المقاهي العربية في أثينا أماكن للتعرف على أخبار الوطن

لكل جالية عربية في اليونان مقهى خاص لتناول الطعام البلدي المفضل

TT

باتت الأسماء العربية الشهيرة «الأهرامات»، «أم كلثوم»، «الباشا»، «رمسيس»، «ليالي الحلمية»، تملأ شوارع أثينا .. وما هي الا أسماء لمقاه عربية تفوح بعبق الأصل من رائحة النرجيلة (الشيشة) والأطعمة لتذكرنا بالمدن العربية القديمة. عبد الستار بركات زار تلك المقاهي والتقى أصحابها، وأيضا الزبائن العرب والأجانب الذين يترددون عليها لقضاء أوقات الفراغ.

المقاهي العربية في أثينا أماكن للتعرف على أخبار الوطن، لكل جالية عربية في اليونان مقهى خاص لتناول الطعام البلدي المفضل. يقول بعض المهاجرين العرب ان المقاهي العربية في أثينا تذكرهم بشارع أبو نواس في العراق وخان الخليلي والعتبة في مصر والساحة الهاشمية في الأردن وأغادير في الدار البيضاء بالمغرب وباب سويقة وحلفاوين في تونس.

ويقول علي حسن صاحب مقهى «ليالي الحلمية» وهو مصري الجنسية، جاء الى اليونان في السبعينات، ومنذ أن افتتح المقهى في منتصف التسعينات وابناء الجاليات العربية يترددون عليه بمختلف جنسياتهم ولهجاتهم اذ يأتون لتدخين النرجيلة «الشيشة» وشرب القهوة العربية أو السحلب (المسحوق الأبيض)، والى جانب ذلك يقدم المأكولات العربية وألوانا مختلفة من الطعام ويقدم الفول والفلافل والكسكسي والكبسة والدلمة (المحشي)، وتجد المقهى دائما مزدحما بالزبائن الذين يأتون اليه من أماكن بعيدة. وقال انه تعلم طهي هذه المأكولات بناء على طلب الزبائن فتعلم طهي الكبسة وتقديمها لزبائن من السعودية الذين يأتون الى اليونان للقيام بأعمال تجارية، وكانوا يترددون عليه بين الحين والحين مما دفعه أن يقدم الكبسة في قائمة أطعمته اليومية، أما الكسكسي فهي الطلب الدائم للكثير من المهاجرين الذين ينتمون إلى بلدان الشمال الأفريقي.

أما عماد عثمان فقد اختار اسم «الأهرامات» ليكون اسما للمقهى المشهور بالنظافة والهدوء، فيذهب اليه رجال الاعمال وأصحاب الشركات والمهاجرون ذوو المراكز المرموقة، وقد يقوم البعض بإبرام صفقات تجارية أو اتفاقيات عمل أثناء تناولهم القهوة أو الشاي بجانب الشيشة الذي اشتهر بها، ويقول انه كان يمتلك مقهى قبل ذلك في مكان آخر ولكن لم يكن بهذا النظام، فقرر بعد أن قنن وضعه وحصل على تصريح للعمل والاقامة في اختيار المكان الجميل والمناسب والذي نسقه جيدا لاجتذاب المهاجرين من العرب والأجانب اليه .. يتحدثون ويتسامرون ويقضون وقتا جميلا يتخلله سماع الأغاني والموسيقى الشرقية الأصيلة. وأضاف أن كثيرا من الشباب المهاجرين يأتون الى المقهى بعد تقنين أوضاعهم، وحصولهم على تصاريح للإقامة .. على عكس الوقت الماضي فكان الجميع يخشى من الخروج من منزله لعدم امتلاكه مستندات رسمية للاقامة في البلاد، وأيضا يوجد لديه مكان خاص بالعائلات العربية التي تأتي لقضاء وقت جميل من دون ضيق أو خوف. وتحدثنا هناك مع شاب مصري اسمه هشام كرم كان يلعب بلياردو مع صديقته اليونانية كاترينا والذي قال انه يأتي الى المقهى ليتابع أخبار مصر عن طريق مشاهدة القنوات الفضائية المصرية وغيرها من القنوات العربية الأخرى ويجد في هذا المكان أيضا متنفسا لقضاء وقت مريح وممارسة لعبته المفضلة مع صديقته أو مع الشباب الآخرين وخاصة مع صديقيه المغربيين حسان ونبيل اللذين يجيدان لعبة البلياردو بمهارة فائقة.

