ممثل منظمة حماية الطيور العالمية: نطالب بإنشاء «شرطة» لحماية طيور لبنان

TT

الطيور تعتبر واحدة من ثروات لبنان الطبيعية، التي تلعب دوراً أساسياً في التوازن البيئي، لكن بعضها مهدد بالانقراض والموت والرحيل، وذلك لأسباب عدة أهمها الصيد الجائر (غير المرخص) أو التلوث الصناعي او استعمال المبيدات في المزارع. وعليه فإن الدكتور غسان جرادي أستاذ علم الحيوانات والبيئة في الجامعة اللبنانية، وممثل منظمة حماية الطيور العالمية في لبنان، يلقي الضوء على هذه «الثروة الطائرة»، وليتوقف عند أنواعها ومدى نسبة الخطر الذي يداهمها.

مارون حداد من مكتب بيروت رصد حديث الدكتور غسان جرادي وخرج منه بهذه الحصيلة من المعلومات الهامة.

يقول جرادي: «في لبنان 372 صنفاً من الطيور، منها 17 نوعاً مهددة بالانقراض. وفي الشرق الاوسط هنالك أكثر من 700 نوع، 45 نوعا منها مهددة بالانقراض. اما في العالم، فهناك 1996 نوعاً مهدداً بالانقراض». ولفت الى ان انقراض سلالات الطيور يحدث بشكل متسارع، ويتوقع ان ينقرض 400 نوع من الطيور خلال القرن المقبل. وحدد الدكتور غسان اسباب الانقراض حيث رأى أن أحد الأسباب الرئيسية هو تدهور اماكن سكنها، بسبب الحرائق وقطع الاشجار وتضاؤل مساحات البراري واستعمال المبيدات الزراعية السامة بشكل ارعن، بالاضافة الى التلوث الصناعي (بقعة نفطية واحدة في البحر تزهق ارواح 100 طن من الطيور). في حين أن هنالك أيضا اسبابا أخرى مثل الصيد الجائر غير المرخص واستعمال افخاخ غير قانونية مثل الدبق والشباك والخدع الآلية.

ويضيف الدكتور غسان: أن إدخال اصناف دخيلة من الطيور (الحجل القبرصي مثلاً) وتزاوجها مع الحجل اللبناني، سيؤدي الى ظهور سلالة ضعيفة غير قادرة على البقاء.

وصنف جرادي الطيور اللبنانية بالطيور المهاجرة والمقيمة والمشتية والمصيفة والجوارح، وقال إن «المهاجرة تبلغ 256 نوعاً، والصغير منها يقطع 4 آلاف كيلومتر دفعة واحدة مثل «البوبانة» الصامتة، اما المزقزقة منها، فهي لا تسافر، وشكلها اقرب الى الفأرة. والكبير من هذه الطيور يرتحل على تقطع. ومنها ما يسبح مع التيارات الهوائية الساخنة مثل اللقالق ومنها ما يطير ليلاً او يطير نهاراً او ليلاً ونهاراً معاً مثل الفري والسمّان».

وحول ما يردده العامة من ان هذا الطير الاخير «يدوّد» في هذه الايام، اوضح جرادي: «العامة تخلط في هذا الموضوع. فلحم هذا الطائر ليس هو الذي يدوّد، بل احشاؤه ومثل العديد من الطيور، وهذا الدود ضروري لانبات الغابات بفعل التخمرات التي يسببها للبذور». ويضيف: «هناك 112 صنفاً من الطيور المفرخة، نصفها مقيم، والنصف الآخر يفرخ عندنا ويشتي جنوباً حتى افريقيا كالترغل. والمشتي من طيورنا يمضي شتاءه في ربوعنا ثم يتجه شمالاً ليفرخ حتى حدود اوروبا وآسيا الغربية. اما الطيور المصيفة فتأتينا من الجنوب لتفرخ عندنا ثم تهاجر شمالاً».

وعن ابرز الانواع المنقرضة او المهددة بالانقراض في لبنان قال جرادي: «هناك صنفان من الطيور اكثر تعرضاً للخطر: طيور الماء بسبب التلوث المائي الكثيف، والباشق الذي يعتمد على التيارات الهوائية المرتفعة للطيران الانسيابي على علو منخفض فيصبح هدفاً سهلاً للصيادين».

وعدد الدكتور غسان فوائد الطيور، فاشار ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ الى ان الصقور والبواشق تؤدي للانسان خدمات جليلة ، اذ تقضي على القوارض والفئران التي تفتك بالمحصول الزراعي في النهار. وتقوم طيور البوم بالمهمة ذاتها ليلاً. والسمّان يساعد في انتشار شجرة اللزاب وغيرها من الاشجار الحرجية القيمة، والسنونو تأكل نحو 400 حشرة في اليوم (ما يعادل وزنها)، والنسور تنظف الطبيعة بأكل جيف الحيوانات النافقة فتقي الانسان من انتشار الاوبئة، والواق او القيقب فعّال في القضاء على دودة الصندل (التي تفتك باشجار الصنوبر) بفضل مادة مخاطية في المريء تمسك بشعيرات الدودة، وهذه الشعيرات لو اكلها طائر آخر للقي حتفه. ولو اخذنا القرقف او ما تسميه العامة سن المنجل لوجدنا انه يحد من انتشار حشرة السفلسيا التي تفتك بأرز غابة تنورين (شمال لبنان).

اما عصفور «الدوري» الذي يكثر في ربوع لبنان، ويشكو منه المزارعون، فيروي جرادي هنا قصة ذات دلالة حوله، اذ «قرر الصينيون ذات مرة ان يبيدوا طيور الدوري، سواء بطريقة الصيد او بطريقة التطبيل والتزمير الدائمين، حرصاً على مواسم الارز، وقد تبين للمزارعين ان الموسم التالي سجل تحسناً، لكن موسم السنة الثانية عاد الى ما كان عليه قبل مجزرة الدواري. اما موسم السنة الثالثة فقد سجل تدهوراً لافتاً، مما افسح في المجال للاكتشاف بأن الدوري كان يأكل حبوب الارز المسوسة مقتاتاً بما يوفره هذا السوس من بروتين، الامر الذي اضطر المزارعين الصينيين الى شراء الدوري وطرحه في حقولهم للتكاثر».

واعتبر جرادي ان «الحفاظ على الطيور يتطلب وضع قوانين وتنفيذها والانضمام الى المعاهدات الدولية والعمل الجاد لانقاذ الاصناف المهددة ونشر الوعي الشعبي بأهمية الطيور وفوائدها، والرفق بها وايجاد مناطق محمية واسعة».

وقال: «ان المادة 83 من قانون الصيد اللبناني تسمح بصيد طيور مائية تشكل نصف ثروة لبنان من الطيور، والمادة 84 توكل الاشراف على الصيد الى وزارة الزراعة، بينما هذا الامر منوط بوزارة البيئة في كل دول العالم».

وطالب بانشاء شرطة بيئية وتشديد العقوبات على مخالفي قوانين الصيد وتحديد الاماكن التي يسمح فيها بالصيد وزيادة عدد محميات الطيور والاستعانة بالخبرات الدولية في مجال المحافظة على الطيور بعد الالتزام بالمعاهدات الدولية. كما طالب بنشر الوعي بأهمية الطيور وفائدتها. ونصح باستبدال هواية صيد الطيور بهواية مراقبتها وتصويرها ورسمها والتسلي بالرماية على الاطباق. وتمنى عدم تدمير اعشاش الطيور او اخذ فراخها بل تعليق اعشاش اصطناعية لها في الحدائق والمساحات الخضراء.

=