الفروسية.. نتاج أصيل للحضارة العربية الإسلامية في السلم والحرب

موسوعة من مجلدين تصدرها مكتبة الملك عبد العزيز بمناسبة مئوية دخول الفارس المؤسس الباني للسعودية إلى الرياض على صهوة جواده

TT

أصدرت «مكتبة الملك عبد العزيز» العامة في الرياض موسوعة فريدة من مجلدين تحمل عنوان «فروسية» ضمن خطة المكتبة للارتقاء بعلوم الفروسية. وتواكب صدور الموسوعة مع مرور مائة عام على دخول الملك عبد العزيز مؤسس الدولة السعودية الحديثة الى الرياض وهو على صهوة حصانه.

والهدف من اصدار الموسوعة هو التأكيد على الموروث وتوثيقه حين شعر المسؤولون في السعودية أن الفروسية كعلم يكاد ان يندثر. «الشرق الأوسط» تسلط الضوء على هذه الموسوعة الفخمة باعتبارها مرجعية مهمة في علم الفروسية.

* الفروسية حصيلة تزاوج ثقافات شعوب المنطقة وتفاعلها في اطار الاسلام.

* الدولة الآشورية كانت أول كيان حضري يستخدم الرماة الفرسان كقوة ميدانية وينشئ وحدات خالصة من الخيالة. تطلب اصدار موسوعة «فروسية» بمجلديها من المسؤولين في مكتبة الملك عبد العزيز بالرياض اكثر من عامين، اذ اسندوا الطبعة الانجليزية الى الدكتور ديفيد الكسندر ثم جاءت الطبعة العربية وهي ليست تعريبا نصيا كما يظن البعض بقدر ما هي تعريب وتنقيح واضافة وتأكيد على هذا العلم الجليل.

ولم يدع القائمون على هذا السفر شاردة او واردة الا ووثقوها نصا وصورة في هذا المعجم، بل ان فريق العمل لم يدع متحفا ولا مركزا في العالم الا وزاره وتعرف على ابحاثه في هذا الشأن.

ولا بد من الوقوف خلف من جعل هذا الكتاب متاحا بين يدي الباحث والدارس والهاوي والمحب لهذا العلم الذي ارتبط منذ القدم، وما زال، بالجزيرة العربية، وايضا بالتاريخ الاسلامي ككل.

لقد كان الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد آل سعود في طليعة الذين اخرجوا هذين المجلدين الى النور، ووقف خلف كل المساهمين والعاملين في هذا البحث ومنهم الدكتور ديفيد الكسندر الذي إجتهد في اصدار الطبعة الانجليزية والدكتور شهاب الصراف مدير المركز لدراسات الفروسية والذي عربها، بالاضافة الى العديد من الاسماء التي شاركت في هذا العمل يتقدمهم فيصل بن عبد الرحمن بن معمم المشرف العام على مكتبة الملك عبد العزيز.

* الفروسية.. رياضة وشهامة

* بدأ المسؤولون الموسوعة بتعريف الفروسية، خاصة وان المعنى الشائع للمفردة اليوم تعني رياضة ركوب الخيل، بيد انها تستعار احيانا للاشارة الى الشجاعة والشهامة والنبل. أما في اللغة فهي الثبات على الخيل والحذق بأمرها.

ولم تكن ممارسة قانون الفروسية حكرا على طبقة او فئة معينة من الناس اذ كان يعانيها الأهالي عرفا ورغبة مثلما كان يعانيها العسكر الزاما واحترافا. وقد اعتبر اسلافنا ان تعلم الفرنسية يشكل جزءا من تربية الولد يسير جنبا الى جنب مع تعليمه القراءة والكتابة. وعلى ذلك يمكن التمييز بين فروسيتين او مدرستين للفروسية: الفروسية الحربية والفروسية الأهلية او المدنية. وهو تمييز قد لا يخلو من قسر اذ ان الحدود بين هاتين المدرستين تظل شفافة. وتتلاشى في مجالات كثيرة غير ان الاحتفاظ بهذا التمييز، ولو من باب التجاوز، مهم من الناحية المنهجية لفهم تاريخ الفروسية ومراحل تطورها وللتعامل بشكل سليم مع نصوصها.

