الدكتور داهش.. قصص غريبة وحكايات عجيبة (3 ـ 3)

العلامة عبد الله العلايلي يندهش بثلاث «خوارق» صعبة التفسير.. وداهش يعيد لصحافي لبناني ساعة أضاعها منذ 7 سنوات ببرلين

TT

في حلقة أمس الثانية عن الدكتور داهش، الذي زعموا أنه بقي 7 أيام تحت نهر «السين» في 1930 بباريس وهو في صندوق مغلق، خرج منه حيا، لينال بعدها شهادتين، احداهما من معهد «ساج» الدولي الشهير، أن أول رئيس للبنان بعد الاستقلال، بشارة الخوري، بدأ يحاربه منذ تسلم السلطة في 1943 وجرده من الجنسية اللبنانية وأمر باعتقاله ثم نفاه 9 سنوات خارج لبنان، لانضمام شقيقة زوجته الى «الحركة الداهشية» هي وزوجها واولادها، بعد معاينتهم لغرائب قام بها أمامهم في حضور آخرين، طبقا لما ذكرته ماري حداد، شقيقة لور شيحا الخوري، زوجة الرئيس اللبناني الراحل، في لقاءات معها نشرت في صحف لبنانية في الخمسينات والستينات بشكل خاص، وبسبب ضغوطات من رجال دين مسيحيين وجدوا فيه «خارجا عن الكنيسة» لتشكيكه برواية الأناجيل عن صلب المسيح. كمال قبيسي يتابع قصة الدكتور داهش في حلقة أمس أيضا أن داهش «ظهر حيا في لبنان بعد اعدامه بايران» وهو ما نفاه عدم وجود أي وثيقة بالخارجية اللبنانية أو السفارة الايرانية تؤكد الخبر. تماما كما نفى عدم وجود أي وثيقة بمديرية اليانصيب الوطني اللبناني حكاية تحويله ورقة يانصيب خاسرة الى رابحة للجائزة الكبرى في 1963 أمام رئيس بلدية بيروت الأسبق، شفيق السردوك، واثنين من زملائه القضاة. مع تأكيد السردوك أن داهش «تنبأ» له باغتيال الرئيس الأميركي، جون كندي، قبل شهر من مصرعه بالرصاص في 1963 بدالاس.

* داهش في فلسطين أيضا وسعت «الشرق الأوسط» ورا المعلومات عن داهش في فلسطين أيضا، باعتباره عاش فيها سنوات متقطعة زمن الانتداب البريطاني. الا أنها لم تجد سوى نثريات صغيرة مشتتة وسلبية في معظمها. الى أن عثرت على أخطر ما كتب عنه هناك، وهو افتتاحية للشيخ عبد الله قلقيلي في عدد يوم 5 ابريل (نيسان) 1938من صحيفته «الصراط» التي أسسها في 1933بحيفا، وموجودة بعض أعدادها في المتحف البريطاني بلندن، وفيها يشير الى مداخلة كتبتها في عدد سابق السيدة فريدة يوسف قطان، التي وصفها القلقيلي في عدد قبله بأنها «كانت احدى ضحايا داهش» وفق تعبيره. وقال الشيخ في افتتاحيته: «كنا نشرنا كلمة، لمنا (عاتبنا) فيها الصحف المروجة لألاعيب الرجل المعروف بداهش، وأشرنا الى ما قالته فريدة من أنه أرسل الى ولدها، نصري، المقيم في السودان، يقول له انه ميت، ولكنه حي بالروح. لذلك يستصرخه بالمروءة أن يترك أعماله التجارية في السودان، وأن يأتي الى القدس ليقرأ له تعويذة، فيرجع الى الحياة. وصدق نصري هذا الدجال الفظيع، فترك شغله وجاء الى فلسطين ليحييه هذا المشعوذ الميت. وكانت نتيجة ذلك أن يقع في الشراك ويفقد أمواله. وكشفت الكاتبة (يعني فريدة قطان، صاحبة المداخلة في العدد السابق) الاسم الحقيقي لداهش، وهو سليم موسى الياس العشي، السرياني الداعي نفسه الدكتور داهش، وهو لقب انتحله اعتباطا لتسهيل أسباب دجله» وفقا لافتتاحية القلقيلي.

