تعليم المرأة.. واجه ممانعة في بداياته وما زال يدفع الثمن

تفاوت الاشكاليات الحقوقية في كل دولة (2 من 2)

TT

الحديث عن أهمية تطوير تعليم المرأة في الخليج، جزء من حديث عام حول أهمية الالتفات للاشكاليات الحقوقية الخاصة بها، ربما التعقيدات الاجتماعية في ما يخص الشؤون النسوية تبدو الحاضر والمعيق الأبرز من بين بقية العوامل.

التعليم بالتأكيد أحد صور هذا التمييز ضد المرأة، وتتفاوت حدته من دولة الى اخرى، كما تفاوتت طرق تشخيصه. ففي الكويت رغم ان أول دفعة من الفتيات سافرت لانجلترا وأميركا لتلقي التعليم في عام 1952، وهو العام الذي لم يكن التعليم فيه قد بدأ بعد في بعض الدول الجوار، فاليوم بالكاد حصلت على حقها السياسي في الترشح والتصويت. وفي البحرين رغم أن تعليم المرأة فيها، يعد الأبكر على مستوى الخليج، الا انها فشلت في انتخاباتها الاخيرة بتحصيل دعم شعبي للنساء المترشحات.

وفي السعودية ما زال تعليم المرأة يكاد يكون محصوراً في قطاعي الصحة والتعليم، ليس فقط لموانع اجتماعية، لكن أيضاً لغياب تخصصات جامعية، مثل الهندسة والسياسة والاعلام وغيرها. أما في عمان والامارات، فرغم طبيعة الحياة التي تمثل البساطة في الاولى والانفتاح في الثانية، فما زالت المناهج تحفل بشيء من التمييز في طبيعة الايحاء الذي تعطيه بعض القصص في المناهج عن الدور الاجتماعي للذكر والانثى.

الكويت

* رغم البدايات المشجعة للتعليم في الكويت، وقدرته على احداث نقلة حقيقية في الوعي الاجتماعي، الا انه وقف عاجزاً أحياناً، أمام تحديات من نوع المشاركة السياسية، وهو ما يشخصه الدكتور باقر النجار الباحث في شؤون التعليم في الخليج بأنه «رغم أن التعليم لعب دوراً مهما في الرفع من المكانة الاجتماعية للمرأة، الا أنه قد يفشل في تحويل كل ذلك الى قوة ووعي اجتماعيين يطالبان بإعطاء المرأة حقوقاً سياسية وأخرى مجتمعية مماثلة لبعض حقوق الرجل».

ويرى سليمان المطوع، وزير التخطيط الكويتي الأسبق، أنه «على الرغم من وجود رغبة حقيقية في البدايات لتمكين المرأة من القيام بدور فعال، دفعت الشيخ يوسف بن عيسى في حينه الى السماح لابنة اخيه بالذهاب للخارج لاكمال تعليمها لتشجيع باقي العوائل، الا أن واقع تعليم الفتيات اليوم لا يسر كثيراً».

وفي مثال أورده الدكتور باقر النجار في كتابه «صراع التعليم والمجتمع في الخليج" أورد ما يلي عن دراسة تخص المناهج الكويتية «الابن الذكر جاء في المناهج الدراسية حاملا كل الصفات الحميدة، فهو مكافح، بطل، ذكي ومبادر، مخلص، طموح، صادق ومحب للمعرفة. أما الفتاة فهي شكاكة، محدودة الطموح، لا تحسن التصرف وتعتقد بالخرافات».

ويضيف المطوع وهو الناشط في حقل التعليم «للأسف أن النظرة القاصر للمرأة بدأت تغزو القيم المقدمة للطلاب والطالبات، عبر كتبهم في بداية الثمانينات. وهي نقطة خطيرة لم يتنبه لها. وأحياناً تتعدى لتصبح المعلمة صاحبة الموقف، مما بلغ باحداهن الجرأة للتصريح، بأنها تعطي للطالبات في الجزء الأول من الحصة ما تريد، ثم تدرسهن ما في الكتب».

ويذكر أن المرأة الكويتية قبل فترة بسيطة عاشت نشوة انتصارها بخبر تعيين اول وزيرة امرأة، وهي الدكتورة معصومة مبارك، وبمنح المرأة حق الترشح والتصويت، بعد 42 عاماً نيابياً في الكويت بلا نساء.

