الشباب العربي في مؤتمر لليونيسيف يختار نبذ السياسة لصالح العمل الاجتماعي

المشاركون في «ندوة الشباب والحكومات والمجتمع المدني في الشرق الأوسط» يروون تجاربهم

TT

طرحت «ندوة تجمع الشباب والحكومات والمجتمع المدني في منطقة الشرق الاوسط» التي عقدت في بيروت برنامج عملها، اشكالية علاقة «الكبار» مع «الصغار» ليعيدوا النظر في قناعات متوارثة اثبتت عقمها على صعيد المجتمع في كافة مرافقه.

وهنا تكمن اهمية الندوة التي عقدت في منتصف الشهر الماضي، ونظمها مكتب اليونيسكو الاقليمي للتربية في الدول العربية بالتعاون التقني والمالي مع اليونيسيف والمنظمة السويدية لرعاية الاطفال والمجلس الدولي للسياسات الشبابية الوطنية، وشارك فيها اكثر من مائة شاب، قدموا من 12 دولة عربية، اضافة الى ممثلي الحكومات والجمعيات الاهلية.

هدف الندوة الرسمي بحسب المسؤولة في منظمة الامم المتحدة للطفولة والمستشارة الاقليمية للشباب، غولدا الخوري، هو «حث ممثلي الحكومات وصانعي القرار للتوقف عند الدور، الذي يمثله الشباب في مجتمعاتهم واولوية وضع التشريعات والقوانين والسياسات الوطنية وتخصيص المناسبات لاعطاء هذه الفئة المهمشة اولوياتها في المجتمعات العربية. كذلك تتيح الندوة خلال ثلاثة ايام الفرصة للتعلم وتبادل الخبرات والتجارب وتنمية السياسات الشبابية في الوطن العربي».

واضافت الخوري «ورغبة منا في الابتعاد عن الخطابية لوصول الى نتيجة ملموسة، اقترحنا منح الشباب المشاركين الذين تتراوح اعمارهن بين 18 و23 عاماً فرصة تولي افتتاح ورش العمل، واكتشفنا ان وجود الشباب شكل تحدياً لنا نحن الكبار». واوضحت الخوري «ان المفاجأة التي لفتت انتباه القيمين على الندوة كانت في قدرة الشباب على طرح المشاكل والمشاريع باسلوب مباشر وجدي وواضح وبناء، ولمسنا ان لديهم الهموم ذاتها الى اية دولة انتموا، ولديهم ايجابيات كثيرة، ليسوا طائشين او تافهين او مهمشين، ولا يستحقون التجاهل، كما انهم لا يرفضون الكبار، وانما يسألون عن رفض الكبار لهم وكأنهم استقالوا من مسؤولياتهم تجاههم، ودفعوا بهم الى البحث عن اجوبة وحلول لدى جهات اخرى غير صالحة قد لا تعطيهم المعلومات الصحيحة».

وحددت الخوري سبب عجز الحكومات العربية عن وضع سياسة شبابية منتجة وفعالة بانعدام الدراسات الميدانية، بقولها: «في الدول المتطورة توضع دراسات للشباب والمراهقين في ضوء احصاءات ميدانية تبين اعمارهم ومراحل دراستهم واوضاعهم المعيشية ومدى تعرضهم للعنف ودرجة وعيهم لأمور الحياة ووظائف اهاليهم ورواتبهم والبيئة التي ينتمون اليها. اما في الدول العربية، فلا يمكن الحصول على هذه المعلومات او معرفة الظروف التي تقود الشباب الى سلوكيات غير صحية بالدقة اللازمة، ذلك ان مراكز الدراسات لا تجرؤ على القيام باحصاءات واعداد بيانات انطلاقاً من الحقائق الميدانية التي تكشف كافة النواحي المفترض تأمينها لوضع سياسات شبابية».

هذا حديث «الكبار» في المؤتمر، اما حديث الشباب فهو حقيقي اكثر، لانهم يعرفون داء بلدانهم وعلة مجتمعاتهم، ويوجهون اهتماماتهم الى حيث يمكن ان يحصل التغيير او التطور الايجابي.

