أكبر معرض في العالم بين المحاكاة والنقل والتشبيه * بيتر بليك: الأكاديمية الملكية تمد يدا إلى العالم الخارجي لتستفيد من تجارب الشباب

توصلت رويال اكاديمي للفنون في لندن بأكثر من 15 ألف قطعة فنية في معرض الصيف المفتوح الذي تقيمه كل سنة، فاختارت اللجنة المشرفة عليه حوالي ألفي قطعة فقط.. الطيب زاك جال في المعرض مع المشرف الرئيسي بيتر بليك وخرج بهذه الصورة

TT

العنف والغرابة والجنس مواضيع تسيطر على الفن وتتكرر في مضمونه وتتحكم في اتجاهاته. لكن معرض الصيف الذي افتتح أمس في الاكاديمية الملكية في لندن يسعى لاعادة الاحساس بالجمال والمرح الى الفن والجمهور على السواء.

لن يجد الانسان صعوبة في الاستمتاع بالمناظر والألوان هنا، الا أن الصعوبة ستكون لا محالة في مشاهدة أكثر من الفي قطعة موزعة على عشر غرف أو يزيد.

«لماعة للبصر.. فاتنة الالوان.. جذابة الاشكال» تلك هي التعابير التي اسخدمها بيتر بليك المشرف الرئيسي على تنظيم المعرض وهو يجول معي في غرف اختارها. أشار مرة اخرى الى صورة على غلاف دليل المعرض عليها عبارة: «الآن سيصبغون المدينة باللون الأحمر» قائلا ان أعضاء اللجنة المنظمة استوحوا منها شعارا، ثم أضاف «انه الصيف وما يوحي به من بهجة وانطلاق» لا بد من ان اعضاء اللجنة وجدوا في العبارة ضوءا ايضا ليختاروا هذه المجموعة من بين حوالي 15 ألف قطعة.. من لوحات وتماثيل توصلت بها الاكاديمية من الجمهور للمشاركة في هذا المعرض المفتوح.

من دون شك يبدو ان التركيز هنا على الرسم كأداة للتصور واللوحة كمجال للابداع بعد أن طغى الاهتمام بالتركيب الفني كأساس للكشف والتعبير. وكما كانت لفن البوب تجاربه في اختبار العالم وصناعة بديل له فان التركيب او الانشاء الفني وصل الى النتيجة نفسها: ان العالم يضيق بالتكرار عندما لا يجد متسعا لتنفس هواء نظيف.. التلوث كان دائما من اسباب توقف النمو والذبول.

في هذا المعرض أعمال كأنها أجنحة تعلو في فضاء شاسع ونظيف، الا انها قليلة اذا ما اعتبرنا حجم المعروض كمية واعدادا.

الافراط هنا في الشكل الهندسي، ثم أنه لا فرق في تحريك النظر من جهة الى جهة. الكمية ضخمة، لكن ما علينا غير الصبر لعلنا نكتشف مجوهرة تحيلنا الى فنانين في النظر ايضا.

اما بيتر بليك فهو أبو فن البوب البريطاني، عرف الشهرة منذ أن رسم غلاف اسطوانة البيتلز «نادي سيرجنت بيير للقلوب الوحيدة» في الستينات، ولا يزال اسلوبه الشعبي يثير تنافسا بين الجمهور واحتداما بين النقاد. وهو يعرض في الغرفة الرئيسية لوحة «مادوتا» في صورة كبيرة لامرأة سوداء وبجانبها لوحة اخرى لفتاة تشبه المغنية مادونا وهي تتحرك بحذاء دراجات: «رسمت الصورتين في وقت كانت فيه الموسيقى تحرك شعورا روحيا في النفس».