وكانت الفروسية خاضعة لجملة قواعد اخلاقية اشبه بحكم القانون. فهي ترتكز في جانبها العقيدي والروحي على القرآن والسنة، وفي جانبها العرفي على الصفات التي استعارتها العرب للفارس منذ الجاهلية، كالشجاعة والسخاء والمروءة والشهامة والحزم. وكان هذ البعد الاخلاقي لمفهوم الفروسية من القوة والثبات بحيث وصل الينا سالما في حين انقرضت هذه كمؤسسة وعرف وانشطة وضاع مفهومها الاصيل المركب واختزلت معانيها الى فعل الركوب على الخيل. والفروسية بمختلف فروعها هي حصيلة تزاوج ثقافات شعوب المنطقة وامتداداتها وتفاعلها في اطار الاسلام وسياقات تاريخه، فهي نتاج فريد واصيل للحضارة العربية الاسلامية وتجلياتها في السلم والحرب.

يضم المجلد الأول 30 دراسة تتوزع على فترة زمنية تمتد من الألف الرابع قبل الميلاد وحتى القرن الثالث عشر هـ (التاسع عشر م) وتتقاسم نطاقها الجغرافي مناطق المشرق العربي والشرق الاسلامي وامتداداتها الآسيوية وبلاد المغرب العربي وامتداداتها الأفريقية والأوروبية (اسبانيا). والموضوع الرئيسي الغالب على مادة الكتاب هو الخيل وما يتصل بها من انشطة في السلم والحرب وعدتها وعدة فرسانها وما ألف في موضوعها وتجلياتها في الفن عبر التاريخ. فبمحث الخيل هو الأصل القرار في جدب الفروسية وان عُدَّ فرعا من فروعه، وهو يأتي على رأس قائمة مؤلفات الفروسية النوعية، وبه تستهل عادة مؤلفات الفروسية الجامعة. ولا جرم اذ لولا الفرس لما كان هناك فارس وفروسية، لفظا ومفهوما وواقعا.

ويبدأ الكتاب من حيث بدأ التاريخ الفعلي والموثق للحصان، أي من مرحلة محددة في تاريخ بلاد الرافدين التي شهد جنوبها اختراع الدولاب ومن ثم العربة ذات الدواليب المصمتة الأربعة التي يعود اقدم شاهد عليها الى الألف قبل الميلاد. فعلاقة الانسان بالحصان لم تدخل في الواقع منعطفها الخطير الذي فتح الطريق امام تحولات اجتماعية واقتصادية وعسكرية كبرى الا عندما اكتشف الانسان قوة الحصان، بعد تدجينه، كحيوان جر فقرنه الى العربة بدلا من الثيران واجناس الخيليات الاخرى وكان ذلك ايذانا بتطور العربة وتحولها الى اداة فعالة في النقل والحرب.

اما استخدام الحصان كمطية فكان تطورا لاحقا على استخدامه كحيوان جر، واقدم الشواهد على ذلك وصلت الينا ايضا من جنوب بلاد الرافدين وتعود الى الألف الثاني قبل الميلاد الا انها شواهد متقطعة تكشف عموما عن عدة بدائية وتقنية كانت لا تزال لم تتجاوز بعد طورها التجريبي، اذ كان الراكب يجلس عريا على كفل الحصان بدلا من صهوته مما يدل على ان استخدام الحصان كمركوب حربي كان لا يزال في تلك الفترة ظاهرة قلقة لم تتأصل جذورها بعد.

