جرائم «الشرف» في الأردن مشكلة لم يعد تمهيشها سهلا

يقال ان فكرة القتل كوسيلة لتطهير شرف العائلة اكثر شيوعاً في الأردن لأن جذورها تمتد في التقاليد والاعراف الاثنية. ويشكو آخرون من أن الأردن دفع ثمناً لاستعداده للاعتراف بالمشكلة. ايلين بروشر كتبت عن اردنيات يحاولن تغيير الموقف.

TT

كان رجل متوسط العمر اسمه غازي يدخل بخطوات متعثرة الى المكتب القانوني للمحامية اسماء خضر في العاصمة الأردنية عمان، ليروي قصة مرعبة: زوجته هويدا قتلت على يد شقيقها نضال.

ففي ابريل (نيسان) الماضي، وبعد اقل من سنة على زواج غازي وهويدا، أطلق نضال الرصاص على شقيقته الشابة ليرديها قتيلة.

ويقول نضال انه أرغم على قتل هويدا لأنها لطخت شرف عائلتها. بعض اصدقاء نضال كانوا قد اغتصبوها قبل اكثر من أربع سنوات عندما كانت في السادسة عشرة. وكانت قصة أصبحت مألوفة جداً بالنسبة للسيدة خضر، التي تجد الكثير من دعاوى «جرائم الشرف» في الأردن ـ حوالي 25 دعوى سنوياً ـ وهي تقف عند باب مكتبها. ولكنها تقول ان هذه القصة تشير، بطريقة محددة وحزينة، الى شيء من التطور: فالنساء لسن وحدهن اللواتي يسعين الى العدالة، بل الرجال أيضاً.

وتقول السيدة خضر، التي تتميز ببدلتها الرسمية الزرقاء، وبتسريحة شعرها التي تشبه تسريحة هيلاري كلينتون، وسط معظم العاملات في مكتبها ممن يرتدين الثياب الطويلة غير الأنيقة، وأغطية الرأس، تقول ان «الشيء الايجابي هو ان الزوج يدافع عن زوجته القتيلة، ويقسم انه لن يتخلى عن الدعوى ضد شقيقها». وتتذكر السيدة خضر، التي تشير الى الأطراف التي يجب مقاضاتها، ذلك ان القضية لم تحول الى المحكمة، ان «غازي قال: الآن أفهم ما تتحدثين عنه، عن هذا الظلم، لأنني فقدت انسانة احبها».

جريمة وعقاب حتى في حالة ادانته يستطيع شقيق هويدا ان يتوقع الخروج من السجن في غضون سنتين او اقل. فبعض الرجال الذين أدينوا بارتكاب جرائم الشرف قضوا فترة تقل عن ثلاثة أشهر في السجن كما تقول المحامية خضر. فوفقاً للمادة 340 من قانون العقوبات الأردني يتعين على القضاة ان يصدروا احكاماً مخففة بالنسبة لأي رجل يرتكب جريمة قتل امرأة قريبة له لطخت شرف عائلتها عبر ممارسة الجنس قبل الزواج او خارجه، حتى لو كان ذلك ضد ارادتها.

وتعتبر المحامية خضر قوة دافعة خلف المعركة الحامية من أجل الغاء المادة 340 وقوانين أخرى تميز بين الرجال والنساء.

وفضلاً عن ذلك فان وسائل الاعلام المحلية والدولية تركز اهتماماً اكبر على اقرار الأردن، في الواقع، لمثل جرائم القتل هذه الخارجة عن اختصاص القضاء، جاعلة منها قضية اكثر حساسية هنا.

فمثل هذه الجرائم ترتكب في دول عربية أخرى ايضاً، رغم انه من الصعب القول الى أي حد. فمعظم الدول لا تحتفظ باحصائيات مستقلة لجرائم الشرف. ويقول البعض هنا ان فكرة القتل كوسيلة لتطهير شرف العائلة اكثر شيوعاً في الأردن وبين بعض الفلسطينيين لأن جذورها تمتد في التقاليد والأعراف البدوية الاثنية. ويشكو آخرون من ان الأردن قد دفع ثمناً لاستعداده للاعتراف بالمشكلة ـ سمعة لا يستحقها باعتباره المذنب الرئيسي في جرائم الشرف.