* كان لا يعي ما يحدث كذلك اتصلت «الشرق الأوسط» بمصادر في البرازيل، الشهيرة بمراكز روحانية يزيد عددها هناك على عدد نوادي كرة القدم، لأنها أكثر من 8 آلاف مركز، تضمها اتحادات فاعلة، للالمام بصورة واضحة بما يحدث عادة خلال «جلسات روحية» يعقدها وسطاء في تلك المراكز من حين لآخر، فاذا بها تختلف تماما عما كان يحدث للدكتور داهش، حين كان يعقد «جلسة روحية» في بيروت أو سواها، وهو ما تعرفت اليه «الشرق الأوسط» من خلال حديث عبر الهاتف سريع مع اللبناني، موسى المعلوف، البالغ عمره 64 سنة، والأب لابنين من زوجته ليلى، الابنة الوحيدة لانطوانيت العشي، وهي احدى 4 شقيقات لم يكن لداهش سواهن من اخوة، وتوفيت عن 84 عاما في 1996ببيروت، بينما شقيقاته الراحلات، جميلة وأليزابت ووديعة، تنقلن في فلسطين، حيث تزوجن وأنجبن هناك أولادا. وزعم المعلوف، وهو شاعر وأستاذ مدرسة حكومية سابق، انه رأى كثيرا من «عجائب» خال زوجته الذي تعرف اليه في 1959 في بيروت، ومنها «توقعه» في أي ساعة ودقيقة سيولد ابنه البكر، المقيم في الولايات المتحدة حاليا، والذي سماه «مهنّد» بناء على «أمر» جاء في ورقة هبطت من سقف غرفة في بيت داهش ببيروت خلال ««جلسة روحية» وموقعة باسم «علي» كما ورد ذكرها في كتاب الصحافي شاهين. وقال المعلوف، بالهاتف من لبنان، انه لا يعرف كم ترك داهش من ثروة ومن كان الوارث، ومن يدير استثماراته بأميركا «فهناك على حد علمي عائلة سعودية وغيرها تساههم بادارة كل شيء» علما بأن داهش أوصى بأن يتولى مقرّبون منه قضيته ومتاعه بعد وفاته. وعما كان يحدث لداهش حين الجلسات، ذكر المعلوف أن هيئته كانت تتغير فعلا، وكذلك صوته. الا أنه لم يكن يمتقع أو يتخشب، بل يلوي عنقه ببطء أحيانا كدورة نصفية لرادار. والمعروف عن داهش أنه لم يكن يعي ما يجري حوله غالبا، الا عندما تنتهي «الجلسة الروحية» فيخبره من حضرها بما حدث خلالها، لذلك يعتقد بعض المشككين بأن عددا من الروايات عن داهش، قالها له أتباعه بعد الجلسات، من دون أن يتأكد هو نفسه من حدوثها. ويتحدثون عن الشاعر حليم دموس بأنه قد يكون هو الذي اقترح عليه تأسيس حركة روحانية حين تعرف اليه قبل عام من تأسيسها رسميا في 1942 لأن دموس، الذي يكبر داهش بـ21 سنة، هاجر وهو بعمر 17 عاما الى البرازيل، حيث تأثر بحركاتها الروحانية، كبعض اللبنانيين الآن هناك، قبل أن يعود في أواسط العشرينات الى بيروت. ما يقال عن اهتزاز الوعي لدى داهش يؤكده الراحل، الدكتور عبد الله العلايلي، الذي يروي في كتاب عنه، بأنه أيقظه بعد «جلسة روحية» حضرها في بيته مع آخرين، حيث «أتى بيده بحركة، بدأت من الهواء وانتهت على النضد، واذا فوقه ستمائة ليرة في ست قطع من ذوات المائة» كما دوّن العلايلي في «كيف عرفت داهش» الصادر ككتاب قبل 17 سنة من وفاته عن 82 عاما في 1996 ببيروت. وذكر أن داهش سأله لماذا لم يأخذها «فهي لك» فرد العلايلي: «أبيت على الروح أي شيء ليس من طبيعتها، وأبت عليّ الا شيئا من طبيعتي، وما حاجتي الى الزيادة». فسر داهش من ذهنية بعيدة عن التفكير بالماديات كذهنية العلايلي، الذي أقبل في صباح يوم آخر «ومعي صديق شاقه خبر الدار» وفجأة شعر الحاضرون بداهش وقد احتلته روح، صرخ على أثرها صديق العلايلي ينبهه الى طاولة كان عليها خنجر صغير «رآه يطول ويثبت على ما انتهى اليه من طول، ورأينا الخنجر في شكله الجديد» وفق تعبيره.