* استخدام الرماة

* ويشهد التاريخ ايضا ان الدولة الآشورية في عصرها الاخير كانت أول كيان حضري يستخدم الرماة الفرسان كقوة ميدانية تكتيكية وينشئ وحدات خالصة من الخالية الناشبة. وهي ظاهرة فريدة في تاريخ الفن الحربي للأقوام السامية الجزرية. فالرمي من على ظهور الخيل بالقوس المركبة (والقوس الأشورية كانت من هذا الصنف) اقترن بالأقوام الرعوية في سهوب آسيا الوسطى ومن احتك بهم في الهضبة الايرانية. وكانت القوس سلاحهم القومي الذي يُربّون على معاناته على الخيل منذ الصغر وعماد فنهم الحربي الذي اشتهروا به عبر التاريخ كفاتحين وغزاة. وقد تنامت في القرنين السابع والسادس قبل الميلاد قوة هذه الأقوام، ولا سما السقيتيين في السهوب الآسيوية الأوروبية والميديين في الهضبة الايرانية، وباتوا يضغطون على حدود الدولة الأشورية حتى سقطت في النهاية على اثر تحالف هؤلاء الفرسان الناشبة ضدها.

* خيل الجزيرة العربية

* ثم يتناول الكتاب الخيل وارتباطه في الجزيرة العربية قبل الاسلام وقد خصصت له 3 مقالات تسهم كل واحدة منها في القاء ضوء جديد على هذا المبحث الذي ما زال غضا لم يُكشف الا القليل من بواطنه وخفاياه وفيه من الافتراضات والاحكام العجولة الشيء الكثير لا سيما فيما يتعلق بتاريخ دخول الحصان الى الجزيرة العربية الذي نسبه جمهور الباحثين الغربيين الى وقت متأخر بناء على اجتهادات في تقدير زمن النقوش والكتابات، وهو ما يشكك به ويرفضه عبد الرحمن الأنصاري في مقالته الحصان في آثار قرية الفاو مشيرا الى الخلل المنهجي في هذه الاطروحة التي تفتقر برأيه الى قراءة متكاملة للمعطيات الاثرية والتاريخية المتاحة، ليتناول من ثم موضوع الحصان من خلال آثار قرية الفاو، التي يعود اليه الفضل في الكشف عن حجبها، في اطار رؤية مركبة وجريئة لا تكبلها الشهادة المباشرة والضيقة للشواهد الآثارية وانما تتجاوزها الى دلالاتها وتستقرئ ايحاءاتها وتضع الجزء في سياق الكل ومن منظور الوحدة الجغرافية والاقتصادية والثقافية والتاريخية للمنطقة.

بالاضافة الى ذلك فان علم الآثار نفسه لم يقل كلمته الاخيرة في هذا الموضوع نظرا لأن التقنيات الاثرية في الجزيرة العربية لم تستكمل بعد وسيقتضي الامر مرور سنوات عديدة قبل ان تتكون لدينا فكرة اولية واضحة ومتناسقة عن تاريخ الحصان فيها، وهو ما يؤكده لنا على أية حال ماكدونالد في مقالته الصيد والقتال والاغارة: الحصان في الجزيرة العربية قبل الاسلام التي يستعرض فيها الشواهد والادلة الآثارية المتوافرة عن استخدام الحصان في شبه الجزيرة العربية والتي تحمل على الاعتقاد، في الوقت الحاضر على الاقل، بأن استخدامه يعود الى النصف الثاني من الألف الأول قبل الميلاد، اذ تتواتر الادلة بهذا الصدد ابتداء من القرن الرابع قبل الميلاد، أي بفارق نحو ثمانية قرون عن الفترة التي اقترحها رايكمانز وحصرها في القرن الثاني او الثالث الميلادي. ويرى كريستيان روبان ايضا في مقالته السبئيون والحميريون يكتشفون الحصان ان الوقت قد حان لاعادة النظر في اطروحة رايكمانز على ضوء المعطيات الجديدة، لا سيما نقوش وكتابات جنوب الجزيرة العربية.