ويقول حسن منصور (23 عاماً) من البحرين الحائز بكالوريوس اعلام وعلاقات عامة «ان علة العلل في مجتمعاتنا هي السياسة، فالوضع السياسي الذي نعيشه يؤدي الى فقدان الحالة الوسطية. والشباب في ظل هذه الاوضاع يحاولون تفجير طاقاتهم في المؤسسات الدينية او التجمعات السياسية، اما الوضع التعليمي ومشكلة البطالة مثلاً، فلا معالجة فعلية لهما، الا من خلال السياسة، بينما المفروض ايجاد خطة لربط سوق العمل بالقطاع التعليمي، البطالة وصلت الى معدل مرتفع، ومع هذا لا توجد احصاءات رسمية دقيقة لها، لتبقى السياسة هي الاكثر طغياناً في البحرين». ويتابع حسن: «ان هذا الطغيان سلبي، لانه يصرف الشباب عن التفكير بمستقبلهم وفق اولويات بناءة، وانما وفق السياسة التي تقود الى السلطة وتحقق كافة الاحلام، والا فالمؤسسات الدينية هي ملجأ المتطرفين». وحسن لا يجد بديلاً عن الارتباط بالدين، و«لكن المشكلة هي في التشدد من هذه الناحية».

ولا ينظّر حسن في طرحه، فهو اقحم في السياسة كما يقول، وذلك لانه سجن مدة سبعة اشهر، عام 1997، آنذاك لم يكن قد تجاوز السادسة عشرة من عمره. «لماذا؟» نسأله، فيجيب: «لا استطيع ان اقول لماذا. كنت نائماً في سريري عندما جاءوا لاعتقالي، حشرت مع 26 شاباً مثلي في زنزانة ضيقة وتعرضت للتعذيب، ردة فعلي الاولى كانت البحث عن انقاذ المجتمع من خلال السياسة، لكني سرعان ما اكتشفت ان هناك دروباً افضل للتغيير، الاعلام واحد منها، كذلك المشاركة في نشاط الجمعيات الاهلية».

وينفي حسن ان يكون عمله في مؤسسة حكومية قد دجنه، يعتبر انه يعيش حالياً في دولة صحيحة، بدأت خطواتها الاولى باتجاه الديمقراطية، مع الاعتراف بأن حدود هذه الديمقراطية تبقى في اطار اصلاحات تنموية ولا تصل الى محاسبة السياسيين، اذ تصعب ملاحقة ملف الفساد الاداري لتغييره، لكنه لا يشعر باليأس، ويجد في الرياضة بديلاً صحياً لكافة الازمات التي تعترضه.

انس ابو الجود (18 عاماً) الاردني من اصل فلسطيني، كما يعرف عن نفسه، مشروع اديب وصحافي منذ خمس سنوات، يصدر مع رفاق له كتيبات دورية تحت عنوان «الصدى» ويشرف عليها بتكليف من اساتذته، وهو من سكان مخيم «حطين» على طريق مدينة الزرقاء في الاردن. يقول انس «وضعنا كفلسطينيين حاملين الجنسية الاردنية يمنحنا شعوراً بالامان، وهو افضل من وضع اي فلسطيني في المخيمات العربية الاخرى، لنأخذ مثلاً مخيمات لبنان، او وضع الفلسطينيين في مناطق الحكم الذاتي وتحت الاحتلال الاسرائيلي، رغم كل شيء، الاردن اعطنا كثيراً».

عن همومه الشبابية يقول: «الشباب بحاجة الى توعية، فئة قليلة منا تعرف حقوقها، المناهج لا تدلنا على هذه الحقوق، وانا تعرفت اليها من خلال المشاركة في نشاطات اليونيسيف والمؤسسات الاهلية غير الحكومية، ومن دونها لا يمكن ان نعرف ماذا يدور حولنا، فوسائل الاعلام عندما مقيدة، لا اعرف الاسباب، لكن بالمقابل الاستقرار في الوضع السياسي يسمح لنا بالتفكير في مستقبلنا بصورة افضل مما هي الاوضاع عليه في الاردن او سورية او فلسطين او غيرها من الدول المحيطة بنا».

