رفع الأثقال.. على الرؤوس

طريقة ترجع لأيام الفراعنة.. وتنال إعجاب واستغراب كل من ينظر إليها

TT

بعيدا عن مسابقات رفع الأثقال وصراع الميداليات، تمارس المصريات وبعض نساء القبائل الافريقية نوعا فريدا من حمل الأثقال يثير الدهشة والفضول معاً وان كنت لا تصدق فعليك إما زيارة افريقيا، أو مدينة القاهرة تحديدا في محطة رمسيس أو العابرين لشوارع العاصمة المكتظة، حيث الجميع يحملون أي شيء وكل شيء بألف وسيلة وبكل طريقة، أو حتى كبريات المدن السعودية.. حيث يشتهر منظر البائعات المتجولات المعروفات بالـ «حجّات» اللواتي يبعن كل شيء من الفستق والمكسرات حتى العاب الاطفال مرورا بالاعشاب او العطور. وبالنسبة لمن يرى هذا المنظر لأول مرة، فلا بد أن ينال المشهد اعجابه واستغرابه، حيث يسأل نفسه بالتأكيد «كيف تستطيع هذه المرأة فعل ذلك؟» ولا شك ان التعود على حمل الأمتعة بهذه الطريقة هو مهارة مكتسبة تصقلها الأيام، إلا أن اللافت هو أن طريقة حمل الأمتعة هذه تعود لفترة بعيدة من الزمان، حيث تظهر بعض الرسومات القديمة في مصر أن الناس في زمن الفراعنة كانوا يتبعونها ـ حيث تبدو الفلاحة التي تحمل الجرة أو آنية الطعام مقلدة لأشهر تماثيل الجواري بالمتحف المصري والذي يرجع إلى الأسرة الحادية عشرة ويمثل فتاة ممشوقة القوام تسند بيدها اليمنى بأحد الطيور وتتكرر هذه الهيئة في مقابر سقارة بالذات حيث تظهر حاملات القرابين في مقبرة «بتاح حوتب» من الأسرة الخامسة وحاملات القرابين في مقبرة «مروركا» من الأسرة السادسة، كما يظهر الخادم الرشيق الذي يحمل أمتعتهم.

وترى الدكتورة هدى بدران أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأميركية بالقاهرة «أن طرق حمل الأمتعة عند الشعوب تتوقف على عدة متغيرات مثل الحالة الاقتصادية ومدى توافر الوعي بالإضافة إلى السمات الخاصة بالشخصية القومية لكل شعب، فمثلا تتميز الشخصية الألمانية بصفة خاصة والأوربية عموماً بالنظام الشديد مع توافر الوعي الشخصي عند كل فرد بما يلزمه ويمكن أن يفيده أثناء سفره بدون زيادة أو نقصان بالإضافة إلى توافر امكانات مادية تمكنهم من شراء معدات معاونة لحل أمتعتهم، وكل هذه العوامل تجعلهم لا يشعرون بأي مشقة في حمل أمتعتهم بعكس المصري الذي يبدو عليه الاجهاد الشديد وهو يحمل أمتعته التي قد لا يحتاج إلى 90% منها والتي تصيبه باللخمة الشديدة وتجعله مضطربا ينظر حوله بالقلق ويتعثر في خطواته. وتؤكد الدكتورة هدى أنه ليس لدينا أي وعي بالطرق الصحية والصحيحة لحمل الأثقال مما قد يسبب تشوهات واضحة في قوام وجسد الأم وأطفالها أيضاً وتطالب الدكتورة هدى بأن تكون لدينا تقاليد منظمة في حمل الأمتعة تماما كالانجليز الذين يضعون لكل شيء قواعد محددة بما في ذلك حمل الأشياء البسيطة.

