«كوفي شوب» التسعينات آخر ما وصلت إليه ثقافة المقاهي في مصر.. أصحابه نجوم وأولاد نواب

TT

يمكن للباحث الاجتماعي ان يستشف من خلال مقاهي مصر، خصوصا في القاهرة، الكثير عن تاريخ المجتمع المدني المصري وتطوره، حيث ان المقهى كان وما زال يعكس تغييرات في التشكيلات والفئات الاقتصادية والاجتماعية. مقاه كان يؤمها اصحاب العمائم والطرابيش في بداية القرن الماضي، واخرى للفن انتشرت في الثلاثينات والأربعينات منه، ومقاهي المثقفين بعد ثورة يوليو (تموز)، واخيرا جاء الـ«كوفي شوب» في الثمانينات والتسعينات من نفس القرن. فتوح سلمان يستعرض بعض هذه المقاهي التي ظهرت في حقبات زمنية مختلفة بدءا من بداية القرن الماضي.

كان المقهى في البداية القرن الماضي حكراً على الرجال ذوي العمائم والمطربشين، ظهرت بعدها فئة المقاهي التي تديرها الراقصات في الثلاثينات والاربعينات مثل مقهى «ركس» و«مقهى الفن» للراقصة بديعة مصابني، وجاءت بعدها مقاهي المثقفين في فترة ما بعد ثورة يوليو مثل «ريش» و«الحرية» و«زهرة البستان»، وكانت هناك ايضا مقاهي الموظفين التي كانت مجلساً لموظفي القطاع العام في السبعينات، اما في الثمانينات فقد ظهرت بعض المقاهي التي كان يرتادها الشباب العاطلون.

* الفيديو كليب والفضائيات

* أما النوع الأحدث في مصر الآن فهو «الكوفي شوب» التي خرج عن الشكل التقليدي للمقهى المعروف بقلة امكانياته ومحدودية الخدمات التي يقدمها من مشروبات وشيشة. ظهر الكوفي شوب ليتماشى مع النزعة الاستهلاكية المتزايدة في المجتمع وزيادة اعداد العاطلين من ابناء الفئات الميسورة. وهذه تمتاز عن المقاهي العادية بروادها الشباب المقلد لأنماط الاستهلاك الغربي، والتي تتمثل في الأغاني الصاخبة والفضائيات التي تعرض الأغاني الغربية الحديثة والفيديو كليب والمشاهد الصارخة. وهذه ايضا تجذب اليها شباب من الفئات الاجتماعية الأخرى المحدودة الدخل بسبب ميزتها، وهي بالرغم من اسعارها، إلا انها تختلف عن الكازينوهات الفاخرة بأنه لا يوجد حد أدنى للطلبات، أي ان الشاب قد يقضي ليلته بدون أن يتكلف أكثر من ثمن كوب الشاي. لكنها في نفس الوقت لا تكتفي بتقديم الشاي والقهوة والشيشة بل تقدم أيضاً الساندويتشات السريعة والمأكولات والعصائر والمياه الغازية المثلجة. وتحاول هذه المقاهي تقديم نفسها بشكل سياحي غربي غير رسمي، وذلك من خلال الملابس الجينز التي يرتديها العاملون، وذلك لجذب زبائنها من الشباب، فغالباً ما تلاحظ العلاقة المتواضعة التي تنشأ سريعاً بين الزبائن والعاملين.

* الفنانون يتنافسون على امتلاكها

* وتتنافس هذه المقاهي أيضاً في تقديم الجديد فمنها من افتتح أخيراً فيلا كاملة بشارع جامعة الدول العربية، يحتل دورها الأول كوفي شوب يقدم الشيشة والمأكولات والدور الثاني للرقص والدور الأخير كما أطلق عليها «قعدة اورينتال» أو الجلسات الشرقية. والملاحظ في انشاء هذه المقاهي هو تنافس الفنانون والممثلون على افتتاح هذه المقاهي باعتبارها نشاطاً مضمون الربح مثل «فاشون كافيه» لمحمد رياض وندى بسيوني و«بالماس كيه» للمطرب خالد عجاج، و«بنت السلطان» للفنان ورسام الكاريكاتير مصطفى حسين.

