سيارات الأجرة في لبنان.. صالونات سياسية وعيادات نفسية

سائقوها خبراء ومستخدموها محللون في شتى المواضيع

TT

يشكل سائقو سيارات الأجرة في لبنان طبقة خاصة، تجمع بين الفوضى والطرافة وتعكس ظاهرة نادرة عبر دلالات قد لا يلاحظها اهل البلد لتعايشهم معها، لكنها تثير فضول غيرهم من الشعوب التي تعودت اداء وظيفياً محدداً لهذا القطاع الحيوي، لاسيما في بلد سياحي.

فكل مواطن لبناني ضاقت به سبل الحياة هو مشروع سائق اجرة، اذا توافرت له اللوحة الحمراء التي تعتبر جواز مرور الى عالم النقل العام. وليس ضرورياً ان تقتصر هذه المهنة على فئة اجتماعية بعينها، قد يزاولها صاحب مهنة يدوية او استاذ مدرسة، ليرفد مدخوله بعد الدوام، او حامل اجازة سدت في وجهه ابواب العمل. وقد يدعي كل سائق طارئ على «الكار» انه كان تاجراً كبيراً، لكن الزمن غدر به فأفلس ولم يعد يجد وسيلة للارتزاق سوى التقاط الركاب «على الخط».

و«المستويات الفكرية» للسائقين تبرز للراكب من دون جهد يذكر، فيكفي ان يستقل احدهم سيارة الاجرة، ليتابع حلقة من صميم الحياة، قد تستحق التدوين والتصوير والاخراج. والامر يتجاوز الاستماع في بعض الحالات، فالسائق المسترسل في الحديث عن شؤونه وشجونه يفرض احياناً كثيرة على الزبون المشاركة والنقاش والتعاطف وإلا اعتبر الصمت اهانة شخصية.

وغالباً ما تكون الثرثرة متبادلة بين السائق والراكب، انطلاقاً من سلوكيات اللبناني، الذي لا يتحفظ في سرد مشكلاته المهنية والاسرية كيفما اتفق، لاسيما في سيارة الاجرة، معتبراً انها وسيلة نقل عابرة ومحطة صالحة للتخلص من الضغط اليومي من دون قيود او ضوابط، تفرضها اماكن اخرى. لتشبه عملية الانتقال جلسة نفسية، قد تتخللها النصائح والارشادات.

لكن ابرز سمة في سيارات الاجرة هي تحولها الى صالونات سياسية تحمل مواصفات الاثارة التي تضاهي برامج «التوك شو». وبما ان اللبنانيين مدمنون المتابعة السياسية بامتياز، تنشط هذه الصالونات الجوالة، لا سيما في المرحلة الراهنة النابضة بالاحداث.

ويندر ان يسلم راكب التاكسي من الاستماع الى آخر تطورات السياسة والامن، ناهيك بالشائعات والتركيبات المرتبطة بمزاج السائق وميوله الحزبية والطائفية، اضافة الى تحليلات يشارك فيها الركاب. وقد يتطور النقاش الى تلاسن وعدائية، بحيث تتحول السيارة ساحة حرب كلامية، يصعب ضبطها، فيضطر احد الركاب الى عقد اتفاق هدنة بين وجهات النظر المتناقضة.

ولعل اطرف وصف لظاهرة سيارات الاجرة لخصه استاذ فرنسي يعمل في مدرسة ارسالية في بيروت قائلاً: «الناس في بلدي يطاردون التاكسي، اما في لبنان فالسائق يطارد الراكب. معظم الاحيان أشعر بأنه كان يتعقبني ليصطادني ما ان اصبح في الشارع وعندما استقل السيارة، يبدأ محاولاته للتحدث إلي بفرنسية مكسرة وانجليزية أسوأ حالاً، واذا لم اتجاوب معه، يتابع بالعربية الحديث عن السياسة او الغلاء، اذ يردد اسماء اهل السياسة او كلمة Money في جملة».