الفنان المغربي الساخر «بزيز»: لو كنت وزيرا للفلاحة لأمرت بالإكثار من زرع بذور الضحك

يقول إنه يستمد جذوره من الشاعر الحطيئة ولا يستبعد أن يكون موضوع عرضه المقبل السخرية من نفسه

TT

يوصف الفنان المغربي الساخر أحمد السنوسي الملقب بـ«بزيز» بأنه فنان الشعب الذي تطفح سخريته بالمرارة وهو يستمدها من معاناة شعبه اليومية ومن مفارقات الحياة داخل مجتمع مغربي تخترقه التناقضات. وقد أدى التزامه بقضايا الشرائح الفقيرة وجرأته على فضح هذه التناقضات وتعرية المفارقات الى منع عرض اعماله الفنية في القناتين التلفزيونيتين المغربيتين الرسميتين لمدة تزيد على 14 عاما، مما جعله يضيف الى القابه لقب «الفنان الممنوع بامتياز». علي انوزلا وعمر أوشن التقيا «بزيز» في هذا الحوار عن شخصيته كانسان وكفنان.

للفنان المغربي الساخر أحمد السنوسي الملقب بـ«بزيز» رأي ساخر، لكنه ينضح مرارة، في مقص الرقابة الذي عانى منه بنفسه كثيرا، فهو يرى أن «الاستاذ المقص» شخصية حديدية يشتغل كثيرا في الأماكن التي تنعدم فيها الحرية. انه مخلوق عجيب اندثر في الدول المتقدمة، ويرجع الفضل لعالمنا المتخلف في الحفاظ على هذا المخلوق المعرض للانقراض.

* لكن ما هي حكايتك انت معه؟

ـ اذا كنتما تقصدان بالمقص الرقابة، اقول ان المغرب اصبح اليوم مطالب بـ«فك رقابة» للتكفير عن ماضيه. اما حكايتي مع المقص فتتجاوز الرقابة في مفهومها الضيق، عندما تتعرض اعمالي للمنع واحيانا يقع ذلك حتى قبل العرض، وحدث ذات مرة ان منع عمل لي بعد عرضه.

* لماذا أنت واعمالك معرضان دائما للمنع والرقابة؟

ـ مرت الآن 14 عاما على منع عرض اعمالي في التلفزيون الرسمي. هناك اليوم طبعا الكثير من الحديث عن التغيير وعن اتساع مجال حرية التعبير، لكن الكل متفق على ان التلفزيون لم يرق بعد حتى الى مستوى الخطاب الرسمي، فهو عوض ان يعكس هذا الخطاب المتفتح اصبح «يعاكسه».

* لماذا لا تحاول عرض اعمالك في قناة تلفزيونية اجنبية لتتجاوز المنع المفروض عليك داخل بلدك؟

ـ تقترحان علي حلا تكنولوجيا، وانا اعترف ان هناك امكانية حتى داخل بعض القنوات العربية لعرض اعمالي الفنية، لكن قبل ذلك يجب الاقرار بأن الأبواب موصدة امامي داخل بلدي، ومع الأسف فهذا «الحصار الاعلامي» المفروض علي يعاني منه حتى بعض الوزراء داخل الحكومة الحالية، وقد قرأنا مؤخرا في بعض الصحف ان هناك بعض الوزراء تعرضت انشطتهم للرقابة، فانا كفنان عندما اسمع بأن هناك اعضاء في الحكومة تمارس الرقابة على تصريحاتهم في التلفزيون الرسمي، كيف يمكنني ان أتوجه لهم لأشكو لهم ما أتعرض له من منع وتضييق؟

فنحن في المغرب لدينا وزارة للاتصال (الاعلام) رسمية ووزارة للتلفزيون، لأن التلفزيون اهم جهاز تتوفر عليه وزارة الاعلام، والا كيف يمكن تسمية هذه الوزارة بوزارة الاتصال اذا كانت تخرج عن سيطرتها اهم اداة للاتصال ألا وهي التلفزيون؟

بالنسبة لي، قضيتي هي جزء من حرية الاعلام والتعبير في المغرب، لأني لست وحدي من يعاني من هذا «الحصار الاعلامي»، فهناك الكثير من السياسيين والنقابيين والمثقفين والمفكرين والفنانين الممنوعين من الظهور على شاشة التلفزيون الرسمي الذي يمول من اموال دافعي الضرائب.