* ساعة الصحافي تعود بعد 7 سنوات ومن غرائب داهش، ومثلها العشرات مدونة على لسان شهود مهمين في كتب متنوعة لمؤلفين عرفوه وأصبح معظمهم «داهشيين» أو متعاطفين «مندهشين» ما ذكره الصحافي اللبناني المندهش الى الآن، حافظ ابراهيم خير الله، في مقابلة أحدثت دويا في لبنان حين نشرتها جريدة «النهار» في 1965 على صفحتين من ملحق كانت تصدره كل أحد، وخلالها حوّل داهش ورقة بيضاء أقفل خير الله يده عليها باحكام الى ليرة لبنانية «ظلت معي حتى خروجي من البلد في 1976 هربا من الحرب» بحسب ما أكد خير الله، المقيم منذ ذلك العام في لندن، حيث اتصلت به «الشرق الأوسط» لمعاينة ما ذكر في المقابلة، التي التقط خلالها المصور همبار، المقيم أيضا في لندن منذ ذلك العام، صورا عن مراحل التحويل. وأكد همبار، الذي عمل مع خير الله في «النهار» طوال 15 سنة، ما ورد في المقابلة حين التقته «الشرق الأوسط» لهذا الغرض في لندن، وقال: «رأيتها وقد أصبحت ليرة لبنانية أمامي بالفعل، فصورتها. لكني لا أعرف كيف حدث ذلك، ربما كان سحرا». وفي المقابلة أن خير الله جاء أيضا بأوراق وضعها أمام داهش، وطلب منه تحويلها الى ليرات اذا استطاع، فقال الأخير: «ادخلها بنفسك في ظرف واختمه». ثم طلب منه فتحه ثانية، فصعق خير الله حين رأى أن كل ورقة أصبحت 100 ليرة، وراح يعدها فاذا هي 30 ألف ليرة لبنانية، أي ما قيمته الشرائية اليوم أكثر من 120 ألف دولار. وما لم يذكره خير الله في المقابلة القديمة، ذكره الآن لـ «الشرق الأوسط» وهو أن داهش نبهه الى صعوبة الاحتفاظ بالورق المتحول الى مال، لأن هذا من شأنه اثارة قضية أمنية بتهمة اقدام أحدهم على فتح بنك مركزي على حسابه الخاص، يصدر منه عملة عن غير طريق المصرف الرسمي للدولة «لذلك قام وأعادها بلمح البصر الى حالتها الأولى أمامي، أي الى أوراق» على حد ما ذكر خير الله. وقال انه كانت لمقابلته الصحافية توابع من زيارات قام بها لداهش في ما بعد «حيث كانت بيننا جلسات أمام زواره الكثيرين، وأذكر منها دخولي مرة الى بيته، حيث اجتمعت اليه في غرفة كان فيها وحيدا، بينما كان الزائرون في الصالون.. كانت غرفة معتمة بعض الشيء، وعلى أحد جدرانها رأيت لوحات زيتية جميلة، فسألته: «من أين هذا كله يا دكتور»؟ قال داهش مشيرا الى احداها: «هذه مثلا جئت بها اليوم من متحف بوسطن الأميركي في الولايات المتحدة، لكني سأعيدها بعد قليل الى هناك، لكي لا يعتقدوا غدا بأنها سرقت.. أحببت أن آتي بها فقط للتمتع بمشاهدتها» وفق ما نقله خير الله عن لسان الرجل، الذي كان يهوى اقتناء المحنطات والعاجيات والعجميات واللوحات، وجميعها نقلها حيث هي محفوظة الآن في «متحف داهش» الذي تم تدشينه في 1995 بالجادة الخامسة في نيويورك، وهو متحف قالت عنه «نيويورك تايمز» في منتصف العام الماضي ان موازنته السنوية تتجاوز 30 مليون دولار «بعضها من ثروته الشخصية، والباقي من عائلة زاهد السعودية، المشرفة على تراث داهش الأدبي والفني، والراعية استثماراته في نيويورك» كما نقل عنها الزميل محيي الدين اللاذقاني في مقالة له عن «داهش.. الرجل والرمز» في «الشرق الأوسط» قبل 8 أشهر. وذكر خير الله أنه زار داهش مرة، وكان ذلك في 1965 أيضا، وجرى حديث عن السحرة والمشعوذين الممارسين للتنويم وتوابعه، وأحب أن يثبت له بأنه ليس منهم «فعلمني كيف يفعلون، كأن يوقف أحدهم قلبه عن النبض متى أراد، أو يقوم بتنويم دجاجة فتصبح بلا وعي وحراك، ثم يعيدها للحركة ولو بنفخة، أو بمجرد لمس أي جزء منها ببساطة».