ويكشف لنا حسني لطفي مدير مركز الفنون الشعبية بقصر الثقافة بالقاهرة عن سر الأثقال الضخمة التي يحملها القادمون إلى القاهرة فيقول «لكي نصل إلى تفسير لهذه الحالة علينا أن نتحدث عن مفهوم الغربة ويكفي في هذا المجال أن نذكر أنه عندما يخرج الفلاح من قريته إلى العاصمة لتسويق محصوله يقول أنه اتغرب، بل ان هناك مثلا شهيرا يؤكد «أن من خرج من داره أتقل مقداره» وبالتالي يبدو منطقيا تماما أن يحمل المسافر معه ما يحتاج اليه وما لا يحتاج اليه أيضا ربما احساسا منه بعدم الأمان وبعدم قدرته الاقتصادية على شراء ما يحتاج اليه من العاصمة التي ترتفع فيها الأسعار والتي تباع فيها أشياء لا تباع في القرية كالخبز مثلا.

ويقول حسني لطفي «وما زلت أتذكر أن الحجاج قديما كانوا يحملون معهم أحمالا ضخمة تسمى «الزواد» تحقق لهم نوعا من الاكتفاء الذاتي لدرجة أنهم كانوا يحملون معهم غازا صغيرا لصنع الشاي والقهوة، ويضيف حسني لطفي سرا آخر من أسرار هذه الأثقال وهي ما يطلق عليها بزيارة أو الهدية التي سيحملها الزائر إلى القاهرة وهو أمر يفرضه الواجب والعرف والعادات والتقاليد، وهناك مثل طريف يشرح ذلك بخفة دم مصرية ويقول «بعد السلام تفتيش الأكمام» أي بعد أن تلتقي بأقاربك فإنهم يتوقعون منك بحكم العادة تقديم الهدية التي حملتها لهم.

كما يضيف سرا آخر من حمل الأثقال والأمتعة فيقول ما هي إلا وسائل خاصة للتكيف مع الظروف الصعبة والحالة الاقتصادية التي قد لا تمكنه من تأجير شخص آخر يحمل عنه متاعه.

ويشير الدكتور أحمد الحديدي أستاذ جراحة العظام والاصابات أن جميع طرق حمل الأثقال تعتبر طرقا غير صحية وضارة بالعظام والعمود الفقري ويرصد منها خمسة أوضاع شائعة يحللها على النحو التالي:

طريقة استخدام الرأس في الحمل كما تفعل الفلاحة في الريف حيث يتركز الثقل على الرأس وتترك يديها فارغتين لتستخدمها في الأمساك بأطفالها، وهذه الطريقة تؤدي إلى تآكل مبكر في فقرات العنق والظهر مع احتمال حدوث انزلاق غضروفي في العنق والظهر بالإضافة إلى ما يصيب الركبتين من تآكل نتيجة زيادة الحمل عليهما، وخاصة أن من يحمل 10 كيلو جرامات على رأسه يحمل في الواقع 40 كيلوجراما بسبب تأثير الجاذبية الأرضية.

أما طريقة استخدام الظهر هي طريقة تسبب زوائد عظمية في الظهر ثم تتحول هذه الزوائد الوقائية إلى حالة مرضية تتطلب العلاج الفوري. أما عن طريقة استخدام الجنب كما تفعل الريفيات في حمل أطفالهن مع الميل على الجنب الآخر لحفظ التوازن هذه الطريقة ضارة جدا بالأم، حيث تسبب ظهور زوائد عظمية مع احتمال الاحساس بالألم الشديد في الظهر. ولكن الغريب أن هذه الطريقة تعتبر الأكثر صحة بالنسبة للطفل، حيث تمنع تماما اصابته بحالات الخلع الخلقي لمفصل الفخذ والتي تنتشر بين الأطفال.

أما الطريقة الصحيحة في حمل الأمتعة هي الجر أو الدفع خاصة مع وجود معدات مساعدة مثل العربات أو الشنط ذات العجلات التي تقلل المقاومة كثيرا وتسهل جر الثقل.