سباق سيارات يومي في دبي.. للحصول على موقف

المغامرة تتضمن الخروج من المنزل باكرا وتجنب الحوادث.. وقليلا من الحظ

TT

يمتلك العديد من سكان دبي عددا غير محدد من السيارات، حيث يحظى أفراد الأسرة الواحدة بسيارة لكل فرد منهم وأحياناً، يمتلك الشخص أكثر من سيارة.. بعضها ملك شخصي والأخرى ملك للشركة التي يعمل فيها!. ولنا أن نخمن نظرياً عدد السيارات التي تمر يومياُ على اسفلت شوارع دبي.. أو تنام في مواقف السيارات ليلاً غير قريرة العين بعد أن يضنيها البحث عن محط »عجلة« لها من دون جدوى.

معلومات إدارة المرور في دبي، تقول إن العدد الإجمالي للمركبات في الإمارة، وصل في نهاية العام 2004 الى 457 مركبة. وفي إشارتها للتوقعات المستقبلية في النمو السكاني لإمارة دبي خلال الفترة من 2005 ـ 2010 سيشهد العدد نمواً ملحوظاً.. من قرابة مليون و40 ألف شخص الى حوالي مليون و536 ألف شخص.. هذا يعني أن النمو المتوقع في عدد المركبات، تبعاً لذلك، سيصل الى حوالي 736 ألفا في العام 2010 اي أن العدد التقديري سيبلغ الضعف.

المشكلة الأولى التي تترتب على هذه الحقائق، عدا حوادث المرور التي تتنامى طردياً مع زيادة عدد السيارات، المشكلة هنا تتمثل في صعوبة حصول أصحاب المركبات على مواقف شاغرة لسياراتهم، سواء كان ذلك في مواقع العمل أو الأسواق.. والأهم من ذلك، محل السكن.. حيث لا تجد السيارة التي ينهكها اللف والدوران في شوارع دبي طيلة النهار، وسادة صلبة أو ترابية لتريح عليها عجلاتها استعداداً ليوم آخر وزحام آخر.! توفر أغلب الشركات مواقف لسيارات موظفيها.. بعضها لا يستطيع استيعاب الأعداد الكبيرة للسيارات.. البلدية بدورها خصصت مساحات بسيطة لمواقف السيارات بالقرب من الأسواق والدوائر الخدمية، إضافة الى مواقف سيارات موسمية خاصة بالمهرجانات والمناسبات والتنزيلات على اسعار السلع التي تتبناها أغلب المحلات التجارية في نهاية المواسم..على أن هذه المواقف بإجراءاتها الاحترازية لا تكفي ربع عدد السيارات في أوقات الذروة مثلاً. يلجأ سكان دبي الى العديد من الحيل للالتفاف على مساوىء هذه الظاهرة، كعادتهم في التعامل مع أي طارىء يواجههم في هذه المدينة، بعضهم يحرص، مثلاً، على الوصول الى محل العمل باكراً للحصول على موطىء «عجل».. البعض الآخر يحاول الاستغناء عن سياراتهم وذلك بالتطفل على أي جار أو صديق يستطيع أن ينقلهم جيئة وذهاباً الى محل عملهم.. إذا كان يعمل في نفس المنطقة، وفي أغلب هذه الحالات يتم دفع مبالغ مالية شهرية للصديق السائق على سبيل المجاملة..! أغلب أصحاب الجنسيات الآسيوية يستخدمون الحافلات العمومية التي لا تأتي غالباً في الأوقات المناسبة والتي يطول انتظارها أحياناً.. لكنهم يفضلونها لأنها أقل تكلفة وتختصر عليهم صداع امتلاك سيارة وصداع البحث عن موقف شاغر لها.

في أيام المهرجانات والاحتفالات الشعبية والرسمية والموسمية، التي تكثر في إمارة دبي.. تحصل العديد من الخلافات الزوجية؛ لأن الزوجة والام ترغب مساءًَ في استطلاع جميع أجزاء المهرجان ولأيام متتالية، والزوج العائد لتوه من زحام الطريق.. يرغب بأخذ قسط من الراحة واستغلال انشغال الناس والجيران بالمهرجان، لاصطياد موقف شاغر للسيارة بالقرب من محل سكنه.

