسة رياضية صيفية وترفيهية يقضي فيها الأولاد معظم اوقاتهم; يتعلمون مختلف انواع الرياضة، اضافة الى عقدهم صداقات جديدة قد تكون في بعض الأحيان حقيقية وتدوم.

والمخيم الذي بدأ على شكل حضانة، سرعان ما تطور واصبح ظاهرة تستهوي العديد من العائلات، فالكل يسعى لاشراك اولاده في مخيمات شاملة من جميع النواحي. وإلى جانب الرياضة يتعلم الطفل الانخراط والعيش ضمن مجموعة تمكنه لاحقاً مع تعاقب السنوات من اكتساب حسن التصرف والتأقلم مع المجتمع.

ومن ميزات المخيم، تحتل مكان الصدارة الرحلات الخارجية الاسبوعية التي يزور فيها الاولاد مختلف المناطق الجميلة، حيث يقضون وقتهم في اللعب والتسلية وما احب من هذا كله الى قلب الطفل، فهذه الرحلات غالباً ما تكون الى مناطق مائية كالشواطئ او الى مدينة الملاهي، فهذه الاماكن خصصت لترفيه الاولاد ورسم الفرحة على وجوههم..

ناهيك من ان المخيم يعلم الولد الانضباط والنظام والمشاركة كما انه يزيل احياناً لمسة الخجل عند من يعاني منها، ويساعد قدر الامكان كل طفل غير قادر على الاندماج بسبب عقدة او مشكلة صحية او عائلية بمساعدة وجهد المدربين والمشرفين والمتخصصين برعاية الاطفال وكيفية التعامل معهم. وإزاء هذا الموضوع كان لـ«الشرق الأوسط» حوار مع مسؤولين عن مخيمات صيفية ورأيهم في مجريات الأمور.

عن فكرة المخيم ومنذ متى بدأت المخيمات الصيفية، قالت المسؤولة عن مخيم فندق «كواليتي إن» في شمال لبنان امتثال حرب عطية: «فكرة المخيم للأطفال ليست جديدة، فقد بدأت منذ حوالي عشر سنوات على طريقة الحضانة لكنها ومع الوقت تطورت مع تطور المنتجعات ان كان من ناحية العمل والمشرفين او القاعات والاجهزة والالعاب الرياضية. في البداية لم يعتد الناس على فكرة مخيم صيفي يبعد اولادهم عنهم، لكن سنة بعد سنة ازداد عدد المشتركين الى ان اصبح المخيم الصيفي ضروريا كالمدارس شتاء».

اما عن النشاطات التي تتم داخل المخيم تقول عطية: «نشاطاتنا عديدة ومتنوعة، نحن نعلّم أولادنا مختلف انواع الرياضات من سباحة وكرة سلة وكرة طائرة وكرة يد وايكيدو (Ikydo) وجمباز ونانشاتو ورقص وركوب الخيل وترامبولين وكرة قدم وتنس الريشة، بالاضافة الى تعليمهم الرسم والاغاني والدمى المتحركة للاطفال الصغار طبعاً، فالاولاد الكبار لا تستهويهم هذه النشاطات. واخيراً لدينا مدينة العاب حيث يسرح فيها الاطفال. واعداد الاولاد والاعمار التي تشترك في المخيمات تختلف بين مخيم وآخر وحسب كل منتجع وقدرته على الاستيعاب عدداً وسناً، فمنهم من يستقبل 225 ولداً ومنهم 150 والبعض مثلاً يكتفي بسبعين ولداً. اما عن الاعمار فهي تتراوح ما بين الاربع سنوات الى 12 عاما».

وفيما يخص المدربين والمشرفين وكيفية تنظيمهم وتوزيعهم على الفرق تضيف عطية: «لدي 30 مشرفاً ومدرباً موزعون على رعاية الاولاد والاهتمام بهم. ووظيفة المدرب تعليم الاولاد مختلف انواع الرياضيات. اما المشرفون فمهمتهم الانتباه الى جميع الاولاد ومرافقتهم من ملعب الى آخر وتوجيههم والاهتمام بكل مستلزماتهم ومتطلباتهم. وقد قسّم المخيم الى فرق حسب الأعمار والأعداد، وكل فريق يُشرف عليه ثلاثة مشرفين بالاضافة الى مدربين ثابتين، كل منهما متخصص في مهنته ويأتي اليه الاولاد وفق برنامج محدد وضمنه».