وبحلول القرن السادس للميلاد صارت الفروسية الحربية تقف على اعتاب مرحلة جديدة وحاسمة في تاريخها. ففي اواخر ذلك القرن شاع في بلاد الشرق استخدام السرج ذي القربوس والركاب، الامر الذي احدث انقلابا هائلا في تقنيات الركوب وضاعف بالتالي من قيمة وفعالية المنافع التي كان يجنيها الانسان من الحصان في السلم والحرب. ففضائل السرج والركاب التي تبدو الآن بديهية لم تكن معروفة في المراحل التاريخية سالفة الذكر. اذ كان الفارس من يركب عريا او على لبد او حشوة من الليف والقماش او ما يدخل في معنى الوسائد المدمجة. اما الركاب فكان معدوما تماما. ولا يعرف بالضبط متى واين اخترع السرج وان كان يعتقد ان أول من استنبطه كان سكان السهوب الآسيوية، وهو على كل حال ظهر في مناطق متعددة في آسيا الوسطى والصين والهند في نهاية القرن الأول قبل الميلاد او بدايات القرن الأول الميلادي. اما الركاب فيعزى اختراعه عادة الى الصين في القرن الخامس او السادس للميلاد ولكن يبدو انه تلا السرج بفترة قصيرة وانه كان في البداية مفردا ليعين الفارس على الركوب او للارتكاز عليه عند الرمي كركاب السقيتيين الشبيه بالخطاف ثم صار زوجا للحفاظ على توازن الفارس كما حدث في كوشان في نهاية القرن الأول الميلاد. وقد وصل السرج والركاب الى الشرق الأقصى في القرن الخامس للميلاد والى بيزنطة وبلاد فارس والعراق في القرن السادس للميلاد. وكانت اكثر الركائب شيوعا في تلك الفترة هي الركائب الخشبية وعليها كانت العرب قبل الاسلام. وتتفق الروايات على ان أول من ادخل الركائب الحديدية في الاسلام هو المهلب بن أبي صفرة وشاعت من بعده حتى غلبت على الانماط الاخرى. وعن طريق المسلمين انتقل الركاب الى أوروبا في نحو النصف الأول من القرن الثاني هـ/الثامن م. ويضم الكتاب دراسة لراكيل وورد بعنوان ركائب من العالم الاسلامي تناولت فيها انواع الركائب الاسلامية التي وصلت الينا او التي تتوفر عنها شواهد مصورة.

* الفروسية في الاسلام

* يتناول الكتاب قدوم الاسلام وبداية عهد جديد في تاريخ الفروسية الحربية والمدنية، فلأول مرة منذ زمن بعيد تنهض قوة حضارية كبرى تضم تحت جناحيها اكثر من نصف العالم المتمدن آنذاك كان للحصان فيها مكانة وظيفية وعرفية وروحية لم يبلغها في أي منظومة حضارية اخرى. ففضلا عن ان هذه القوة اعتمدت على الخيالة كركيزة رئيسية في حربها وسلمها وان صعودها توافق مع تكامل عدة الحصان، فانها استطاعت الخروج بخلاصة اصيلة في فنون الفروسية الحربية والمدنية توالفت فيها التقاليد العربية والساسانية والبيزنطية والآسيوية، وعززتها وبلورتها على مر السنين تجارب غنية جعلت منها نتاجا فريدا من نوعه ومدرسة لسائر الأمم والشعوب ليس فقط على صعيد المعارف العملية والنظرية وانما ايضا على مستوى التعبير الفني والجمالي الذي وجد في الخيل معينا لا ينضب لالهامه. ونجد في بقية مقالات الكتاب كل حسب موضوعها وزاوية معالجتها ما من شأنه ان يسلط الضوء على هذه الجوانب كافة بدءا بمقالة ديفيد نيكول عن المهمة عن حرب الخيالة وتطورها في العصور الاسلامية الاولى التي يستعرض فيها بمنهجية مركبة وبشكل مكثف مراحل تطور الخيالة والفن الحربي منذ الجيوش الاسلامية الاولى وحتى القرن السادس هـ/الثاني عشر م متنقلا من مجموعة جغرافية وحضارية الى اخرى في العالم الاسلامي.