أما محمد عبد الله وهو سوداني الجنسية اختار منطقة بنقراتي (غرب أثينا) لتكون مقرا لمقهاه والذي يعتبر من أقدم المقاهي في أثينا، ويتردد عليه زبائن من مختلف الجنسيات لشرب القهوة العربية ولعب الورق (الكتشينة) أو الدومينو وفي أحضانهم الشيشة، ويقع هذا المقهى في حي شعبي مزدحم بالسكان، فترى أعين المارة مصوبة دائما عليه يشاهدون الشيشة ويتساءلون عنها لعدم وجودها في المقاهي اليونانية، ولذلك يذهب بعض اليونانيين الراغبين في تدخينها ويتبادلون أطراف الحديث مع أبناء العرب. وهناك أثناء جلوسنا على إحدى طاولات المقهي.. قدم شابان يونانيان ترافقهما فتاة وجلسوا بجانبنا بعد أن طلبوا الشيشة والشاي، وبعد مضي قليل من الوقت تبادلنا أطراف الحديث باللغة اليونانية لعدم تحدثهم العربية حيث قال أحدهم ويدعى ديميتري بابايوأني وهو مهندس معماري: «أقطن قريبا من المقهى، وأثناء مروري للذهاب الى عملي والاياب منه شدني كثيرا الجلوس هنا لرؤية الشيشة والدخان المنبعث منها. ومنذ عام تقريبا قررت الامتناع عن السجائر وآتي هنا باستمرار لأتمتع بتدخين الشيشة وسماع الموسيقى العربية»، وأضاف أحد الشباب العرب بجانبنا مشيرا الى الشاب اليوناني أن كل مرة يأتي فيها المقهى يحضر معه بعض أصحابه ليشرح لهم كيفية تدخين الشيشة وهو في قمة السعادة.

أما نافع تاوضرس فتنفرد مقهاه بالزحام الشديد بالرغم من اتساعها خاصة بعد أن كتب عليها بالخط العربي «مقهى الباشا» فشدت أنظار العرب والأجانب الذين يأتون اليه من أماكن بعيدة، ويقول ان المقهى مفتوح طوال اليوم حتى الى ما بعد منتصف الليل، فعند عرض مباراة رياضية بين فرق عربية لا تجد مكانا تجلس فيه من شدة الزحام وكأنك في مقاهي القاهرة الصاخبة، وهو يقدم للزبائن كل ما لذ وطاب من المشروبات والأطعمة العربية فتجد الحلبة والشاي والقهوة العربية والزعتر والأيسون وحبة البركة والعناب والكركديه والقرفة والتمر هندي، ومن الأطعمة فهو يقدم الكباب والكبة والكبدة الإسكندرانية والمتبلة والدولمة والملوخية والحمام البلدي إضافة إلى الفول والفلافل. وأثناء الجلوس في المقهى والحديث مع صاحبها شاهدنا بعض الشباب التونسيين يتحدثون لهجتهم بصوت مرتفع فاقتربت منهم وتناولنا أطراف الحديث،وقال محسن الصولي وهو في العقد الثالث من عمره أحضر يوميا بعد انتهاء وقت عملي إلى المقهى حيث التقي ببعض الأخوة من المصريين والتونسيين حيث نتناقش معا في بعض القضايا والمشاكل التي تهمنا جميعا كعرب ومهاجرين. وذكر انه يعمل في المجال السياحي وحضر إلى اليونان لتحسين وضعة المادي وتكوين نفسه ليستطيع أن يتزوج من خطيبته التونسية التي تنتظره منذ سنوات. أما مؤدب علي فقال انه يأتي للمقهى ليتقابل مع أهل بلدته وأصحابه من المغرب «لنتعرف على بعض بصورة أكبر، ولنساعد بعضنا البعض في وقت الشدة حتى نستطيع أن نخلق روحا طيبة بين بعضنا بعضا كأبناء جالية عربية مترابطة في بلاد المهجر»، أما رؤوف طاهر ومحسن بومازقا فقد كانا مندمجين في لعب الطاولة والتي تأخذ منهم وقتا طويلا يوميا أما مقهى «أم كلثوم» الشهير فهو من المقاهي العربية التي فتحت أبوابها لأبناء العرب في أوائل التسعينات، وكان في البداية المكان الوحيد الذي يجمع غالبية أبناء الجالية المصرية ، ولكن بعد مرور الوقت صار يمتلئ بالعراقيين الأكراد الذين يعتبرونه ملتقاهم الوحيد وخاصة الذين يقطنون في المنطقة نفسها بعد معاناة يوم عمل شاق، وفي الوقت نفسه يعتبر المقهى محطة استقبال للقادمين الجدد من الأكراد العراقيين الذين يبحثون عن فرصة عمل، حيث يلتقي هناك المهاجر الجديد ببعض إخوانه أو أقاربه الموجودين في اليونان، أو يطلب مساعدة زبائن المقهى من أهل بلدته في الحصول على مسكن أو عمل.

ويقول حسن مرسي صاحب المقهى وهو مصري الجنسية، إن المكان مفتوح لكل أبناء الجاليات العربية والإسلامية وليس للمصريين أو الأكراد العراقيين فقط. وقال ان رواد المقهى يستطيعون ممارسة هواياتهم المختلفة مثل لعبة الكوتشينة أو الدومينو أو تدخين الشيشة أو تناول الأكلات العربية الشهيرة. ويقول الشاب العراقي حسين كاظم انه يجد في المقهى الأكل العراقي المشهور «لحم وتمن» ويسمع المغنين العراقيين المشهورين أمثال كاظم الساهر وسعدون جابر، أما رائد بطرس وهو عراقي أيضا فيقول انه في هذا المقهى يتذكر شارع أبو نواس اقدم شوارع بغداد وخاصة عند شم رائحة السمك المسقوف على الخشب وفي نفس الوقت يسمع الموسيقى والألحان العربية.