وحول اختيار المدربين والمشرفين وعلى اي اساس يتم ذلك، تقول عطية: «انا لا اختار الاساتذة بالصدفة انما اقصد اختيارهم جميعاً من ذوي الاختصاص، اولاً لا اقبل اساتذة صغاراً في السن، او من دون شهادة معينة او حتى هواة لنوع معين من الرياضة، بل على المتقدم ان يكون ذا خبرة في عمله، ويكون متخصصاً في الفرع الذي سيتولى مسؤوليته، كما عليه ان يكون على معرفة بالتعامل مع الاولاد والتخاطب معهم يحتاج الى موهبة ودراية، كذلك إلى ارضائهم، وبالتالي نحن في مخيم، اي في مكان ترفيهي والأهل يدفعون المال من اجل راحة اولادهم وسعادتهم، لذا علينا مسؤولين ومدربين ان نحسن معاملة الاطفال، لا ان نعاملهم كأنهم في مدرسة، لذا اشدد عادة على اختيار الاستاذ المميز بالعقل المنفتح وطول البال والقادر على استيعاب الطفل. ولمعرفة المدربين والمشرفين عن كثب اجري معهم مقابلة قبل توظيفهم ومن خلالها وحسب خبرتي في هذا المجال اقيّم كل واحد منهم قبل تسليمه المهمة».

وعن مسائل الحماية وطرق المعالجة وتأمينها تقول مي منلا، المسؤولة عن مخيم «الميرامار» في شمال لبنان: «احرص دائماً على حماية اطفال المخيم وذلك عبر توفير بوليصة تأمين لكل طفل، وذلك قبل البدء بالمخيم الصيفي فنتعاقد مع شركة تأمين تهتم بالامر. وحول المسبح اصر على وجود مدربين للسباحة، بالاضافة الى فريق الانقاذ الخاص بالمسبح كما انه لدينا من بين المدربين من قام بدورات اسعاف اولية وصليب احمر وبهذه الطريقة اكون قد تجنبت قدر المستطاع خطر وقوع اي اصابات قد تؤذي اطفالنا..».

وعن المشاكل التي قد تحصل من جراء سوء التنظيم او الخلافات التي قد تتم بين الاساتذة، تضيف منلا: «لحسن الحظ اننا لا نعاني من هذه المشاكل في مخيمنا لاننا نحضر كل شيء قبل فترة كي لا نتعرض الى مشاكل نحن في غنى عنها، وبالنسبة للمشاكل التي قد تحصل عادة بين اساتذة المخيم، فهي غير واردة عندنا لانني دائماً احرص ومن خلال اجتماعاتي معهم على توجيههم وافهامهم بأننا عائلة واحدة نتعاون معاً لحماية ورعاية الاولاد وبأننا جميعا فريق واحد نتآلف مع بعضنا بعضا لتقديم الافضل. ولحسن حظي ان فريق عملي كله متحاب مع بعضه بعضا، والكل يسعى لمساعدة الآخر عند الحاجة».

وعن ايجابيات المخيم الصيفي تعقِّب منلا: «المخيم يعلم الاولاد الاندماج داخل المجتمع، فهو يشجع الطفل الخجول على الانخراط، كما ان فكرته ضرورية جداً لانها تنمي مواهب الطفل، ومن خلاله نساعده على معرفة ماذا يحب ويفضل من رياضة، بالاضافة، الى انه في نهاية المخيم يصبح بارعاً في كل انواع الرياضة بالإجمال، وبرأي الطفل الذي لا يشترك في المخيم عامة يقضي نهاره بالبيت او على الكومبيوتر إن لم يكن للاهل الوقت الكافي للاعتناء به. ومع الوقت يعاني من ملل ويفقد إقباله على الحياة، بعكس الولد المشترك في المخيم، فهو يعود الى منزله منهمكاً ومتعباً من ممارسة كل النشاطات وحينها لا يطلب سوى الراحة بعد ان نال كل ما يريده وبعد ان اشبع حاجته الى الحركة..، وان كان لدينا طفل مشاغب يؤذي رفاقه ولا يتجاوب معنا، اضطر لاعادته الى اهله كي لا يؤثر على سلوك الآخرين، لذا فأنا قبل ان اوافق على اشتراك طفل ما في مخيمي اطلب من اهله الاجابة عن بعض الاسئلة حول سلوكه لكي اعطي لاحقاً الملاحظات اللازمة للاساتذة المسؤولين عنه حتى يعرفوا كيف يتعاملون مع كل حالة».

وعن الهدف الذي يصل اليه الولد من خلال المخيم، تقول سلامة حسين آغا المسؤولة عن مخيم منتجع «البالما»: «الهدف الرئيسي هو تعليم الطفل مختلف الالعاب الرياضية، لذا يوفر على اهله تكاليف تعليمه لنوع معين من الرياضة، ففي المخيم يتعلم مختلف النشاطات ويصبح ملماً بكل انواع الرياضة كما انه يتعلم الانضباط والعيش ضمن جماعات، اضافة الى الوقت المسلي الذي يمضيه مع رفاقه. فهو بوجوده داخل المخيم يمرح ويغير أجواء المنزل ويكتسب صداقات جديدة وينفّس عن طاقاته فيخرج ما في داخله خلال وقت قصير، اضافة الى انه يصبح اجتماعياً اكثر».

