المرجة .. أقدم ميدان دمشقي يخضع لعمليات تجميل وتطوير

تأسست ساحة المرجة أواخر القرن التاسع عشر، وفيها أعدم شهداء 6 مايو في 1916، وفيها انطلق الترامواي لحارات دمشق، ومنها انطلقت سيارات الركاب للمدن السورية. هشام عدرة، يقدم هذه الصورة عن ساحة ما زالت تحافظ على شهرتها وشعبيتها.

TT

يسمونها في دمشق بـ «عاصمة العاصمة»، فهي تشكل القلب من دمشق، وكل زائر للعاصمة السورية لا بد وأن يعبر منها. إنها «ساحة المرجة»، أشهر وأقدم ميدان دمشقي. وهي ذات تفرد وتميز خاص ففي وسطها بني العمود الأثري الذي يعلوه مجسم لجامع صغير. كما تم على حجارتها إعدام أبطال الثورة العربية صباح 6 مايو (أيار) 1916، في دمشق وبيروت من قبل جمال السفاح، ومنذ ذلك العام أطلق عليها ساحة الشهداء. وبجوارها يمر نهر بردى وفروعه ليعطيها جمالاً وروعة واخضراراً. وفيها اشتهرت أهم محلات بيع الحلويات الشرقية والمكسرات والفستق الحلبي والجوز الدمشقي. وفيها أيضا عرفت ورش تصنيع الطرابيش، ومنها كانت تنطلق إلى المدن السورية السيارات الصغيرة تحمل الركاب القادمين والمغادرين. فكانت الساحة مركزا ومرآبا لكل سيارات سورية العامة في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، قبل بناء كراج الانطلاق الحديث في ساحة العباسيين بمدخل دمشق الشمالي. كذلك ضمت الساحة أهم وأقدم الفنادق بدمشق، بعد أن تعطل دور الخانات وتحولت من أوتيلات إلى مستودعات ودكاكين.

تجميل وتطوير بعد نسيان في أوائل القرن العشرين المنصرم، تم تنظيم وإنشاء ساحة المرجة وفي وسطها بني العمود الأثري تذكاراً لتدشين الاتصالات بين المدينة المنورة ودمشق وإنشاء الخط الحديدي الحجازي، وبعد انتشار عربات الخيل (الحنتور)، أصبحت المرجة محطة لعربات الخيل السوداء تنقل الناس إلى حاراتهم في المدينة. وكانت هذه العربات تقف حول الحديقة الصغيرة التي تحيط بالعمود الاثري. لذلك كانت تعتبر هذه الساحة أول مرآب للعربات في دمشق، خاصة أنها كانت قريبة من محطة الحجاز التي أنشئت لتشغيل قطار الخط الحديدي الحجازي الشهير بين دمشق والمدينة المنورة.

تعرضت ساحة المرجة لشيء من الإهمال والنسيان، بعد تحويلها لأمكنة لانطلاق السيارات المغادرة والقادمة من المدن السورية، إلى أن تنبهت محافظة مدينة دمشق لأمر الساحة، فعمدت أخيرا إلى تجميلها وإعادة الروح إليها. ففي زيارة لهذه الساحة بعد تطويرها، نلاحظ أنه أقيمت فيها حديقة حديثة فاخرة أحاطت بالعمود الأثري وزينت بنوافير المياه وغرست فيها من الأزهار والورود الشامية ما يبهج النفس، كما أُنشئ في وسطها جسر للمتنزهين وطوقت الساحة بسوار حجري مزخرف جميل. وأما الجدران التي تحتضن نهر بردى، فقد زينت بالبورسلين ليعطي ببريقه ومع تمازج الأضواء والإنارة وتداخلها، خاصة في الليل، منظراً رائعاً. الساعة والترام بعض المهتمين بساحة المرجة والعاشقين لها، تساءلوا حين التقيناهم في الساحة، عن مصير الساعة الجميلة التي كانت تزين ساحة المرجة، ولكن فقدت في ما بعد. ولدى الاستفسار من المعنيين، علمنا أن الساعة وهي من الطراز الفريد، موجودة لدى الدائرة المعنية في المحافظة، وهناك نية لترميمها وإعادتها للساحة في موقع مناسب ضمن مشروع تجميل الساحة. والمتجول في المرجة، يلاحظ بقايا سكة الترامواي، فهذه الساحة التي اشتهرت بأنها مركز انطلاق عربات الخيل لحارات المدينة، عادت وأصبحت مركزا لعربات الترام أو الحافلة الكهربائية (الترامواي)، التي دخلت إليها عام 1907، كذلك دخلت إليها أول سيارة عقب انتهاء الحرب العالمية 1918، وكانت تدعى (أوطونبيل)، كما يؤكد الباحث الدكتور قتيبة الشهابي، إلى جانب سيارات الأجرة الكبيرة التي كانت تؤمن السفر إلى خارج المدينة وتعرف بـ (البوصطة) أو سيارات القاطرة والمقطورة للنقل عبر الصحراء (شركة نيرن) وغيرها، ثم باصات النقل الداخلي ضمن المدينة التي بدأت بالسير من نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945.