وفي هذا السياق يمثل العصر العباسي بعهوده المختلفة اهم وازهى عصور الفروسية في تجلياتها ومعانيها كافة، ففيه برز لأول مرة مفهومها وتكامل، وارسيت قواعدها، وتحددت مجالاتها سلما وحربا، واسست معارفها ونظرياتها، ونضجت تجاربها، وازدهرت فنونها التصويرية، ونشأ أدبها وكتب متنه الاساسي وارسيت قواعدها، وتحددت مجالاتها سلما وحربا، واسست معارفها ونظرياتها، ونضجت تجاربها، فهو العصر الذي شهد ظهور الجيش المحترف والتدريب في فروعها اجمع، واقيمت في بغداد وسامراء اولى ميادينها في الاسلام وتعممت نمطا في مختلف دياره. فهو العصر الذي شهد ظهور الجيش المحترف والتدريب الحربي المقنن، ومؤسسة العلمان (المماليك) وسيادة الرمي بالنشاب للراجل والفارس وتطور فنونه، وفنون العمل بالرمح وغيره من الاسلحة، والاختراعات فى مجال التكنولوجيا الحربية، وصناعة الاسلحة وتعدد مراكزها، والصيد الملكي بمختلف ضروبه، واللعب بالكرة والصولجان، والفتوة، الى غير ذلك من امور وهي كثيرة. ولكن برغم هذا وبرغم وفرة المصادر وتنوعها فان الدراسات الجدية المعمقة عن الفروسية في هذا العصر تكاد تكون معدومة، ولم تجر أي محاولة قبل هذا الكتاب لتأصيل مفهوم الفروسية الحربية والمدنية وتناوله في اطار بيئته العباسية التي لولاها ولولا تعقيداتها لما كان يصح الكلام عن الفروسية اصلا لا بمفهومها الحقيقي الكامل الذي انبتته هذه البيئة ولا بمفهومها المجزوء الذي علق بالأذهان الى اليوم. بل ولا زال جمهور الباحثين يجهل ان أدب الفروسية كتب متنه في هذه الفترة وليس في الفترة المملوكية التي اعادت في الواقع نسخه وتدويره وحفظته بالتالي لنا. وأدب الفروسية في العصرين العباسي والمملوكي هو الموضوع الرئيسي في بحث هذا الباب وتم عرض اشكاليات أدب الفروسية واسباب تخلف البحث فيه، ثم تأصيل مفهوم الفروسية وبين كيف نشأ في العصر العباسي الأول ومكوناته وكيف انتقل هو وارثه الى المماليك في مصر وبلاد الشام. ثم قسم الكتاب بعد ذلك أدب الفروسية وحدد فروعه ثم تناوله فرعا فرعا وحلل مصادره.

والقارئ لهذا النتاج سيجد مبحثين آخرين يخصان العصر العباسي الأول حصراً هما مقالة ألستر نورثيدج عن سباق الخيل وميادينه في سامراء الذي يتناول هذا الموضوع من زاوية آثارية مع نبذة تاريخية مختصرة عن سباق الخيل ينبغي ان تقرأ او المقالة كلها مع تعليقها المحرر، ومقالة بياته سيورت ـ ماير ركوب الخيل في بداية العصر العباسي التي هي في الواقع نص عن ركوب الخيل ورياضتها اجتزئ من مصنف الفروسية والبيطرة لابن أخي حزام الختلي كانت السيدة بياته قد ترجمته الى الانجليزية اقدم نص عن فن الركوب وصل الينا من العصر العباسي الأول، اهم نص عن هذا الموضوع عرفه أدب الفروسية العربية الاسلامي بل انه أول نص مؤسس للمدرسة العليا في فن الركوب في تراث الفروسية العالمي ككل. وابن أخي حزام الختلي الذي كان من قادة الجيش العباسي وصاحب خيل الخليفة المعتضد، كما كان عمه حزام بن غالب صاحب خيل الخليفة المعتصم، هو المؤسس الفعلي والعقدة المركزية لأدب الفروسية.

