العازفون عن الزواج في لبنان ينفون عن أنفسهم تهمة «العنوسة»

ظروف المهنة والخوف من العروس الطموحة أبعدتهم عن القفص الذهبي

TT

«الحمد الله انا عازب»! عبارة طالما يرددها الرجال اللبنانيون الذين «اضربوا» عن الزواج لسبب او لآخر، لاسيما حين يسألون عن وضعهم الاجتماعي، معبرين بذلك عن امتعاضهم من فكرة الزواج وما يتخللها، حسب رأيهم، من قيود ومسؤوليات هم بغنى عنها. فيفيان حداد تحدثت الى بعض الهاربين من القفص الذهبي:

يعزو البعض تفشي ظاهرة الاضراب عن الزواج بشكل لافت بين اللبنانيين الى العدوى التي اصابت معظمهم، اذ يدأب كل عازب وبأسلوبه الخاص الى زيادة زملائه في نادي «العزوبية» فيحاولون اقناعهم بالحفاظ على حريتهم تطبيقاً للمثل اللبناني المأثور: «ان لم تمت الم تر من مات».

ويؤكد معظم «العزّابة» ان الايام الحالية ما عادت كالسابقة هانئة وسهلة، فالقرش صار من الصعب الحصول عليه وست البيت التي كانوا يحلمون بها تحولت بدورها الى «رجل بيت» في القرن الواحد والعشرين، وهي كثيرة الطلبات والمشاغل مما جعل حالات الزواج تتراجع بنسبة 19% عن ايام الحرب، حيث شهد الزواج رواجاً لافتاً بين ابناء الحي والجيرة الواحدة وقد جمعهما الخوف من الموت تحت وطأة القصف قبل ان يجمعهما الحب!!! الا ان حالات العزوبية هذه التي يرفض الرجال تسميتها «العنوسة» أسوة بالنساء اللواتي فاتهن القطار ليصبحن «عوانس»، كما يحلو للبعض ان يطلق عليهن، قد تعود اسبابها في معظم الاوقات الى حالات نفسية معينة وخوف الاقدام على هذه الخطوة، يبررونه بالف سبب وسبب...

وتقول المحللة النفسية كرستيان ابو الياس ان «امتناع الرجل عن الزواج يعود اولاً لخوفه من فقدان حريته والارتباط والالتزام بشخص معين»، مضيفة ان «الاسباب المادية تلعب دوراً اساسياً في هذا المجال، اذ ان عدم التمتع بمستوى معيشي معين يدفع الرجل الى الابتعاد عن الارتباط، وهذا الابتعاد يسمح له بشكل عام ان يعيش حياته كما يحلو له من دون ان توجه اليه اي انتقادات».

وعادة يصعب على الرجل تقبل فكرة الزواج بعد سن الخامسة والثلاثين الا انه ومع بلوغه الخمسين يشعر انه فقد جزءاً كبيراً من جاذبيته وقدراته الجنسية، فيبدأ من جديد بالتفتيش عن شريكة مهمتها الرئيسية العناية بخيوط شيخوخته الأولى. ومن الرجال من يمتنع عن الزواج لظروف تسببها المهنة او لعدم الاقتناع بفكرة العيش مع امرأة واحدة العمر كله، فيؤجل الموضوع حتى اشعار آخر.

ويقول الأمين العام الاسبق في وزارة الخارجية اللبنانية السفير فؤاد الترك، الذي لم يتزوج رغم ان الحب دق بابه اكثر من مرة، ان «القاسم المشترك في العزوبية والزواج هو الحسد المتبادل، فمن يبقى خارج القفص الذهبي يحسد من هو داخله. والعكس صحيح». ويؤكد الترك ان «التزامه الكلي بوطنه لبنان ومنحه وقته الكامل لعمله كسفير، كان وراء ابتعاده عن فكرة الزواج، اذ ان عدم الاستقرار المهني يولّد من دون شك، عدم استقرار عاطفي». ويشير الترك الى انه ورغم تجاوزه الستين، لم يفقد الامل بلقاء شريكة لايامه، مضيفاً: «ربما قريباً تفرحون مني»!.