ويقول مصطفى الترزي (مصري من رواد المقهى)، إنه يحضر لمشاهدة الفضائية المصرية لعدم وجود «الدش» في منزله ليعرف أخبار مصر ويتابع أهم البرامج المسلسلات والأفلام التي تقدمها القنوات الفضائية المصرية والعربية.

وفي زيارة لـ «الشرق الأوسط» الى (المقهى الجزائري) كما يطلق عليه نسبة لصاحبه الجزائري.. وجدنا معظم رواده من بلاد المغرب العربي، وهناك التقينا هشام الجزائري الذي قال «بعد الانتهاء من الأعمال المختلفة أتوجه مباشرة الى المقهى، حيث التقي ببعض الاخوة من الجزائريين والمغاربة، ونتناقش معاً في بعض القضايا التي تهمنا جميعاً كعرب نعيش في الغربة». وعلى هذا المقهى التقينا أيضا إدريس بوصاحه وهو الأمين المالي لجمعية الجالية المغربية في اليونان والذي قال :«إن وجود مثل هذا المقهى مهم جداً بالنسبة لنا، حيث يعتبر فرصة عظيمة للقاء أبناء الجالية المغربية سواء روادها الدائمين أو زوارها أو الذين يبحثون عن عمل لكي أتحدث اليهم واخبرهم بكل ما هو جديد من أعمال الجالية والمشاركة فيه». وبحديث لـ«الشرق الأوسط» مع رواد المقهي أفاد أحدهم (مغربي الجنسية) أنه يعاني من ضعف المرتب الذي يقتضيه من صاحب العمل اليوناني وعدم منحه حقوقه كاملة في التأمينات الاجتماعية، إضافة الى المعاملة القاسية التي يلاقيها من زملائه اليونانيين في ورشة النجارة التي يعمل بها، وعلى احدى الطاولات المجاورة كان يجلس شاب يُدعى محمد السبياني وهو مغربي يجلس مع شابين آخرين، قال انه الكاتب العام لجمعية الجالية المغربية باليونان ومسؤول نقابي الأجانب بنقابة منطقة بيريا (غرب أثينا)، ويقول إن وجوده في المقهى فرصة للقاء أصدقائه من المهاجرين المغاربة للتعارف فيما بينهم وتقوية الجالية حيث يدعو الشباب المغربي للاشتراك في مهرجان الجاليات الأجنبية الأيام المقبلة والذي تشارك فيه الجالية المغربية بثلاثة مجالات هي الرواق، والمطعم، ورقصة شعبية.

ومن خلال جولتنا في تلك المقاهي.. نستطيع أن نشير الى بعض المشاكل التي تواجه الكثير من أبناء العرب في اليونان.. فهناك تنتشر سرقة المنازل في ما بينهم، وصعوبة اتقان اللغة اليونانية، وأيضا سوء معاملة بعض أصحاب الأعمال اليونانيين للأجانب ويتمثل في ضعف الراتب وعدم صرف حقوق التأمينات الاجتماعية كاملة.

ونود أن نشير في النهاية الى شكوى بعض أصحاب المقاهي العربية والتي تتمثل في الإحساس بأن رجال الشرطة والمباحث تعاملهم بقسوة، وهم يتساءلون... هل لأنهم أجانب فقط؟ أم أن هذه الأماكن غير مرغوب فيها في شوارع العاصمة أثينا أسوة بغيرهم من اليونانيين؟

ولذا يحتاج الامر بعض النظر من البلديات اليونانية لهذه الأماكن والاهتمام بها.. لأنها حاصلة على تصاريح وتحترم القانون اليوناني، وهي أماكن يتجمع فيها المهاجرون العرب على اختلاف جنسياتهم ولهجاتهم حتى يخلقوا روحا طيبة بين بعضهم البعض كأبناء جالية مترابطة في بلاد المهجر. ومن الجانب الآخر نشير الى جهود وزارة الداخلية اليونانية وخطواتها الايجابية تجاه تحسين أوضاع العمالة الأجنبية في البلاد حيث أصدرت قرارا بتقنين حوالي تسعمائة ألف مهاجر أجنبي نصفهم على الأقل من أبناء العرب ودعت جميع البلديات والسلطات والهيئات المختلفة باحترام المهاجرين الأجانب والبعد عن العنصرية ومنحهم الفرصة لإثبات وجودهم في البلاد وممارسة حياتهم الطبيعية ومساعدتهم في تحسين أوضاعهم وتأسيس جمعيات وجاليات خاصة بهم وتسهيل العوائق أمامهم في ممارسة حقوقهم ونشاطاتهم المختلفة.