* هل منع اعمالك هو خوف من شعبيتك أم من جرأتك؟

ـ قبل اسبوعين طرح سؤال منعي من الظهور على شاشة التلفزيون في برنامج حواري مباشر، ورد صاحب البرنامج وكأنه يتحدث باسم الوالي (المحافظ) الذي يرأس ادارة التلفزيون، بأن ابواب التلفزيون مفتوحة امامي، فهل ينتظر مني ان اتصل بادارة التلفزيون واقترح عليهم برمجة لقاء معي يعرض يوم كذا وعلى الساعة كذا؟ أنا على أتم الاستعداد للمشاركة في اي برنامج موجود، ونفس الشيء أتمناه لكل الذين تعرضوا للاقصاء في المدة الاخيرة، لكن شرط ان لا أتعرض للرقابة المسبقة من قبيل تحديد الأسئلة وتحديد نوع الأجوبة، فهذه رقابة من نوع جديد تحاسب النيات. أنا بحاجة الى أن أحس بأني غير ممنوع في بلدي، واذا لم أكن غير ممنوع كما يدعون فلماذا اثارة هذا المشكل كل مرة؟

* ألا يمكن تبرير منعك بكونك تسيس فنك؟

ـ لا أطالب الا بما هو موجود، ومعاملتي بالمثل. أعرف بلدي جيدا، واني اكثر وعيا بالمرحلة التي نمر بها، فنحن منذ اربعين عاما نسمع بأن البلد يمر بـ«مرحلة دقيقة»، وقد آن الأوان لنقول بأن هذه المرحلة قد طالت، وبأن زمن الحجر على الأفكار قد ولى، كما ان عهد الوصاية على الشعوب في اندثار.

الحكم على أعمالي الفنية هو من اختصاص النقاد وليس من حق ادارة التلفزيون ان تقيم اعمالي سياسيا، لأن هناك فنانين آخرين يطنبون في كيل المدح لمنجزات الحكومة في اعمالهم الفنية وتعرض على التلفزيون، وهذا ايضا اعتبره سياسة، كما أن مطالبتي بعدم توظيف أعمالي سياسيا أعتبره سياسة، وأعتبره شرطا مجحفا وتجاوزا سافرا للحق في حرية التعبير. وحتى اذا اردت الاستجابة لمطلبهم هذا، مع ما فيه من استخفاف بعقل المتلقي، اقول لهم انه لحد الآن لا توجد تلك المصفاة السحرية لعزل السياسة عن غيرها في اي عمل فني منذ أن ظهر المسرح ابو الفنون، وهنا أستغرب كيف ان هناك الكثير من الاعمال التي تعرض لفنانين في الفضائيات العربية وكلها مدح وتزلف للحكام ومع ذلك لم يرتفع صوت واحد ليقول ان هذه ايضا اعمال سياسية. فقط عندما يتعلق الأمر بالنقد وبالحديث عن وضعية حقوق الانسان يصبح الأمر يتعلق بالسياسة.

* كيف تفسر ازدياد شعبيتك يوما بعد يوم بالرغم من المنع والحصار الذي تعاني منه اعمالك الفنية، ألا تجد راحتك في وضعك الحالي بالرغم من كل ما تعتبره معاناة فنية؟

ـ من يربط بين شعبيتي ومنعي، فما عليه الا ان يرفع الحصار عن اعمالي الفنية ليرى مدى صحة ما يدعي، فنفس التبرير الامني كان يقال عن سياسيين كانت السلطة تضعهم تحت الاقامة الاجبارية وتقول انهم يستغلون وضعهم للدعاية لأنفسهم. وبدون البحث عن مبررات، اقول ان ما أعاني منه يعتبر ظلما وحيفا في حقي كفنان انتمي الى هذا الشعب.

لا أنكر ان هناك الآن هامشا اوسع في مجال الحريات واحترام حقوق الانسان، لكن مع الاسف ما زال هناك من لا يريد ان يقتنع بأن الأمور تتطور.

* ذاع صيتك اكثر داخل الحرم الجامعي في فترة كان فيها اليسار هو الذي يسيطر على الجامعة، والآن رغم هيمنة التيار الاسلامي على الحرم الجامعي فان شعبيتك ما تزال في تصاعد.. كيف تفسر ذلك؟

ـ التحول داخل الجامعة هو جزء من التحول العام الحاصل داخل المجتمع المغربي. وبالنسبة لي كفنان اتعامل مع الطلبة من منطلق التضامن مع قضاياهم من دون ان أتدخل في توجهاتهم السياسية. فهم يقبلون على عروضي الفنية لأنهم يحسون ان فيها التزاما مع القضايا النبيلة.

* أنت معروف بمواقفك المناهضة للصهيونية، ومع ذلك لم تتردد في السفر الى الولايات المتحدة معقل الصهيونية.. فمن تخاطب بفنك هناك؟

ـ اولا الدعوة وجهت لي من مغاربة وعرب متعاطفين مع القضية الفلسطينية والقضايا العربية عموما، طبعا هناك وجود قوي للوبي الصهيوني داخل الولايات المتحدة، لكن ينبغي ان لا يمنعنا هذا من الذهاب للقاء الشعب الاميركي ومحاورته فنيا، لأن قضيتنا مع الصهيونية اولا ومع الادارة الاميركية التي تخضع لضعوط اللوبي الصهيوني، وهذا ناتج عن قصور من طرف عرب اميركا.

* ألم تفكر في استغلال شعبيتك وتخوض الانتخابات؟

ـ لا أبحث عن استغلال فني لبلوغ اهداف سياسية محضة. مهمتي ان أسخر من السياسة ومن السياسيين، لا ان اكون محترفا للسياسة. فكيف تتصور ان فنانا مثلي كان عمله هو اضحاك الجمهور يتحول في يوم من الأيام الى عامل (محافظ) او نائب برلماني او وزيرا للفلاحة (الزراعة).