وقد أثارت حملة جديدة ابتدأتها مجموعة من المنظمات النسائية وجماعات حقوق الانسان لتغيير المواقف السائدة حول جرائم الشرف، اثارت هذا الموضوع ـ الذي ظل محرماً حتى وقت قريب ـ ونشرته في اوساط الرأي العام.

ولكن عندما وضع السياسيون الليبراليون مشروع قانون لالغاء المادة 340 أمام البرلمان الأردني في يناير (كانون الثاني) الماضي، رفض هذا المشروع. فقد ألحق المحافظون هزيمة به قائلين انه خطر على القيم العائلية ويشجع على العلاقات الجنسية غير الشرعية.

قوة دافعة غير ان المحامية أسماء خضر لن تتخلى عن قضيتها. وتدفعها في ذلك، جزئياً، امرأة كانت عاجزة عن تقديم المساعدة لها قبل ما يقرب من 20 سنة.

فخلال السنة الأولى من عملها كمحامية كانت السيدة خضر تصغي في المحكمة الى قرار القاضي بالحكم على رجل لفترة ستة أشهر لارتكابه جريمة قتل.

وبعد ذلك جاءت زوجة الرجل الى المحامية خضر طلباً للمساعدة. فقد كانت تريد ترك زوجها لأنه قتل احدى بناتهما المراهقات، التي كانت حاملاً وهي غير متزوجة. فردت عليها المحامية ان من سوء حظها ان ابنتها مارست انتهاكاً واضحاً للقانون.

وتتذكر المحامية خضر ان الزوجة قالت لها: «انك لا تفهمين. انه الرجل الذي جعلها حاملاً».

لم يكن الطلاق، حسب رأي المرأة، خياراً. فقد كان لزوجها ان يحصل على الوصاية على اطفالهما الخمسة الآخرين، وكان لها ان تعود الى عائلتها لتواجه مخاطر ان يعتبر أحد افراد عائلتها الطلاق لطخة في شرف العائلة.

وتقول المحامية خضر: «وجدت نفسي في موقف صعب، وقد كنت قليلة الخبرة. قلت لها: اذهبي الى البيت الآن، وسأفكر في الأمر.. وقد ذهبت والدموع في عينيها، ولم تعد ثانية ابداً».

سرعة التغير تتصاعد ما تزال الهواجس تنتاب المحامية خضر بسبب قدرتها المحدودة على تقديم المساعدة. وهي تقول ان «هناك عشرات الحالات لنساء ما زلن على قيد الحياة، وهن مهددات، وفي بعض الأحيان أشعر بالذنب لأنني لا أعرف ماذا أفعل من أجلهن».

وتضيف «اننا نرى عدداً اكبر من الرجال ممن يسعون الى طلب الحماية لزوجاتهم. فقد ابتدأ أفراد العائلة رفض هذه التقاليد، وعدم منح دعم كامل للقتلة كما كانوا يفعلون في الماضي».

ويقول آخرون هنا ان رجال الشرطة بدأوا يدققون بالتقارير عن «حالات الانتحار»، او قبول دفاع «جرائم الشرف» بالطريقة التي يكون فيها هذا الأمر، احياناً، ذريعة لقتل امرأة لا يرتاب احد في عفتها.

ورغم ان القانون لم يتغير، فان معارضته تتزايد. وفي أعقاب الاهتمام المتزايد بجرائم الشرف أشار الملك حسين الى هذه المشكلة في الخطاب الذي ألقاه أمام البرلمان عام 1997. وكان ذلك أول اعتراف علني من جانب أي زعيم عربي حتى الآن.

بعد الحاق الهزيمة بالمشروع الهادف الى تغيير قانون العقوبات في يناير (كانون الثاني) الماضي، سار حوالي 5 آلاف من المحتجين ـ يقودهم اثنان من أمراء العائلة الملكية ـ نحو البرلمان في شهر فبراير (شباط) للمطالبة بالغاء القانون.

وتقول المحامية خضر انه «في البداية كان هناك عدد قليل من النساء اللواتي حاولن تغيير الوضع، أما الآن فهناك مئات الألوف ممن يسعون الى ذلك».

* خدمة «كريستيان ساينس مونيتور» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»