في الغالب، تنتصر الزوجة والابناء ويستسلم الأب المغلوب على أمره، وفي نهاية الجولة ينقلهم بسيارته الى مدخل المبنى السكني.. ويمضي هو جزءا من اللليل في اللف والدوران حول المنطقة عله يحظى بموقف شاغر أو منسي.. وإلا فأنه سيلجأ للخيار الاصعب، أي ترك السيارة في أي زاوية قريبة من مداخل سير الشوارع الفرعية.. وفي الصباح، سيحظى بجائزة: مخالفة مرورية من الوزن الثقيل، لتجاوز سيارته الحد الفاصل بين موقف السيارات وشارع السير.. أو كما يسميها أهل المرور، إساءة استخدام مواقف السيارات.. وهي تشمل، الوقوف في مكان ممنوع، أو الوقوف على الرصيف، أو الوقوف خلف السيارات وإعاقة تحركها. أما الغرامة المالية التي تترتب على ذلك فتبدأ من 150 درهماً، أي ما يعادل حوالي 45 دولاراً وأحياناً تصل الى أضعاف ذلك.. إذا تكرر الأمر أو حصل السائق التعس على أكثر من عقوبة مرورية في الوقت ذاته، كأن يكون قد ركن سيارته في موقف ممنوع وقام، في ذات الوقت، بالوقوف خلف سيارة أخرى وعرقل سيرها.! سجلت إحصاءات دوائر المرور في رقعة جغرافية تتكون من أربع مناطق آهلة بالسكان المشاكسين، سجلت (22690) مخالفة سببها الوقوف في مكان ممنوع، كما رصدت وخالفت (9499) سيارة كانت تستخدم الرصيف بديلاً للموقف.. حدث ذلك خلال عام 2004 وفي رقعة جغرافية محددة في دبي. وكما يشير سجل المخالفات المروري، فإن المعاقين أنفسهم لم يسلموا من عمليات السطو على المواقف المخصصة لسياراتهم، وهم في هذا الشأن موضع حسد من قبل الناس. اما عدد المخالفات المسجلة في المناطق ذاتها والتي تقع في إطار «الوقوف في أماكن مخصصة للمعاقين» فبلغت 3822 مخالفة.

في إمارة الشارقة، التي يحلو للبعض أن يسميها «فندق دبي»، تجد العديد من العائلات التي يعمل أفرادها في دبي.. سكناً مناسباً لها، إذ أن بدل إيجار الوحدات السكنية معتدل نسبياً مقارنة بدبي، الا أن الثمن الذي تدفعه هذه العائلات.. عوائق مرورية أشد ضراوة؛ فزحام الطرق المؤدية من دبي الى الشارقة.. يؤخر موعد وصول الموظفين الى محل السكن.. وهذا بدوره يقلل من فرص الحصول على موقف شاغر بتقادم الوقت على غروب آخر شعاع من اشعة الشمس. كما ان أصحاب العقارات السكنية في الشارقة لم يتركوا متراً واحداً من دون أن يشيدوا عليه عمارة سكنية، لكنهم نسوا في خضم ذلك أن يتركوا فسحة من الأمل لأصحاب المركبات الباحثة دوماً عن محط قدم بلا أمل.. بل ان مضاعفة عدد المباني السكنية تفسح المجال للمزيد من المركبات الباحثة عن مرسى لتنام فيه ليلاً.

عدد مخالفات سوء استخدام مواقف السيارات وأغلبها ينطوي في إطار، الوقوف خلف المركبات وإعاقة تحركها، تضاعف كثيراً في الأشهر الأخيرة، حيث دونت سجلات مرور الشارقة 1868 مخالفة ابتداءً من يناير وحتى نهاية يوليو العام الجاري 2005.. بعضها سجل حضورياً.. أي بحضور السائق المخالف، وأغلبها سجل غيابياً، بينما دون سجل مخالفات العام 2004، 938 مخالفة فقط، أي أن العدد تضاعف خلال عام.

البلديات في دبي والشارقة.. لجأت في الآونة الاخيرة الى وضع بعض الشروط لأصحاب العقارات السكنية الراغبين ببناء مزيد من الوحدات، وذلك بضرورة بناء مواقف سيارات خاصة بالمباني يستوعب جميع سيارات السكان. لكن القرار كان متأخراً بعض الشيء، إذ أن أغلب البنايات المشيدة بالفعل والمليئة بالسكان حتى أذنيها، لا تمتلك مواقف شاغرة.

شرطي المرور هو الشخص الوحيد.. ربما.. الذي يجد دائماً محط «عجلات» لسيارته.. وهو الوحيد ايضاً الذي يمكنه الوقوف في أي مكان وزمان وزاوية من الشارع من دون أن تقصم غرامة مرورية ظهر ميزانيته!.