الا ان الاعلامي مارسيل غانم، مقدم احد انجح البرامج السياسية المتلفزة عبر شاشة التلفزة اللبنانية للارسال (ال. بي. سي)، يوضح ان القطار لم يفته بعد رغم من اقترابه من الاربعين، ولان ناقوس الخطر دق بابه، فقد أكد غانم انه يعمل حالياً على كسر الجليد القابع بينه وبين الزواج، وهو حالياً يبحث عن بنت الحلال. اما لماذا بقي عازباً حتى الآن فيقول: انجرافي التام الى عالم الاعلام هو السبب، لاسيما ان هذا المضمار يتطلب تفرغاً تاماً للنجاح فيه مما شغلني عن اهتماماتي العاطفية». ويلاحظ غانم ان الرجال العازبين يطالبون بفتاة احلام جميلة شبيهة الى حد ما بعارضات الازياء العالميات امثال كلوديا شيفر وساندي كراوفر، ليتخلوا عن قرار العزوبية، لكنه يؤكد ان مواصفات فتاة احلامه، بسيطة وهي تتلخص في أن تكون صاحبة عينين جميلتين وملمة بالحقل الاعلامي وقادرة على ان تنسيه تعب نهار بأكمله كله حين ينظر اليها! وبينما ترفض شريحة واسعة من اللبنانيين اطلاق لقب «عانس» على الرجل العازب في عمر معين، لأن قرار ارتباطه يعود اليه وحده في الاقدام على الزواج او العكس، ترى شريحة اخرى ان هذه الكلمة تليق بالرجل اكثر من المرأة لأن مسؤولية عزوفه عن الزواج، تقع عليه وحده وبالتالي اذا لم يتزوج فهو المذنب فيما تبقى المرأة عازبة لأن العرسان هجروها كما يردد معظم الناس. وتقول في هذا الصدد المذيعة التلفزيونية ميراي مزرعاني حصري ان الرجل «العازب مصيره ابشع من المرأة العازبة لأن الأخيرة باستطاعتها ان تعتني وتخدم نفسها، حتى لو عاشت وحيدة في منزلها، اما الرجل فمن الصعب ان يقوم بذلك فتصبح حياته مملة كئيبة وغير لائقة به الى حد ما اذا بقي عجوزاً عازباً ولم يجد من يهتم به في خريف العمر». وتضحك مزرعاني وهي تشجع العازبين قائلة: «تزوجوا يا رجال والا ستندمون».

الا ان بعض الرجال لا ينسون رمي الكرة في ملعب النساء، بحيث يعتبر بعضهم ان فتيات هذه الايام طموحات اكثر مما يجب، لذا من الصعب ايجاد الفتاة العاملة والحكيمة التي تكتفي بأصحاب الجيوب المتواضعة كما يقول رجل الاعمال اللبناني العازب حسان كبي، الذي قال حين بادرناه بالسؤال عن سبب اعتكافه عن الزواج «اين هي؟ ارشدوني الى الفتاة المناسبة» مبدياً استياءه من وضعه كعازب لأن الزواج بنظره متعة بحد ذاتها، يتوق كل رجل وامرأة للوصول اليها. ويؤكد كبي انه لم يعثر على مواصفات المرأة الحقيقية بعد»، مضيفاً: «التقيت عدداً من النساء اللواتي يبدين اهتماماً بالحالة المادية للرجل اكثر من اهتمامهن بالحب».

ومن يصاب بصدمة عاطفية في اول طريق الشباب، قد يجد صعوبة في خرق هذا الحائط مرة جديدة، تماماً كما حصل مع الفنان اللبناني زكي ناصيف، الذي ردد في اكثر من مناسبة هذا الأمر، مضيفاً ان الحظ لم يحالفه مع المرأة التي احبها في المرة الأولى فلم يبذل جهداً في المرات التي تلتها وبقي فناناً شهيراً وحيداً حتى الآن.

غير ان اسباب الاعتكاف عن الزواج لا تنحصر بالانشغال او بظروف المهنة او بصدمة عاطفية او غيرها، اذ ان هواية فئة من الرجال تحول بعض الاحيان دون زواجهم لانغماسهم في هواية تكرس عزوبيتهم حتى الثمالة، تماماً كما ينغمس الواحد في هواية «الانترنت» او لعبة البريدج او الصيد، وهذا ما حصل مع الوزير السابق ميشال ساسين الذي لاحقته شائعات الزواج اكثر من مرة، الا ان عالم الطيور سرقه من نصفه الحلو ويقول: «حقيقة لم يهجم نصيبي حتى الساعة، والزواج على كل حال خطوة خطيرة واختيار شريكة العمر يلزمه الكثير من التفكير». ويضيف ساسين: «كوني رجلاً سياسياً يلزمني امرأة متفهمة ذات بال طويل، عليها ان تشاركني حبي للصيد والناس وهما امران محببان الى قلبي كثيراً».

وتبقى اناقة الرجل العازب المتفاني فيها اكثر ما يلفت المراقبين في هذا الموضوع، اذ ان المبالغة باستعمال العطور وارتداء الثياب الانيقة هي آخر خرطوشة يستعملها الرجل للدلالة على وجوده واستمرارية جاذبيته تجاه المرأة.