هيوز والبنات والحكمة

TT

أنهت السيدة كارين هيوز، مبعوثة الرئيس الأميركي جورج بوش، زيارتها الأسبوع الماضي للسعودية، والتي كانت عبارة عن يوم واحد قضته في مدينة جدة وزارت في احد نشاطاتها كلية دار الحكمة الخاصة بالفتيات.

اللقاء أثار جدلاً متوقعاً ومفهوماً، وحفل بآراء من قبل البنات بدت الغاية من غالبيتها استفزاز الضيفة الأميركية التي أنهت اللقاء بقولها إنها سعيدة بـ«صراحتهن وذكائهن». ولكن هل حقاً كانت الفتيات صريحات في آرائهن مع هيوز؟ المبعوثة الاميركية أثارت نقاطا حول مجالات العمل المتاحة للمرأة في السعودية، وقضية قيادة المرأة للسيارة، وموقف الفتيات من السياسة الاعلامية الاميركية.. وغيرها. مجمل المواقف التي عبرت عنها الفتيات بدت متشنجة، ونابعة من منطلق «شعبي» يقول «من هذه الغربية التي تريد أن تفرض علينا وصايتها؟»، حتى أن احدى الفتيات قالت «نحن سعيدات، على عكس ما تنقله وسائل الاعلام عن المرأة العربية» وسط تصفيق ومشهد درامي وصفه البعض بأنه لم يكن ينقصه غير تبادل القبل، والحمل على الأعناق. وفتاة أخرى صرحت بقولها «لست بحاجة الى قيادة السيارة، فلدي سائق»، وأضافت فتاة «لماذا تصورنا وسائل الاعلام الأميركية بأننا سيئون؟».

حسناً.. سأحاول الاجابة على السؤال الأخير وأقول: لأن زميلتيك السابقتين قدمتا نموذجا يمكن أن يرتد علينا أمام وسائل اعلام عالمية. ولأن زميلتك الأولى «السعيدة» لم تلحظ أنه قبل يوم من اللقاء، أعلن مجلس الوزراء عن قرار جديد يمنح المرأة مساحة اكبر بالتحرك في مجالات العمل، ولم تتنبه إلى أن الملك عبدالله أنشأ مركزاً للحوار الوطني، كانت إحدى دوراته الرئيسية حول «قضايا المرأة» وأثارت جدلاً واسعاً لم ينته. أما زميلتك الثانية التي لا تريد أن تقود النساء لانهن قادرات على احضار سائق، فهي لا تعرف أن متوسط دخل الفرد في السعودية 1500 دولار، وهو ما لا يزيد منه ما يكفي لممارسة أحد أشكال الرفاهية المتمثلة في احضار سائق، ولأنها حتماً لم تسمع عن الدكتور محمد آل زلفة والدكتور عبدالله بخاري عضوي مجلس الشورى اللذين قدما اقتراحاً يوضح حجم السيولة المادية التي يمكن تظل في السوق السعودي بدلاً من ارسالها لخارج البلاد. غدير عطالله،21 ربيعا، إحدى طالبات دار الحكمة اللواتي حضرن اللقاء تقول «للأسف إن معظم الآراء التي عبرن عنها الفتيات غير صادقة ولا تعبر عن حقيقة مواقفهن، فلا هن سعيدات ولا هن متمنعات عن حقهن في قيادة السيارة، ولكنه رد فعل لا أجد له أسبابا مقنعة غير أنهن أخذن موقفاً فقط من كون هيوز اميركية، ولكن عندما تدور الأحاديث بيننا، دائماً ما تكون ذات طابع يسعى لوضع أفضل». وتزيد أفنان قطان، 22 ربيعاً، «لا اعتقد ان في حديث السيدة هيوز عن الوضع العام ما هو مسئ أو خاطئ، بالفعل نحن نعاني من بعض المشاكل، والفتيات كن هجوميات اكثر مما يستحق اللقاء».

وتضيف أفنان «بعد انتهاء اللقاء كانت معظم آراء الفتيات تبرر مواقفهن، بكون هيوز أميركية»، وأفنان ختمت حديثها بقولها «لو أتيحت لي الفرصة أن أتحدث لأيدتها في كثير مما قالته».

هل تكون مفاجأة اذا علمنا ان طالبات دار الحكمة، يتحدثن لغتين على الأقل، ويدرسن المناهج الاميركية الحديثة، وبعضهن لا يستخدمن لغتهن العربية بمهارة استخدامهن الانجليزية؟ المفاجأة بالطبع ليست في أنهن عبرن عن آراء غير متوقعة، فهذا حقهن في النهاية، ولكن لأن طريقة التدريس ذات المستوى العالي في الكلية، والانفتاح الذي تتيحه لهن حياتهن الاجتماعية، لم يمكنهن من التحدث بشكل موضوعي ومنطقي وواع أمام الزوار الأجانب ووسائل الإعلام العالمية، وشتان ما بين الوعي الوطني الذي يحلل المشكلات وينظر للمستقبل، وبين الوعي الوطني الساذج الذي