جامع يلدز ومبان من أبرز المنشآت التي تضمها ساحة المرجة هناك النصب التذكاري للاتصالات البرقية بين دمشق والمدينة المنورة، الذي يتوسط الساحة وأقيم عام 1907 أيام الوالي العثماني حسين ناظم باشا ولا يزال قائماً إلى اليوم. وقد صمم هذا النصب فنان إيطالي وقام بتنفيذه من معدن البرونز، كما أقام فوقه نموذجا دقيقا لجامع (يلدز) في العاصمة اسطنبول، ومن غير المعروف لماذا تم اختيار هذا النموذج بالذات من دون بقية الجوامع المتعددة التي تزخر بها اسطنبول. كذلك تنتشر في المرجة، الابنية القديمة إلى جانب الحديثة، ومن هذه الأبنية هناك مبنى (العدلية)، وهو مشيد على الطراز الأوروبي بلمسات عثمانية ويحتوي على طابقين، وقد انشئ في عام 1866. وهناك مبنى البلدية الذي شيد عام 1895، وقد هدم هذا المبنى عام 1959 ليرتفع مكانه حاليا مبنى حديث. وهناك مبنى البريد والبرق الذي هدم في بدايات الخمسينات من القرن العشرين، وهناك مبنى طبابة المركز (الصيدلية)، وبني أوائل القرن العشرين وأضيف له طابقان في عهد الحكومة العربية عام 1918، وهدم هذا المبنى أواخر الخمسينات، وهناك مبنى العابد بني عام 1908، وما زال قائما حتى اليوم.

دور سينما ومسارح في ساحة المرجة، أقيم فندق الشرق القديم، وكان في موقع فندق عمر الخيام الحالي بجوار ضفة بردى، واحترق في مطلع العشرينات من القرن الماضي. كما وجدت في الساحة دور سينما عديدة منها: سينما زهرة دمشق (سينما باتيه) أسست عام 1918، وأغلقت عام 1928، وسينما الإصلاح خانة، تأسست عام 1921، ثم تحولت إلى سينما فردوس الشام وأغلقت بعد سنوات قليلة وتحول مبناها إلى كراج سفريات، وسينما (الكوزموغراف)، وسينما غازي، وسينما سنترال، وسينما فاروق، وسينما النصر. كما انتشرت فيها المقاهي مثل مقهى الكمال وعلي باشا والورد، وانتشرت المسارح ومنها مسرح زهرة دمشق ومسرح النصر ومسرح القوتلي الذي أسس في بدايات القرن العشرين، وانتهى بحريق السنجقدار عام 1928، وكان يغني فيه مشاهير المطربين أمثال الشيخ سلامة حجازي وغيره.

كذلك تصب في ساحة المرجة شوارع وجادات وأزقة وأسواق كثيرة، فإلى الشرق جادة السنجقدار (حاليا شارع الفرات) ومدخل سوق التبن وسوق علي باشا وزقاق رامي وزقاق البحصة وغيرها. ومنذ عام 1928 ـ 1931 فرشت أرض المرجة بالاسفلت بعد أن كانت معبدة بحجر اللبون التراثي.

حلويات ومترجمون وفي زيارتنا لساحة المرجة، لاحظنا أنها ما زالت تعج بالناس من مختلف فئاتهم ومشاربهم، وما زالت الساحة محافظة على طابعها الشعبي، وعلى شهرتها رغم انتشار العديد من الساحات الكبيرة الواسعة في دمشق. ولاحظنا كثرة رواد هذه الساحة من زوار دمشق، من العرب والإيرانيين ومن المحافظات السورية، فالساحة ما زالت تعرف بأنها المكان الذي يوجد فيها مصنعو وباعة حلويات دمشق الشهيرة، خاصة البقلاوة والمبرومة والشعبيات والكنافة وغيرها من الحلويات المصنعة بالسمن البلدي، كذلك تنتشر في الساحة محلات بيع المكسرات، خاصة الفستق الحلبي والجوز واللوز وتباع فيها أجود أنواع المكسرات، إضافة إلى أن هذه الساحة ما زالت تضم عددا كبيرا من المطاعم والمقاهي الشعبية والفنادق الرخيصة والمتوسطة الأجور، وفيها انتشرت في السنوات الأخيرة محلات ومكاتب السياحة والسفر، لذلك يؤمها السياح بكثرة لحجز بطاقات الطيران وغيرها.

كما تخصصت المرجة حاليا، خاصة في زقاق رامي المتفرع منها بوجود المترجمين المحلفين الذين يقومون بتحضير المعاملات القانونية لمن يطلبها وبكل لغات العالم المعتمدة لتستخدم في الخارج، خاصة من قبل الطلبة الراغبين في الدراسة في الخارج. وتنتشر في الساحة أيضا محلات بيع المنتجات اليدوية السورية، كالأعواد الموسيقية والنحاسيات والسجاد وغيرها.