* لو كنت فعلا وزيرا للفلاحة.. ما هو اول قرار ستتخذه؟

ـ سآمر بالاكثار من زرع بذور الضحك، وتوسيع حقول الحرية. وهنا يحضرني مثال الفنان الفرنسي الساخر كوليش الذي رشح نفسه لرئاسة فرنسا في الثمانينات، فترشيحه كان عملا فنيا ساخرا اراد من خلاله ان يسخر من السياسيين الذين نافسهم وعلى الناخبين الذين صدقوه واعطوه اصواتهم. بالنسبة لي كل ما اطلبه هو ان تعطى لي الحرية في تقديم عروضي الفنية بدون تضييق، وطموحي هو ان أترك أثري في مسيرة الفن في بلادي.

ثم كفانا من السياسيين، فنحن لدينا ما يكفي من السياسيين لدرجة ان برلماننا يتكون من غرفتين في حين ان هناك أسراً بكاملها لا تجد حتى غرفة واحدة تأوي اليها، فماذا صنع لها السياسيون؟

* من أين تستقي مضامين اعمالك الفنية؟

ـ (ساخرا) اعرف شخصا يبيع مثل هذه المضامين، ولن أفشي لك سره لأنه طلب مني ان لا افصح عن عنوانه حتى لا يذهب فنانون آخرون اليه لشراء وصفات فنية تشبه تلك التي اقدمها.

* ألم تفكر يوما في السخرية من نفسك بدل السخرية من الآخرين؟

ـ اعتبر انني استمد جذوري من الشاعر الحطيئة، لذلك لا أستبعد أن يكون موضوع عرضي المقبل السخرية من نفسي، وأتمنى ان لا أمنع في هذه الحالة.

* كيف ستمنع؟

ـ سيقولون انهم منعوا العرض الفني لأحمد السنوسي لأنه يسخر من «بزيز» فالتبريرات لا تنقصهم.

* ما هي المواقف الطريفة التي حدثت لك اثناء تقديم أحد عروضك؟

ـ عندما دعيت الى تقديم عرض امام الخريجين المعطلين، كان اطرف ما واجهته هو ان الضربة الأولى التي تعلن قرب رفع الستارة تلقيتها على أم رأسي من احد عناصر قوات التدخل السريع التي منعتني من الدخول الى المقر الذي كان يعتصم به الخريجون المعطلون. وحدث ذات مرة ان قدمت عرضا على ظهر سيارة في احد القرى لافتقادها الى قاعة تصلح للعرض.

* هل تفكر في الاتجاه الى السينما؟

ـ لا أريد التسرع في هذا المجال وأتمنى اذا اتيحت لي الفرصة في هذا الميدان ان ينجز فيلم عن حياتي الفنية، وعن علاقتي بالسخرية وبالضحك.

* ألا ينتابك الشعور بالمرارة لأن أعمالك الفنية غير موثقة في التلفزيون؟

ـ طبعا اعتبر انه صدر في حقي حكم باقصائي من الذاكرة المغربية وهذا ما يحز في نفسي كثيرا.

* ألا تضايقك شعبيتك في الشارع؟

ـ أعتبر نفسي مثل باقي الناس وأتصرف مثلهم. أنا مجرد مواطن عادي يمشي في الأسواق ويأكل الخبز مثل باقي افراد الشعب، لست من صنف الفنانين المدعين الذين يقولون ان شهرتهم اصبحت تضايقهم، والحمد لله اني لم أصل الى هذه الدرجة التي تجعلني أتضايق من لقاء جمهوري، فأنا لست مادونا أو كلوديا شيفر حتى أتضايق من لقاء الناس والعيش وسطهم.

* كيف هي علاقتك بابنتك خيرة؟

ـ اسميتها خيرة تيمنا باسم والدتي التي كانت تحمل الاسم نفسه، وعلاقتي معها طيبة وصادقة.

* هل تضحكها اعمالك الساخرة؟

ـ بالفعل كل اعمالي تضحكها، لكنها هي الاخرى تضحكني رغم انها ما زالت صغيرة (12 عاما). علاقتنا واضحة، اترك لها الحرية لمناقشتي في كل المواضيع، وهي غالبا ما تفاجئني بأسئلة بريئة تريد من خلالها ان تفهم ما يجري حولها.

* ألا تتمنى ان تتجه هي الأخرى الى الفن مستقبلا؟

ـ سأكون بذلك فرضت عليها رغبتي، وأنا اكره ان يفرض علي اي شيء واكره ان افرض على الآخرين آرائي.

* وكيف هي علاقتك بالمرأة؟

ـ العلاقة التي لا تقوم على الأخلاق والاحترام، سواء مع المرأة او الرجل، لا يمكن ان تنجح. وتبقى المرأة بالنسبة لي هي كل شيء، فهي دعامة المجتمع ومصدر قوته، واذا اهينت المرأة في مجتمع فذلك مؤشر على انحطاطه.