ولتشجيع الاطفال للانخراط داخل المخيم وحثّهم على متابعة نشاطاتهم تضيف سلامة: «كل فترة نجري مباريات للاولاد مع بعضهم بعضا في كل النشاطات لتشجيعهم واعطائهم حافزاً لتقديم الافضل. وفي نهاية الموسم نقدم الميداليات للفائزين، وبهذه الطريقة اميز بين من تقدم ومن لم يحرز اي نتيجة، فانا لا اعلمهم فقط انواع الرياضة انما اعلمهم حسن التصرف والمقدرة على البقاء ومعالجة المشاكل وكيفية التأقلم مع بعضهم بعضا كما يتعلمون النظام. وقبل ان اعلم الصغار اكون قد علمت الاساتذة هذه الاصول ليطبقوها لاحقاً على الاولاد. فانا اعطيهم الأسس التي اريدهم ان يعلموها للاولاد، ومهمتي ان اتجول دائماً في المخيم وبين الصفوف لإلقاء نظرة على سير العمل واشرف على كل الامور. وليس سهلاً العمل في ادارة مخيم وتنظيمه، وانجاحه يرتبط بالمسؤولة عنه وكيفية التنظيم والتحضير لكل شيء مسبقاً واعطاء البرنامج للمدربين والمشرفين قبل فترة والاجتماع الدائم معهم لمناقشة الامور والتباحث حول كيفية التعامل مع الاطفال. لذا فإن فريقاً متعاوناً وادارة ناجحة ومسؤولة وجديرة تكفي للحصول على مخيم ناجح..».

لطالما كانت المخيمات في الصيف تستهوي عدداً كبيراً من الاولاد الذين ينتظرون بفارغ الصبر قدوم فصل الصيف للاشتراك في المخيم من شدة فرحهم اثناء النشاطات التي يمارسونها خلال النهار... وتقول لينا (مشتركة في مخيم البالما) «انا سعيدة جداً بوجودي في المخيم لانني بين اصدقائي، فانا أمضي نهاري بكل حماس، ونمارس معاً جميع انواع الرياضة، اضافة الى الرقص الذي اعتبره الاكثر متعة بالنسبة لي، وانا اتمنى المشاركة السنة المقبلة في المخيم لانه برأي هناك اشياء كثيرة بامكاني تعلمها والاستفادة منها اكثر».

اما كارين (مشتركة في مخيم بالما) فتقول: «انا من يطلب كل سنة من اهلي الاشتراك لانني بوجودي داخل المخيم كونت صداقات جديدة وعديدة. كما انني تعلمت السباحة والجمباز اللذين كنت اجد صعوبة كبيرة في تطبيقهما، لكن بفضل الاساتذة وحرصهم على مساعدتي في تعلم كل شيء اصبحت قادرة على ممارستهما».

ويوضح وليد (مشترك في مخيم ميرامار): «بدأت أتأقلم مع الجو. في بادئ الامر استصعبت الانخراط داخل اجواء غريبة عني، فهي السنة الاولى لي داخل المخيم، التجربة جديدة علي نوعاً ما وحتى الآن لم اكوّن العديد من الصداقات، لكن لا بأس، اذ انني مولع برياضة كرة المضرب وهذا ما يشجعني على البقاء، اضافة الى ان اساتذتي يحسنون معاملتي جيداً مما يدفعني الى التواصل اكثر..».

فيما يقول زاهر (مشترك في مخيم ميرامار) «انا سعيد كوني اشتركت في المخيم لأنني في البداية عارضت الفكرة ولم اكن اريد الاشتراك لانني لا احب التقيد بنظام معين، فانا احب الحرية في الصيف، تكفيني المدرسة شتاء، لكن مع الوقت تأقلمت ولكني اعذب اساتذتي في الرقص، اذ ارفض هذا النشاط، لان الرقص برأيي هو فقط للبنات اما بالنسبة للنشاطات الاخرى فانا احب السباحة وكرة القدم اكثر من غيرهما».

خلاصة، المخيمات الصيفية كانت ولا زالت تعتبر من الافكار المفيدة التي نجحت في الاستحواذ على عقل الطفل وقلبه، ومن خلال نشاطاتها المنوعة والعديدة المليئة بكل مغريات الاولاد تمكنت من ارضاء مختلف الاذواق وساعدت بشكل كبير على إلهاء الطفل وتعليمه ورعايته وملء اوقات فراغه بالهواية المفيدة والرياضة المسلية والمعرفة الجيدة وتعويده على الانخراط في المجتمع.