* علمك ايقاف قلب غيرك عن النبض أيضا؟

ـ لا، بل ايقاف قلبي فقط، ويمكنني أن أفعلها الآن أمام أي طبيب.

* وكذلك كيف تجعله ينبض ثانية؟

ـ وباشارة واحدة.

* يمكنك تعليم سواك ما تعلمته منه؟

ـ بثوان معدودات، وهذا سهل جدا.

* والدجاجة؟

ـ تنويمها من أسهل ما يكون أيضا، ويمكنني تنويمها أمام أي راغب، كما علمني داهش.

* الدجاج فقط أم غيره من الطيور والدواجن؟

ـ تعلمت تنويم الدجاجة فقط، لأنه كانت في البيت عنده دجاجة، فأحضرها كتجربة لتعليمي كيف أقوم بتنويمها، الى درجة تبدو معها بلا حراك ولا نفس، بل وكأنها ميتة تماما، ثم أعيدها الى وعيها بمجرد النفخ عليها، أو بمجرد ملامسة أي جزء منها ببساطة. وذكر خير الله، المتحدث عبر الهاتف بجدية معهودة، ما يصعب تصديقه: مرة، وكان ذلك في 1965 أيضا، ذهب الى بيت داهش، وهناك تذكر أنه أضاع ساعة كانت معه في 1958 وهو طالب ببرلين، فطلب منه أن يعيدها اليه اذا استطاع «وكان طلبي يرتدي بعض التحدي، وللحال قال لي انها أصبحت تحت مسند كان بقربي وأنا جالس.. مددت يدي وأنا غير مصدق طبعا، لكني وجدتها هناك. كانت هي نفسها تماما، فأخذتها وأنا مندهش، وصدق أو لا تصدق».

* ما زالت معك يا حافظ؟

ـ ظلت معي هي والليرة لسنوات، لكني عندما غادرت مع زوجتي بالطريقة التي خرجنا بها هاربين من الحرب في لبنان، أهملت أشياء كثيرة، أو ضاعت مني.. لم تعد الساعة معي للأسف، ولا الليرة أيضا.

* لماذا لم تصبح من أتباعه كسواك؟

ـ لا أدري، لم يكن ذلك في البال، ولا هو الآن. لكني لا أعاند ما رأيت.

* ألم يكن صاحب خفة وقابلية براسيكولوجية وتوابعها برأيك؟

ـ كل شيء جائز. لكنه لم يكن يبدو لي من هذه الطينة. لا أدري، أعتقد أنه كان يريد أن يقول شيئا من هذا كله.