السعودية

* عند الحديث عن تعليم البنات في السعودية وبداياته، لا يمكن تجاوز الموقف الحاسم الذي اتخذه المغفور له باذن الله الملك فيصل بن عبد العزيز بإنشاء مدارس نظامية للبنات. وكانت تحفل بممانعة جادة من قبل بعض القوى المحافظة في السعودية. وربما دفع تعليم الفتاة في السعودية اليوم ثمن هذه التحفظات، التي حصرتها في زاوية ضيقة من حيث التخصصات الدراسية وفرص العمل وطبيعة القيم الموجهة لهن عبر المناهج والمناشط المدرسية.

يقول الكاتب السعودي محمد المحمود «سيطرة تيار فكري منغلق على المؤسسات التعليمية اثر الى حد كبير في وضع المرأة الاجتماعي. فبدل أن يكون التعليم أداة للرقي بالمرأة، التي تعاني من تهميش اجتماعي، اصبح التعليم أداة تشريع وتعزيز وتبرير هذا التهميش، بل كانت المرأة في مرحلتها (الأمية) أكثر وعياً بانسانيتها من نواح عديدة».

ويضيف المحمود «المرأة لدينا ربة منزل فحسب، فبعد أن تقطع كل مراحل التعليم، تعود الى البيت، ولا يشغلها الشأن العام، وان مارست وظيفة، فكدور مهني لمتطلبات المعيشة فقط. فالوعي بالشراكة الاجتماعية ليس موجودا لدى المرأة التي خرجت من خلال التعليم الحالي في السعودية». وتزيد الدكتورة عزيزة المانع «لا شك في أن المرأة في السعودية تطمح الى مساحة تعليم اكبر من الحالية. مما يظهر أن موانع هذا التحول اجتماعية، ولكني أؤمن بوجود اسباب اخرى».

وتضيف «صورة المرأة في المناهج أيضاً بحاجة الى تغيير وتنقيح. فمن المعيب ان تكون المناهج لا تزال تقدم المرأة بالصورة الساذجة المغلوبة على امرها، الضعيفة والخائفة، علما بان الواقع الذي نعيشه خارج هذه المناهج مختلف تماماً». اذا كان من حادثة يستدل بها على مدى حساسية أي قرار يتخذ في ما يخص قضية تعليم الفتيات، فلا أدل من الضجة الشهيرة التي ثارت العام الماضي على الدكتور محمد الرشيد، وزير التعليم السابق، حينما اقترح اضافة مادة التربية البدنية للحصص الدراسية الخاصة بهن. فشن الاصوليون حملة ضده، دفعته الى «طلب فتوى من هيئة كبار العلماء في ادخال المادة المذكورة كمقرر دراسي».

البحرين

* المرأة البحرينية ايضاً لديها اشكالياتها، على الرغم من أن أولى المدارس النظامية في البحرين كانت للفتيات وليس البنين. وكانت المدرسة تابعة للارسالية الاميركية. واللافت أيضاً أن تاريخ هذه الجزيرة حفل بأول مشاركة حقيقية سياسية للمرأة بمنحها حق التصويت في اول انتخابات بلدية عام 1919. ولكن ما لبثت بوادر الانفتاح ان خبت تدريجياً.

اليوم تتعايش المرأة البحرينية مع وضع مختلف نوعاً ما. تقول عنه د. وجيهة البحارنة «الصورة النمطية للمرأة في المناهج الدراسية، لا أعتقد انها مسيسة بقدر ما هي تقديم لعادات متوارثة. لان الام ذاتها تساهم في هذه الصورة من خلال تكليف الفتاة بخدمة اخيها في المنزل وايكال المهام التنظيفية مثلاً لها. اعتقد انه موروث اجتماعي من الصعب تغييره».

وتضيف «وهذا ما يفسر ما تواجهه المرأة من صعوبات سياسية واجتماعية. وهذه الرؤية القاصرة منبعها مكانان، الاسرة والمدرسة اللتان تكرسان هذه الرؤية». وتضرب البحارنة مثالاً على مناهج الكتب البحرينية بانها «لا تحوي اية صيغة مخاطبة للمؤنث. وصيغة الاسئلة دائماً بصيغة المذكر. تصور فتاة تدرس مراحلها التعليمية جميعها وهي تخاطب كذكر.. رغم رمزية الامر الا انه يترك أثرا نفسيا بالغا في داخل العقل المحلي».

