ما هو مستقبل العلاقة بين العرب والغرب في ظل أحداث سبتمبر؟

الأمين المساعد للجامعة العربية: أحداث أميركا كانت القشة التي قصمت ظهر العلاقات العربية الغربية * أكاديمي في الجامعة الأميركية: لم يمر العرب بعد بأسوأ مراحل الأزمة.. فلازال هناك الكثير

TT

الصين تمنع العرب من ركوب طائراتها، ايطاليا تبحث في عدم اعطاء العرب والمسلمين تأشيرات دخول لأراضيها، اعتداءات على طلاب عرب في الجامعات الأميركية، تحرشات ضدهم في شوارع المدن الأوروبية، بعد كل هذا.. اي مستقبل ينتظر العرب؟ نظرات الشك والاتهام ترافقهم في كل مكان بعد اعتداءات 11 سبتمبر (ايلول) الماضي. هل سيؤدي كل هذا الى ان يصبح العرب منبوذين من الغرب؟ هل من الممكن ان لا نشاهد عربا في بلاد الغرب قريبا؟ ريما نزيه صيداني من مكتب بيروت حملت هذه التساؤلات الى كل من أمين عام مساعد الجامعة العربية السفير عبد الرحمن الصلح ورئيس قسم العلوم السياسية في الجامعة الاميركية في بيروت الدكتور فريد الخازن، ورئيس قسم علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية ـ الاميركية في بيروت الدكتور سامي بارودي الذين أجابوا على هذه التساؤلات كل وفق قناعته. تشويه صورة العرب في الغرب، ليس وليد الحاضر، اي نتيجة احداث 11 سبتمبر (ايلول)، انما هناك دعاية سلبية ضد العرب منذ فترة طويلة، وما جرى اخيراً لم يكن سوى الشعرة التي قصمت ظهر البعير، كما يرى السفير عبد الرحمن الصلح الأمين المساعد للجامعة العربية، ويضيف قائلاً: «تركت احداث 11 سبتمبر، اثرها البالغ على المسلمين والعرب خاصة حاملي الجنسية الأميركية مما دفع بالعديد من السياسيين والاحزاب والجمعيات في الولايات المتحدة الى التحذير من خطورة التعرض لهؤلاء الأبرياء الذين هم جزء اساسي من النسيج الاميركي. وفي اعتقادي ان ما تعرض وما يتعرض له العرب، عائد بالدرجة الاولى الى سياسة اعلامية صهيونية بدأت منذ عشرات السنين، تهدف الى تشويه صورة العرب في محاولة لاظهار اسرائيل كدولة مسالمة. يجب ان لا يتحول العالم الحر الى مسرح للاعتداءات على العرب. ان مثل هذه السياسة العدوانية تفشلها مبادرات العرب في المهجر من خلال جهودهم للتقارب مع حكومات وشعوب الدول التي يعيشون على اراضيها، بالاضافة الى المثال الصالح الذي اعطته الجالية العربية في الولايات المتحدة او المواطنون المتحدرون من اصل عربي مما شكل سداً منيعاً في وجه الخطة الاسرائيلية لتشويه سمعتهم والتشكيك في ولائهم. العرب على اختلاف انتماءاتهم في بلاد الغرب مدعوون اليوم الى بذل كل الجهود لإثبات وجودهم وكفاءاتهم، وليبرهنوا على صورتهم الحقيقية».

* نظرة متفائلة

* وتأتي نظرة رئيس قسم العلوم السياسية في الجامعة الاميركية في بيروت الدكتور فريد الخازن حيال هذا الموضوع متفائلة الى حد ما، اذ يقول «من الطبيعي ان تأتي ردة الفعل الغربي عنصرية بعض الشيء ازاء ما حصل، هذه العواقب طبيعية خصوصاً ما حصل في لندن لأن الشعب البريطاني عموماً شعب ذو نزعة محافظة، لكن في البلدان الاخرى لم تأت الأمور على هذا الشكل، وما حصل من اعتداءات جسدية على العرب هو نوع من النفور وعدم رغبة في التعامل معهم. لكن مما لا شك فيه ان هذا الوضع آني، وسيخف خصوصاً اذا لم تحدث اعتداءات جديدة على اي من المرافق الغربية. بالطبع ستزيد اعتداءات جديدة وضحايا اكثر من حدة النقمة على العرب. في تصوري، لن يصل الأمر الى حد «نبذ» العرب، لأن هناك موظفين عرباً في اهم البنوك الغربية مثلاً، أو طلاباً عرباً في اكبر جامعات أميركا.

طبعاً، اذا حصلت تصعيدات وتأزم الوضع تصعب عودة الطلاب العرب الى جامعاتهم، لكن في النهاية القرارات لم تحسم بعد وما زالت التساؤلات كثيرة، واسوأ مراحل هذه الازمة ليست ما نمر بها اليوم انما ستحل حال اي تصعيد في المستقبل. باختصار هذه الكراهية تجاه العرب هي ردة فعل في عز فورة المشاعر السلبية، وفي هذه الحالة لا يكون الانسان في حالته الطبيعية، لذلك من الصعب محاسبته، كما اننا لا نستطيع ان نجزم ونعتبرها «ابدية» لانه مع مرور الوقت ستخف حدتها، وهنا استطرد الدكتور الخازن، ليرى الجانب الايجابي في ما حصل فعلق قائلاً: «لا نريد ان نعمل حسب مقولة «مصائب قوم عند قوم فوائد»، لكن من الممكن ان يلعب العرب دوراً بارزاً خلال هذه الفترة وان يستفيدوا مما حصل، فمثلا سيستفيد لبنان لانه سيلعب دوراً مهما كمركز مالي ازاء تجميد بعض الارصدة العربية في الخارج، كما سيستفيد من ناحية استثمار الاموال في قطاعاته، كما ان قطاع العقارات من الممكن ان يتأثّر ايجاباً. وبالنسبة للعرب فهي فرصة تاريخية للنزاع العربي ـ الاسرائيلي، وفرصة لأميركا لاعادة النظر في علاقاتها مع العرب، من هنا هي فرصة مهمة للعرب عليهم انتهازها. ومن ابرز نتائجها الايجابية المبادرة الاميركية تجاه النزاع العربي ـ الاسرائيلي التي اتت مختلفة كلياً عن مبادرات مدريد واوسلو. لكن ما هو صعب اليوم هو موقف اسرائيل المتطرّف، ووجودها كعائق بين العرب واميركا.