ويشتمل الكتاب ايضا على مقالة اخرى تخص العصر المملوكي لكنها لا تعنى بالفروسية بشكل مباشر وهي مقالة روبرت ايروين الطريفة عن اكل لحم الخيل وشرب لكن الافراس في العصر المملوكي، التي تتناول جانبا من تقاليد المماليك الأتراك والمغول وعاداتهم ذات الصلة بالخيل والتي استوطنت معهم في مصر وبلاد الشام.

ويشتمل الكتاب على مقالة واحدة عن الفروسية العثمانية لروجرز الذي يعرض شذرات ممتعة عن جوانبها وعن فرق الخيالة والخيل عند العثمانيين. وقد تواصل العثمانيون مع تقاليد المشرق العربي حتى فيما يتعلق بصناعة الاسلحة التي تعززت وازدهرت عندهم ازدهارا عظيما بعد سقوط الدولة المملوكية التي نقلوا منها الى اسطنبول صناعات الاسلحة، لا سيما في دمشق وحلب، كصناعة القسي الشهيرة في دمشق التي حول العثمانيون مركزها، أي قيسارية القواسين، عند فتحهم للمدينة الى مطبخ لجيشهم ونقلوا صناعها بأجمعهم الى اسطنبول، وكذلك صناعة السيوف والخناجر والدبابيس ودروع الفارس وعدة الفرس. ويمكن اخذ فكرة عن جمال وروعة الاسلحة العثمانية في النصف الثاني من القرن العاشر هـ/السادس عشر من خلال مجموعة الاسلحة التي غنمها لازاروس فون شفندي من العثمانيين اثناء حربه في المجر في اواخر ذلك القرن، والتي يستعرضها لنا كريستيان بوفور ـ سبونتان في مقالته مجموعة الارشيدوق فرديناند التيرولي المسماة «غنائم شفندي».

ثم ينقلنا الكتاب من خضم هذه السباقات الحضارية المترعة بالألوان والصور حيث تتزاحم وتتدافع انشطة الفروسية ورموزها وتعبيراتها، محمولة على تاريخ عريق شهد كل الاطور التي مر بها الانسان ورفيقه الحصان في مسيرتهما الصعبة والمجيدة. الى بيئة مختلفة تماما عزّ فيها الحصان الا على النخبة، وهي بيئة لا تدعي تاريخا صنع فيه الحصان التاريخ ولا تراثا في الفروسية تباهى به الغير، ولكنها أحبت الحصان حين حل بأرضها واعتزت بما خلفه من أثر وعبرت عن هذا الاعتزاز بصدق وبساطة وبما بتفق مع تقاليدها ومناخها الثقافي، ونقصد بهذه البيئة افريقيا السوداء ولا سيما غربها ومنطقة جنوب الصحراء الكبرى التي دخلها الحصان على اثر احتكاكها بالمسلمين وعن طريق السواحل والمناطق العربية الاسلامية المتاخمة في شمال افريقيا والسودان. فيتناول هربرت كول هذا الموضوع من خلال دراسة تشخيص الفارس والفرس في تماثيل غرب افريقيا بينما تتناوله جوزيت ريفاليان من زاوية دراسة عدة الحصان والفارس في افريقيا جنوب الصحراء.