ويلخص انس هواجسه قائلاً «يتعبنا التفكير في الناحية المادية، وايجاد المال اللازم لنتابع دراستنا وتأمين مستقبلنا. اعرف ان على الدولة ان تؤمن هذه الامور، لكن من جاء قبلنا عجز عن التغيير. ويبدو اننا ايضاً لا نملك حالياً الوسائل الكفيلة بالحصول على دولة توفر لمواطنيها فرص التحصيل ونوعية التعليم الجيدة، لا سيما في المخيمات حيث المستوى لمدارس وكالة الغوث يتدنى باستمرار قياساً مع مستوى التعليم في مدارس عمان الخاصة والرسمية، اضافة الى تفشي الجهل وعمالة الاطفال». ويشير انس الى ان حمله الهوية الاردنية لا يلغي استحواذ القضية الفلسطينية على تفكيره «فهي قضية محورية، وهدف الصهيونية دفع الجيل الحالي الى نسيانها»، بحسب رأيه. المغربية اكرام بن الشريف (19 عاماً) تدرس الصحافة في معهد الاعلام العالي في الرباط، عاشت تجربتين عمليتين في الشأن العام، الاولى من خلال برلمان الاطفال لمدة عامين، والثانية في منتدى الشباب المغربي للالفية الثالثة وشبكة جمعيات التنمية المحلية في المغرب. تقول اكرام: «التجربتان سمحتا لي بربط علاقات مع مستوى الطفولة والشباب مع اليونيسيف وصندوق الامم المتحدة للطفولة. وانا بدأت العمل في المجتمع المدني المغربي عن اقتناع، لاني اعتبر ان النضال السياسي قد يغير واقع الحال بصعوبة، لكن العمل الاجتماعي يقود الى تغيير اكبر».

وتضيف اكرام التي عاشت في طفولتها المبكرة مأساة اعتقال والدها: «ان الشباب يشكلون 60% من عدد السكان، وبالتالي معظم المشاكل تمس هذه الفئة بشكل اكبر وهي تتفاقم على صعيد الامية والفقر». وعن وضع المرأة المغربية توضح «في المغرب حركية المجتمع المدني نشيطة، وقد توفرت الارادة السياسية لتحسين وضع المرأة، لكن النضال الاجتماعي مستمر لقضية المرأة والطفل والشباب منذ التسعينات، الامر الذي ساهم في احداث تغيير في التشريع، لكن بقيت مسائل عدة تتعلق بتمكين المرأة واشراكها في العمل السياسي».

وتعتبر اكرام ان «الديمقراطية ليست مكسباً حدثياً وانما نتاج مسلسل تاريخي من البناء، لا يمكن ان يهبنا اياها احد. وقد بدأ المغرب هذا المسلسل مع الانتخابات الاخيرة، التي جاءت نزيهة الى حد كبير. من هنا لا اجد ان الملكية في المغرب تشكل عائقاً امام الديمقراطية، فالدول العربية على اي حال هي جمهوريات ملكية، لا ديمقراطية فيها، بينما نحن نعيش في ظل ملكية دستورية ولدينا مؤسسات بدأت فعلاً تمارس الديمقراطية».

واكرام على رغم صغر سنها، قادرة على مواجهة اي واقع في بلادها مهما كان محرجاً، كما تقول، مضيفة «هناك نظرية في علم الاجتماع مفادها ان تغيير واقع معين يتطلب الاعتراف به اولاً والحديث عنه بعيداً عن مفهوم «التابو». من هنا عندما نتناول مشكلة البغاء في المغرب نفتح الباب امام قضية استغلال الطفل والمرأة، بالتأكيد لا يكفي الحديث عن الازمة، وانما الافصاح يشكل خطوة اولية، تعود الى الدراسة والتغيير والضغط من خلال الجمعيات الاهلية باتجاه ايجاد الحلول من خلال دروس محو الامية، وتمرير الرسائل المفيدة عبر هذه الدروس».

وتقول اكرام ان «ظاهرة التطرف الناشئة في المغرب في خانة تغييب دور الشباب واغفال اشراكهم في القرار، مما يجعلهم فريسة سهلة للانحراف سواء لجهة التطرف الديني او لجهة الادمان على المخدرات والسلوك الشاذ».

وتنتقد اكرام «التشرذم العربي الذي يظهر بشكل فاضح في مؤتمرات الشباب الدولية، حيث نجد ان لأبناء القارة الاميركية ورقة عمل واحدة، بينما للمغرب ورقة عمل منفصلة عن تونس او الجزائر او مصر او لبنان، الامر مؤسف وإذا لم نحقق التنسيق، ربما سنضطر كشباب الى تحقيقه وحدنا».