الدكتور عبد الله المدني يفسر واقع المرأة التعليمي بأنه «فضلاً عن الموروث الثقافي المحافظ نسبياً، الا أن الصراع السياسي بين التيارات السياسية والدينية تحديداً القى بظلاله على المناهج. ولا مناص من مشاهدة هذه النزعة الأصولية في قصة عابرة او نص ديني منتقى لغاية معينة».

ويلفت الانتباه الدكتور باقر النجار الى أن «المشاركة السياسية للمرأة العربية لا تتجاوز 11.5 في المائة، فيما تصل في حالات بعض دول افريقيا الى اكثر من 30 في المائة، فسيادة الافكار والقيم التقليدية التي يبشر بها الفرد من خلال وسائل متعددة، من بينها المدرسة والمؤسسة التعليمية، تجد طريقها لعقول الطلبة والطالبات». لافتاً الانتباه الى ان «المدرسة تبدو في كثير من الاحيان وكأنها تعيد انتاج ما هو قائم خارج اسوارها من تراتب اجتماعي وأنساق اجتماعية ووعي اجتماعي واتجاهات اجتماعية». الإمارات وعمان

* أشارت دراسة حول مضمون الكتب في دولة الامارات في مطلع التسعينات، اعدها أحمد طاهر حسين، الى أسبقية دور الذكور على الاناث من الابناء، حيث يولي الآباء عناية فائقة للفتيان، واهمالا واضحاً للبنات.

ودلل حسين على ذلك بايراده مثالاً ورد في كتاب الصف الأول ابتدائي، يظهر اهتمام الام بالذكور من ابنائها، من حيث رعايتهم والاهتمام بأكلهم واستعدادهم للذهاب للمدرسة، وتختفي مظاهر هذا الاهتمام في حالة البنات. وبالمثل، يظهر الأب وهو يولي الابناء الذكور رعاية خاصة، من حيث اصطحابهم للأسواق وتدريبهم عل انتقاء الأسماك الطازجة. اما البنت فيقتصر نشاطها على الامور البيتية واللعب بدميتها.

يقول الاكاديمي عبد الرحيم شاهين «رغم أن بدايات التعليم في الامارات كان مختلطا بلا مشكلات تذكر، الا أنه مع منتصف السبعينات بدأت اصوات متزايدة تنادي بالفصل، وكان ذلك. غير أني لا استطيع أن اؤكد أن هناك توجها تعليميا للحد من قدرات الفتاة الاماراتية، حتى مع الضغوط التي تمارس من قبل المجتمع».

ويضيف الشاهين «الهاربون من براثن الأدلجة التعليمية أصبحوا يذهبون بأبنائهم الى المدارس الاجنبية المنتشرة في الامارات. فضلاً عن أن نسبة المتعلمات من الفتيات اليوم تفوق بمراحل أعداد المتخرجين من الفتيان، حتى أن العام الماضي بلغت نسبة المتخرجات من الاناث مقارنة بالذكور الضعف وأزيد قليلاً».

اما سلطنة عمان التي تشارك الدولة الاماراتية هدوءها. فلا يبدو أنها تناقش المسألة بصخب. يقول الدكتور محمد الذهب «الظروف الاقتصادية في عمان فرضت واقعها على المجتمع العماني، وأملت شروطها. فعاش تعليم المرأة تدرجا واضحا نحو الانفتاح. وبالتالي فتحت أمامها فرص عمل كثيرة. وان كانت ليست بالحجم المطلوب حالياً، الا انها في تنام واضح».

وأضاف الذهب «لا أعتقد أن المناهج تحمل طابعا عدائيا أو تهميشيا تجاه المرأة وربما تظهر المناهج العمانية بطابع متقدم في هذا الجانب تحديداً». تجدر الاشارة الى أن وزيرة التنمية العمانية الدكتورة شريفة اليحيائية أشارت، في احد المؤتمرات الخاصة بالتنمية وتعليم الفتيات في السلطنة، الى ان «غياب المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة في سلطنة عمان ليس ناتجاً من تميز في النظام الاساسي أو التعليمي، بقدر ما هو ناتج عن اتجاهات وأعراف وممارسات لم تعد تناسب روح العصر. وهي اتجاهات وممارسات لا يتبناها بعض الرجال فقط، بل تتبناها نسبة غير قليلة من النساء».