هناك امور ما زالت غير واضحة تماماً. لكن سؤالي هو ما اذا كان «ابتعاد» الغرب عن العرب من الممكن ان يؤدي الى التفاف العرب على بعضهم البعض. هناك الكثير من الامور العالقة في هذا الشأن، هناك انظمة عربية ضدّ اخرى، وهناك اختلاف في وجهات النظر تجاه اسرائيل، والامور لا تسير على طريق واحد. وتابع الدكتور الخازن قائلاً: «لكن، بلا شك،ّ هناك تغيّر في علاقات العرب في ما بينهم بعد اعتداءات 11 سبتمبر، ابرزها ظهور وحدة الموقف العربي، الشيء الذي لم يكن موجوداً من قبل، وهذا ما تجلّى في بيان المؤتمر الاسلامي، اذ للمرّة الاولى تأتي البيانات الصادرة جيّدة ولافتة ومعقولة ومفهومة لدى الجميع، وهذا دليل نضج لدى المسلمين، ممّا سيؤدي الى اطار اوسع للتعامل في ظلّ عامل توازن، خصوصاً ان اللغة المستعملة هي لغة لم تُحْكَ من قبل».

* فورة عواطف

* اما الدكتور سامي بارودي رئيس قسم علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية ـ الاميركية في بيروت فيرى ان «النفور من العرب سببه فورة عواطف الغربيين بالاضافة الى شعور بالارتياب ادى الى تباعد بين الطرفين. هذا الشيء كان موجودا من قبل، لكن 11 سبتمبر اظهره بشكل واضح، اي كان موجوداً ولكن «مخبأ»، وما يحصل اليوم، ليس سوى، «إزالة الغطاء» عما كان مكبوتاً لسنوات. لطالما كان العالم العربي موجوداً في الغرب بمختلف الصور، سواء من خلال الجمعيات العربية أو تحت تشكيلات اخرى. وما حصل اليوم دفع الغرب للتعرف اكثر على هذه الحضارة المختلفة، اي حضارة العرب، التي «تهدد وجودهم». شعور الغربيين تجاه العرب اليوم ـ ولأول وهلة ـ هو شعور حذر. لكن ليس في كل الدول الغربية. والدليل إننا لم نر مظاهرات ضد العرب، بل مظاهرات ضد التمييز.

ما حصل اليوم، ان الجمعيات الاجنبية التي كانت متفهمة لوجود مطالب العرب في بلادهم تغيرت نظرتها تجاههم اليوم لأنها باتت تحملهم مسؤولية ما حصل. الخلفية العقائدية هي التي ترفض الغير وما حصل اليوم حرك المشاعر وتراجع نسبة تقبل الآخر. ويتابع الدكتور بارودي قائلاً: «عدم اعطاء تأشيرات للعرب للدخول الى اميركا ليست وليدة ما جرى اخيرا انما يرى المتابع انه حتى قبل الاحداث الأخيرة تضاءل اعطاء التأشيرات للطلاب العرب تحديداً، لأن هناك من يدخلون بتأشيرة طالب ولا يتابعون اية دراسات، ثم ما حصل في ايطاليا، اي التفكير في عدم اعطاء تأشيرات للعرب وللمسلمين، هذه مواقف نابعة عن الاحزاب اليمينية، واليمين معروف دائماً بمواقفه الراديكالية. في رأيي تعميم صورة واحدة على العرب جميعآً خطأ، وهذا ما يقوله اليوم اي غربي مثقف. فضلاً عن ذلك لم تؤيد ولا دولة عربية واحدة الاعتداءات التي حصلت في 11 سبتمبر، وهذا مما يساعد على تخطي الازمة الحاصلة بين الغربيين والعرب.

* البحث عن البديل

* واضاف الدكتور بارودي ان الحذر من العرب في الغرب ولّد لدى العرب شعوراً بأنهم غير مرغوب فيهم، هنا من الممكن ان تتحول وجهات سفرهم تجاه بيروت، على الاقل خلال هذه الفترة، خصوصاً من ناحية السياحة، لما يتمتع به لبنان من مقومات خاصة كونه مركزا للتسوق، وكذلك ميل العرب نحو الجامعات اللبنانية. وهنا اتمنى على الحكومة اللبنانية ان تدرك الوضع الذي هي فيه لتستفيد منه قدر الامكان، لكي لا تكون مجرد «البديل» الذي فرضته الظروف، انما «البديل» الدائم، او بالاحرى ليس البديل بل الحل الاول. باختصار، وبالعودة الى موضوعنا الاساسي هناك امكانية كبيرة ان يزول مع الوقت التباعد الموجود حالياً بين العرب والغربيين خصوصاً اذا توفرت حكمة في التعامل لدى كل من الطرفين. ثم ان في الغرب نظام قضائي يحد من الشعور العنصري الجارف وهذا سيساعد بالدرجة الاولى على تخطي مختلف العقبات.

=