العلاقة بين الرسم والموسيقى تبرز للمرة الأولى في المعرض. روني وود العازف في فرقة رولينغ ستونز يعرض لوحة بافلو افريقي في لون داكن. وقدم المغني هولي جونسون رسما يصور بحارا. اما بول ماكارتني فقد اختارت اللجنة من أعماله لوحة تجريدية يغلب فيها الأزرق والبني في عنوان «غروب الشوكولاته».

تقول الأكاديمية ان هذه التظاهرة الفنية أكبر معرض مفتوح في العالم. لكن هذا العدد المشارك يجلب معه التكرار في المواضيع وكلها اما اشخاص او مناظر طبيعية. الا أن المعرض يظل مرآة للتيار التقليدي الهادئ أو ما يسمى فنا بالنسبة للاغلبية وانتاجا ميتا بالنسبة للمنتقدين.

ويتحدث بليك عن تنظيم المعرض وتقسيمه فيقول «لقد خفضنا عدد المشاركين الهواة حتى نتيح فسحة أكبر للمشاهدة من دون تراكم الاعمال او ازدحامها على النظر» وقد اختار الفنان في الغرفة الثالثة التي اشرف عليها بنفسه عددا من الفنانين الشباب من بينهم تريسي أمين وبيتر ديفيز وبريجت رايلي، مستخدما خبرته في التأليف بين مواد متضاربة والجمع في ما بينها لخلق علاقة جمالية متضاربة. ولم يغفل أن يزرع بين هذا العدد الضخم لوحات في احجام صغيرة هنا وهناك في غرفة اخرى.. انها تعلن عن نفسها في احتشام بين هذا العدد الضخم، لكنها تؤكد دائما فعالية وتقنية مرتفعة في تكوين الشكل ووضع عناصره مع بعضها كما نرى في لوحة «الديك» لأفور ابرهامز الذي استخدم صورا رقمية من الكومبيوتر. وكذلك لوحة جيمس كيرمان «يوم الموتى» التي تصور جماجم مصبوغة من خشب.وهناك عدد كبير آخر من رسوم هذا الحجم وقد اهتمت كلها بمناظر الطبيعة، وأحيانا يطل منها جزء من المنظر وليس كله في تأثير أقوى مما لو ظهر المنظر كاملا.

تتراوح الأسعار بين 500 جنيه و100 الف جنيه، وهذا الرقم الاعلى استحقه تمثال لتوني كراغ في الغرفة الثامنة وهو في شكل عمود مكون من اجزاء عدة يوحي كأنه مصنوع من مادة هشة وليس من رخام، والى جانبه تمثال للنحات انيش كابور وهو من الفنانين المزدوجي الثقافة، وله شهرة واتباع في اوروبا وأميركا، ويصور تمثاله منحوتة في شكل قطعة خام محفورة بدائرة مصقولة عاكسة كأنها مرآة. واذا كان مدخول الأكاديمية في العام الماضي فاق مليوني جنيه، فالمتوقع ان المدخول سيزيد هذا العام وخصوصا ان المعرض يشتمل على اكبر عدد من الفنانين المحترفين الذين لهم سمعة في انجلترا وخارجها. وكان هؤلاء يرفضون المشاركة وتقديم أعمالهم في الاكاديمية. وقال بليك انه استطاع اقناع الفنانين النخبة في نظام العرض الجديد الذي اعتمد في الاساس على التفريق بين أعمال الهواة والمحترفين مع توزيع مهمة الاختيار على عدد من اساتذة الفن كل حسب ذوقه واهتماماته.

في الغرفة الثالثة كانت هناك مناظر تجذب للوهلة الاولى، وهذا جورج باسيليز في نوع آخر من العفوية. اسمع بليك يقول «كأن الفنان يرسم من دون اي فكرة أو نظام مسبق» يجوز ان يكون لهذا علاقة بعنوان اللوحة: «الايمان يزحزح الجبال» غير أن المشاهد قد يستنتج تناقضا بين هذه التسمية والشكل الذي يصور ذئبا فوق قمم مثل تلال. احتفى المعرض في العام الماضي بالفنان الاميركي فرانك ستيلا عندما خصص لمنشآته المعدنية الضخمة غرفة بكاملها، لكنه يعود في هذه السنة ليقدم تمثالا صغيرا من الصلب في هيئة تجمع بين الحركة والسكون.