اما عن الحصان العربي فقد خصصت له مقالتان فقط هما مقالة سايمون دغبي المهمة والمرجعية عن تجارة الخيول العربية في الهند في العصر الوسيط، ومقالة مخطوطة عباس باشا وانساب الخيل العربية الحديثة لعلامة الجزيرة الفقيد حمد الجاسر الذي خطفته يد المنون والكتاب على وشك الطبع فصارت مقالته هذه التي شمر فيها كعادته رحمه الله عن ساعد الجد للذود عن تراث الامة والانتصار لرمز من ارفع رموزه الا وهو الخيل العربية ونقاء انسابها، وكأنها وصية اخيرة للأجيال الحاضرة واللاحقة لصون هذه الوديعة والسير في خطى السلف الصالح ممن اودع الامانة فحفظها وحمل المسؤولية فتنكبها. ومخطوطة عباس باشا هي شيء من ذلك، اذ انها كانت ثمرة لقاء وتآلف الامام فيصل بن تركي بن عبد الله آل سعود، جد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود مؤسس السعودية، وعباس باشا بن احمد طوسون بن محمد علي حفيد محمد علي الكبير وثالث ولاة مصر من أسرته. فلولا تلك النفوس الابية والهمم العالية والتعصب للفلاح وجلائل الاعمال لما رأت هذه المخطوطة الفريدة النور وهي التي تمثل ربما آخر عمل مرجعي كبير في ادب الفروسية منذ نشأته في صدر الدولة العباسية. وبمقالة المرحوم حمد الجاسر يختتم كتاب فروسية 1.

أما الكتاب الثاني فهو من تأليف ديفيد الكسندر ويضم عرضا تفصيليا لمواد معرض الفروسية المزمع تنظيمه والبالغ عددها 219 قطعة خصص لكل واحدة منها باب، والابواب موزعة على محاور هي: تدجين الحصان وعصر العربة، الحصان في الحرب، الصيد والرمي والكرة والصولجان، الخيل في المواكب والاحتفالات، علم البيطرة وعلاج الخيل، الحصان في الادب والاساطير الخيل في القرآن والحديث. وقد بذل الكسندر جهدا كبيرا في اختيار هذه المواد وتوصيفها، وتخريج المصادر التي نشرت فيها، وتقسيمها الى مجموعات موضوعية صدرت كل مجموعة منها بنبذة تمثل المحور الذي تندرج فيه. ويمثل هذا العمل اسهاما جديرا بالتقدير في حقل وعر المسالك كحقل دراسات الفروسية الذي سيظل عصيا صعب المغالق ما لم يتسلح الباحثون فيه بمنهجية متعددة الاختصاصات يتزاوج فيها الاطلاع العميق على مصادر هذا الحقل الاصيلة، وعلى رأسها أدب الفروسية المخطوط، بمعرفة عملية وتقنية بفروع الفروسية. ولكن الى ان يتحقق ذلك فان كل الاسهامات الجدية في هذا المجال، برغم ما قد يعتريها من هنات ونواقص، هي خطوة ايجابية الى الامام تستحق الثناء والتشجيع.

ورغم ان الطبعة العربية من فروسية 1 وفروسية 2 تمثل نسخة منقحة ومحدثة من الطبعة الانجليزية التي اشرف عليها ديفيد الكسندر الا ان الجهد المقدم بها لم يقتصر على تعريب النصوص الانجليزية التي تمثل نحو 90 في المائة من مادة الكتاب بجزأيه، وانما قام فريق العمل العربي ايضا على مراجعتها وتحريرها والاستدراك عليها وتوضيح ما يستوجب توضيحه فيها والتعليق على ما يلزم التعليق عليه. كما قام بوضع فهارس تفصيلية للجزء الاول وتوسع في المصادر والمراجع الشرقية واعادة ترتيب ثبت المصادر والمراجع ككل بما ينسجم مع مقتضيات هذه الطبعة. وقد استغرق انجاز هذه المهام فترة تزيد عن العامين من الجهد المتواصل والتفرغ التام وهي فترة قياسية بحسابات حجم العمل وطبيعته المركبة والمتخصصة.