اللبناني راندي نحلة (19 عاماً) ظاهرة لافتة في الندوة وفي صفوف الشباب، فاسمه مدرج منذ سنوات في موسوعة غينيس كأصغر مؤلف للقصص البوليسية في العالم، وهو حامل للجنسية الاميركية، وطالب في الجامعة الاميركية في بيروت، حيث يتابع دراسة العلوم السياسية. ويضع راندي اشكالية تتراوح بين الايجابية والسلبية في المجتمع اللبناني، حيث الناس يفرزون انفسهم وفق طبقية وطائفية معينة، ومن دون وعي او ارادة، مما ينتج تعددية ارست نوعاً من النظام يؤمن الانسجام الممكن. وهذه التعددية جميلة وثمينة لكنها تؤطر الناس في علبة وهمية، اذ قبل التعرف الى الشخص يصار الى تصنيفه في طائفة معينة وبعد ذلك في حزبية معينة. كل شيء لديه دلالته ومعناه الى درجة يشعر معها اللبناني انه في قفص.

والمشكلة كما يضيف راندي «هي في محاولات تطعيم الشباب بالمعطيات القديمة والنسيج الملوث للطائفية والفساد، تواجهها مقاومة من قبل شريحة واسعة ترفض هذه الموروثات، وهي الشريحة التي انتمي اليها، ومن خلالها نقوم بمحاولات جيدة لإلغاء سلبيات التعددية والابقاء على ايجابياتها».

ويجد راندي ان «الشباب اللبناني يعاني شرخاً كبيراً بين من يتجه صوب المادية والاستخفاف بالثقافة لحساب السطحية ونفخ النفس وبين فئة متواضعة ومفكرة، الفئة الاولى ترهب والثانية تبهر».

ويبدي راندي انزعاجه من الشباب اللبناني الذي يملك نظرة متعالية تجاه العرب وينبهر بالاجنبي، وهو يلاحظ «ان الشباب العربي جدي ويشعر بقضايا امته اكثر من الشاب اللبناني، او الفئة السطحية منه اذا صح التعبير، وربما يعود الامر الى تجربة الحرب الاهلية والدور الفلسطيني فيها».

ويفضل راندي «ان ينخرط في مؤسسات دولية، فهو يشعر ان العالم يعنيه وليس فقط لبنان، حيث المحاسبة على الكلام تصل الى حدود مزعجة، مما يدفع بالشخص الى تحاشي الدخول في امور ثانوية». ومع هذا يصر راندي على الحياة في لبنان وهو الذي امضى 8 سنوات في لوس أنجليس، «لأن حرارة التعامل ووسائل التعبير تغذي الروح، بينما هناك تبقى الحدود في التعامل قاسية وغير دافئة».

وفي عودة الى الكبار تقول المسؤولة الاعلامية في اليونيسيف سهى بساط البستاني «ان المراهقين في الدول العربية يعيشون مستويات متعددة، لكن معظم هذه المستويات لا تبشر بالخير، ففي الغنية الشباب متخمون لدرجة انعدام الحلم، ولا يشعرون بحاجة للتطور. اما بالنسبة الى المراهقين في الدول المحتلة كالعراق وفلسطين، فنلاحظ انهم فقدوا الامل ووصلوا الى درجة اليأس التي افقدتهم الرغبة بالتحرك لتحسين اوضاعهم. وفي الدول الفقيرة كاليمن، نجد ان مستوى التعليم عند الاهل متدن، ومستوى المدارس غير مقبول، وانعدام الامكانات الغنية تحول دون وصول الشباب الى ايجابيات العولمة والمعرفة». وشددت البستاني على «دور الاسرة التي يجب التوقف عندها قبل طرح اية سياسة شبابية، لا سيما في طغيان العولمة، التي اذا ما ترافقت وغياب دور الاسرة تصبح وسيلة انحراف اما نحو التطرف او نحو الفساد من ادمان على المخدرات والكحول او اقامة علاقات جنسية غير صحية وغير مدروسة».

ولا تستثني سهى البساط البستاني لبنان من ازمات الشباب، وتقول «ان المشاكل الطارئة على المجتمع اللبناني المميز بدخله المتوسط كثيرة، لكن اخطرها ما يبرز على مستوى التعليم الرسمي، اذ ترتفع نسبة الرسوب المدرسي في المرحلة المتوسطة والثانوية حيث الفئة العمرية الصعبة، وطلاب المدرسة الرسمية يتعرضون الى ضرر خطير عندما تتعثر دراستهم، فهم يتركون المدرسة التي لا تسأل عنهم في الاصل، ليصبحوا مهملين ومعرضين للمخدرات والعنف والامراض الجنسية المنقولة والعمل في ظروف سيئة».