تجارة الشوارع في بيروت.. لها أصول

يمارسها صبيان صغار تجمعهم ميزة الإلحاح الشديد

TT

عطور وأزهار واكسسوارات ومساحيق تجميل واشرطة غنائية ولوازم منزلية ومدرسية وادوات كهربائية، كلها بضاعة الشوارع في بيروت، اربابها باعة متجولون يصطادون زبائنهم عند مفارق الطرق والاشارات الضوئية.

ويستميت هؤلاء الباعة في الترويج لما يحملون، معتمدين اسلوب الإلحاح الى حد الإزعاج. همهم إقناع الزبون العابر بالشراء، يتجاهلون جواب النفي وكأنهم لا يسمعون، وعندما يغلق السائق نافذته في وجوههم، لا يتورعون عن قرع متواصل على الزجاج كما انهم يتنقلون بين السيارات بشكل خطر، غير عابئين بأرواحهم لا سيما عندما يشعرون بوجود رجال الامن، فيهربون وكأنهم لصوص، ما يبعث على النفور، اضافة الى ان ملامح معظمهم لا توحي بالثقة، كأنهم مشردون متسولون، اذ قلما نجد بينهم من يهتم بمظهره.

كذلك يتكرس انعدام الثقة في طريقة البيع، التي تبدأ غالباً بعرض ثمن مرتفع للسلعة، ثم يأخذ الثمن بالانخفاض شيئاً فشيئاً، ليصبح بالامكان شراؤها بعُشر ما عرض اولاً، ما يوحي بان البضاعة المعروضة مغشوشة او مسروقة.

لا يقتصر الانزعاج من الوجود الكثيف لهؤلاء الباعة على سلوكهم واسلوبهم في البيع ونوعية بضائعهم، اذ يدخل على الخط عامل اضافي، وهو جنسيتهم. والسبب هو الازمة الاقتصادية التي طاولت نسبة كبيرة من اللبنانيين، في حين كانت الاسواق مباحة للكل سواء كان من بلد عربي مجاور او من شرق آسيا.

لذا انبرت مجموعات من الشباب الجامعيين لمنافستهم على ارض الواقع، رافعين شعارات تؤكد وجوب تشجيع الحضور اللبناني. وقد انطلقت هذه المبادرة من بيع الكعك، الذي ارتبط لفترة طويلة بالسوريين، وشابته اقاويل عن كون معظم هؤلاء الباعة يعملون مخبرين في الاحياء وعند ابواب المدارس والمؤسسات العامة والخاصة. ثم تطور الامر الى بيع الخضار. ورغم منع القوى الامنية هؤلاء الشباب من المضي في مشروعهم بموجب القوانين اللبنانية التي تحظر البيع على قارعة الطريق، فإن الطلاب لم يستسلموا، وانما وجدوا صيغة مقبولة لشرعنة تجارتهم من خلال تحويلها الى حملة للدفاع عن البيئة والنظافة، فاحتلوا المفارق وتقاطعات الشوارع ليبيعوا أكياس النفايات والمحارم الورقية من دون تحديد اسعار، موضحين ان هدفهم هو تشجيع عمل الطلاب اللبنانيين لتحصيل مصروفهم والحد من منافسة الباعة الاجانب. لكن تجارة الشوارع تحمل احياناً نبضاً موجعاً للاوضاع الاقتصادية، فالباعة المتجولون ليسوا وافدين فحسب او مجموعات يديرها مشبوهون لتتوزع بين التسول والبيع والسلب، او طلاباً متحمسين يريدون التعبير عن وجهة نظرهم المتعصبة لوطنهم.

فمشهد أحد الاطفال يحمل اللبان (العلكة) او الحلوى، وهو يصر بصوت متوسل على دفع السائقين للشراء، قد يفتح الباب امام مشكلة تعيشها بعض العائلات وترغمها على استثمار كل فرد فيها لتستطيع توفير لقمة عيشها، في غياب أي أمان اجتماعي او أي ضمان من الجهات الرسمية او أي تفعيل لإلزامية التعليم.