* أرق حكومي

* انتشار هذه المقاهي شكل أرقاً كبيراً للحكومة المصرية طوال السنوات الخمس الأخيرة التي شهدت الزيادة الكبيرة في اعدادها بداية من شارع جامعة الدول العربية بالمهندسين ونهاية بشارع عباس العقاد بمدينة نصر. محافظ القاهرة الدكتور عبد الرحيم شحاتة دخل في منازعات وخلافات ظلت أصداؤها عالقة طويلا بسبب قراراته باغلاق عدد كبير من هذه المقاهي خاصة في شارع عباس العقاد، وكان أغلبها يعمل بدون تراخيص، لكن الأمر انتهى بمزيد من القرارات وصلت الى مجلس الشعب، وكان المحافظ ينزل الى الشارع بنفسه ليتأكد من الغلق، لكن هذا لم يمنع من زيادة اعدادها، كما صرح أحد المسؤولين بالمحافظة «لقد كنا نغلقها في النهار ويفتحها أصحابها في الليل». لكن يبدو ان المحافظ تراجع بعد ان صرح انه فوجئ بأن بعض أعضاء مجلس الشعب انفسهم كانوا يقدمون طلبات افتتاح المقاهي بأسماء أولادهم أو يتوسطون لاعادة فتحها. واكتشفت المحافظة ان هناك الكثير منها تعمل بدون تراخيص أصلا، ومع ذلك لم يتمكن أحد من اغلاقها. ثم كانت المشكلة بين المحافظة ووزارة السياحة عندما اكتشف المحافظ ان عدد من المقاهي يعمل بتصاريح من وزارة السياحة بدون الرجوع للمحافظة، وبالتالي تشعبت المسؤولية فلجأت الحكومة لوسائل أخرى بادخال وزارة البيئة طرفاً في الصراع بدافع ان وسائل التهوية غير صالحة، وان البعض منها يقدم الشيشة لمن هم أقل من سن 18، فأغلقت في شهر واحد 117 مقهى في القاهرة الكبرى، وانذرت 240، وصدرت عدة قرارات تنظيمية لم يفلح أي منها في ايقاف انتشار المقاهي التي كانت تفتح بين يوم وليلة.

* شركات أجنبية تدخل المنافسة

* لكن كل هذا كان يزيد من اقبال الشباب ومن أعداد المقاهي حتى ان شركة انجليزية شهيرة متخصصة هيCOFFEE POP أعلنت عن دخول السوق المصرية وانشاء 12 كافيه سياحيا برأسمال 12 مليون جنيه مصري، اي بتكلفة مليون جنيه لكل مقهى.

وتلجأ بعض هذه المقاهي لعدة وسائل لجذب الزبائن من الشباب والشابات، منها تنظيم مسابقات للرقص الشرقي بين الحاضرين من الجنسين ومسابقات لاختيار ملكة جمال الكافيه كل ليلة، وتكتمل الصورة بالمشاهد الساخنة التي تبثها الفضائيات لتذكي من حميمية المشاعر. وبعض آخر من تلك المقاهي ما زال محافظاً على الطابع الذي نشأ على أساسه وهو النمط الاميركي وتقديم القهوة من كابتشينو واكسبريسوا وشاي من دون الدخول في مزاد التجاوزات. وتفيد الاحصائيات التي نشرها الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء ان في مصر 5 آلاف كوفي شوب وكافتيريا سياحية ظهرت جميعاً في النصف الثاني من التسعينات. وتعد الشيشة واحدة من أهم السمات المميزة لتلك المقاهي وان كان البعض يرفض تقديمها حفاظاً على الطابع الاميركاني لها الذي لا يعرف تدخين الشيشة أو النارجيلة. =