انطلق بليك الى موعد آخر مع كاميرات التلفزيون ليقف في الغرفة الكبرى (الجهة الغربية من المعرض) فلم يظهر على صوته وملامحه أي تغير. نرى في المكان نوعا آخر من التجسيم، ويجذبنا حب الاستطلاع أن لا نتوقع اكثر مما يستطيع الذهن ان يجادل. في الغرفة عرض فج لكنه محتمل. في الوسط تقف ثلاجة بمحتوياتها المصنوعة من الالمنيوم المصبوغ للفنان كلايف باربر. ثم هناك قطعة كرسي لتريسي أمين مطرز بكلمات في عنوان «هناك مال كثير في الكراسي» أي أن تصميمها والتجارة فيها تعود بأرباح. وقد كانت هذه الفنانة تفكر في الانتحار يوما ما من كثرة التجاهل وعدم الاعتراف بأعمالها، الى أن قدمت قطعة سرير وسخ في متحف تيت غاليري للفن الحديث فصارت لها فجأة شهرة عالمية.. وكان عليها في هذه الحالة أن تضع كلمة «الفن» بدل كلمة الكراسي في عنوان قطعتها الحالية.

الغرفة الرئيسية عند المدخل مضيئة، حيوية ومليئة بالألوان، وهي الوحيدة التي تجسم فكرة المعرض الى أبعد حد. المشاركون فيها كلهم من أعضاء الاكاديمية. فهم من الفنانين المبجلين، وحيثما تمر السمعة يصير الانتاج عميلا لها يخدمها في حالة أو أخرى. انطوني تابيس يخرج من هذا الافتراض، وتقمع لوحته استخلاص أي فكرة: انها علامة ضرب سوداء، يمكن ان تتحول الى ضرب في الرأس اذا لم تبتعد عنها سريعا الى قطعة حمام بانيو مصبوغ باللون الأبيض للفنان نفسه. يمكن الوصول الى الشيء نفسه في لوحة رتشارد سيرا، فهي دائرة سوداء وتكوين جمالي عفوي يسعى لتقديم فكرة البساطة والغاء التفكير بتاتا. البروفيسور جون هويلاند يقدم ثلاث لوحات تتميز بألوان دافئة ومهيأة في أشكال هندسية. وكذلك تيري فروست الذي يقدم أشكالا دائرية غير مستقرة تغرق في ألوان يغلب عليها الأصفر والازرق.

باربارة لوكاس لم تكن بحاجة الى خيال من أجل العثور على عنوان لقطعتها التي تدعى «عمل سجائر» وهي عبارة عن مجسم صغير من أعقاب السجائر. هذه الواقعية في العناوين ترتقي درجة أخرى عند دميان هيرست الذي يدعو لوحته «صباغة البيت على قماش» وهي عبارة عن بقع ملونة ومستديرة كتلك التي تظهر زينة في ثياب النساء.

قد تكون مجرد سخرية في محاولة لتقويض الهالة التي تحيط بالفن التشكيلي. كثير من المعروضات في الغرفة من هذا النوع، وفيها هدم لأي ادعاء انها تحاول تقديم جمال أو رؤيا عدا النقل والتشبيه او المحاكاة.

تلخص لنا الأعمال هنا التناقض الموجود في المعرض، بين التجارب الحديثة وبين البقاء في نطاق التعامل الكلاسيكي الذي تميل نحوه الأكاديمية: «انه عبارة عن مد يد الى العالم الخارجي للاستفادة من تجارب الشباب».

Royal Academy of Arts Summer Exhibition 2001 Telephone: 0207300 8000 يستمر المعرض الى 13 أغسطس (آب)