أعقاب السجائر وحفلات الشواء تحرق أحراج لبنان وتقضي على التنوع البيولوجي

منظمة الفاو: المساحة الحرجية في لبنان تقلصت إلى النصف

TT

لبنان الاخضر الذي يتغنى به الشعراء والفنانون متهدد بالتصحر، والسبب ظاهرة الحرائق الموسمية التي تجتاح غاباته وثــروته الحرجـــية وتلــتهم الاخضر واليابس. وهذه المشكلة تتكرر عاماً بعد عام من دون مواجهتها بشكل جذري، ليــتم نسيانها مع اول الغيث بحلول شهر نوفمبر (تشرين الثاني).

وتشير احدث احصاءات الدفاع المدني الى حصول 131 حريقاً في يوم واحد، وطاولت النيران كافة المناطق اللبنانية، مما يوحي بأنها من تدبير فاعل. والحرائق التي تنشب بشكل مقلق وتتصدر اخبارها الصحف اللبنانية. تعزو مديرية الدفاع المدني سببها الى ارتفاع الحرارة التي تترافق في شهر سبتمبر (ايلول) مع هبوب رياح تساهم في امتدادها بسرعة تصعب السيطرة عليها. وتضيف وزارة البيئة الى هذه الاسباب، اسباباً اخرى تتعلق بالحرائق المفتعلة من قبل تجار الفحم الذين يعمدون الى حرق الاحراج واقامة المشاحر لاستخدام الفحم وبيعه، اضافة الى التسيب والاهمال، سواء برمي اعقاب السجائر، او رمي فضلات المشاوي «الباربيكيو» او نتيجة انعكاس اشعة الشمس على نثرات الزجاج التي تشعل الاعشاب اليابسة.

وتلفت المديرية الى ان موسم الحرائق يستمر في لبنان من شهر اغسطس (آب) الى اكتوبر (تشرين الاول) وان السيطرة على الحرائق تتم بأساليب بدائية وبواسطة سيارات الاطفاء اذا امكن الوصول. واذا تعذر فبواسطة طوافات الجيش في الاماكن الوعرة والمنحدرات الصعبة التي لا مسالك لها ولا طرقات تقود اليها، بالتعاون مع الاهالي الذين يستخدون الرمال والاوعية الصغيرة لعزل النيران وتضييق رقعتها وابعادها عن منازلهم.

وحذر مصدر في وزارة البيئة من تضاؤل الثروة الحرجية «التي باتت على طريق الاندثار، اذا لم تنفذ خطة سريعة لانقاذها ولاعادة تحريج الاماكن المحروقة» وطالب بالتشدد في منع قطع الاشجار وحرقها، لان من نتائجها الخطيرة القضاء على التنوع البيولوجي وانجراف التربة وتناقص المياه الجوفية والتصحر، مذكراً بالقانون الصادر عام 1948 الذي ينظم استغلال الاحراج بشكل يحافظ على استمراريتها وعلى حماية البرية والمياه والمواقع السياحية، الذي يخضع قطع الاشجار الحرجية لاجازة مسبقة، ويؤكد على حماية الاحراج والاستمرار بتشجير الهضاب والجبال العارية، لافتاً الى ان عدم الالتزام بالقانون ادى الى تراجع غطاء الغابات، اذ اصبح يغطي 13.32 بالمائة من المساحة الاجمالية للبنان (10.452 كلم2) (1.89 بالمائة غابات كثيفة و8.43 بالمائة احراج مندثرة)، وذلك حسب التقرير الفني لخريطة استعمالات الاراضي (وزارة البيئة ووزارة الزراعة والمجلس الوطني للبحوث العلمية 2003). الا ان منظمة الفاو العالمية تشير الى ان الاراضي الحرجية تشكل 7 بالمائة من مساحة لبنان وان هذه النسبة تقلصت الى النصف بسبب عشوائية تحويل الاراضي من زراعية الى سكنية وبسبب الرعي الجائر وقطع الاشجار والحرائق المتعمدة.

رئيس لجنة البيئة في البرلمان اللبناني وزير البيئة السابق اكرم شهيب قال لـ«الشرق الاوسط»: «نبهنا مند عشر سنوات ولا زلنا، من خطورة الحرائق وانعكاسها السلبي على البيئة وعلى صحة الانسان». ورأى ان المسؤولية تضيع بين وزارات البيئة والزراعة والداخلية، بسبب عدم وجود مركزية قرار مكافحة حرائق الغابات والاحراج، كما ان الدفاع المدني غير مؤهل وغير مجهز لاطفاء الحرائق، فهو يخاطر بعناصره المتطوعة.

وموضوع البيئة والمحافظة على الثروة الحرجية وغيرها مــن الامور تحتاج الى تنسيق كامل بين الادارات المعنية. كما ان مكافحة الحرائق تحتاج الى التعاون والتنسيق بين الارض والسماء لان الفوضى في هذا الامر تضاعف الخطورة، اذ لا يجوز ان تتزامن عمليات اطفاء الحرائق عبر الاجواء مع العمليات على الارض فــي آن معاً، لان ضغط المياه الذي تضـخه خرانات الطوافات قد يقضي على عناصر الدفاع المدني ورجال الاطفاء والاهالي الذين يعملون على الارض لاطفاء الحرائق.

ودعا شهيب الى معالجة الحرائق قبل حصولها بمعنى توجيه الناس وارشادهم وتكثيف الدوريات على الاحراج وتقديم برامج توعية عبر وسائل الاعلام المرئية والمسموعة. كما لفت الى اهمية الانذار المبكر ورأى ان هذا يتطلب برنامجاً متكاملاً ومركزية ادارية، مضيفاً ان «كل هذا غير متوافر ويبدو ان البيئة هي من آخر اهتمامات الحكومة والحكومات المتعاقبة»، مشيراً الى انه حاول مراراً انجاز برنامج مكافحة الحرائق عندما كان وزيراً للبيئة لكنه عجز لاسباب سياسية.

وعن شراء طائرات خاصة لاطفاء الحرائق كما اشيع قبل فترة، قال شهيب: «يعود عدم شراء الطائرات الى ان غلاء تكاليف تشغيلها وصيانتها، ويحتاج الامر الى فريق عمل متكامل وادارة مركزية، ثم ان طبيعة لبنان التي تُكثر فيه الاودية والمنحدرات والمرتفعات تجعل تحليق الطائرات فوقها صعباً».

اما رئيس لجنة الزراعة والسياحة في البرلمان اللبناني النائب حسين الحاج حسن فقال لـ«الشرق الاوسط» «ان مسؤولية العناية بالاحراج يعود الى وزارة البيئة، لكن بسبب الخلاف في الصلاحيات بين الوزارات المعنية وبسبب غياب التنسيق اصبحت نسبة الاحراج اقل من المطلوب قياساً الى مساحة لبنان الاجمالية نتيجة الحرائق». ورأى «ان هذه المشكلة تزداد بسبب غياب اي سياسة حكومية واضحة للاحراج وعدم توفير المعدات اللازمة للمناطق الوعرة». وذكر الحاج حسن بمشروع شراء 12 طائرة لاطفاء الحرائق التي لا تزال في ادراج الحكومة. ودعا الى ضرورة تفعيل دور حراس الاحراج وتدريبهم على مكافحة الحرائق، واستعمال آليات خفيفة بهدف الوصول السريع لاطفاء الحريق والى تنظيم حملات اعلامية ونشرات ارشادية على حدود الغابات ومراقبة اماكن النزهة لتدارك الحرائق قبل حصولها.