أجواء دمشق الرمضانية.. بين الحارات والخيام

السوريون يبقون على عاداتهم القديمة

TT

على الرغم من غياب الكثير من العادات والتقاليد الدمشقية، التي كانت سائدة قبل عشرات السنوات في دمشق في شهر رمضان المبارك، بسبب أساليب الحياة المعاصرة ودخول التلفاز والقنوات الفضائية إلى كل بيت، مما حد من هذه العادات التي كانت تتمثل بلقاءات الجيران والأصدقاء بعد الإفطار وفي أماسي وليالي رمضان لدى بعضهم بعضا في زيارات يومية، حيث تجلس النساء مع بعضهن يتناولن المشاريب والفواكه والحلويات الخاصة بهذا الشهر الفضيل، ويتسامرن الأحاديث الاجتماعية. كذلك كان يفعل الرجال، ويزيدون على ذلك باللعب والتسلية من خلال ألعاب معروفة يقضون من خلالها سهرات جميلة تمتد حتى السحور أحياناً، وبالتناوب في بيوتات الأقارب والأصدقاء، ومن هذه الألعاب: (خود خود)، والمقرعة وألعاب الشدة العادية ولعبة الختيار والمنقلة (قطعة خشبية مدورة يلعبون فيها الضامة)، وطاولة الزهر، وغيرها من الألعاب، كما كان أصحاب الأصوات الجميلة يقدمون التواشيح الدينية والموشحات والقصائد والطرب الأصيل.

فعلى الرغم من غياب هذه العادات بشكلها الشعبي العفوي البسيط في حارات دمشق، إلا انها انتقلت حالياً إلى ما يسمى بالخيم الرمضانية، التي بدأت دمشق تعرفها منذ سنوات قليلة، وبعكس ما كان يحصل سابقاً، حيث يجتمع الدمشقيون في بيوت الأقارب والأصدقاء يجتمع هنا في الخيم المقامة في المطاعم والفنادق وحتى في بعض الساحات زوار ورواد من مختلف الأجناس والأعمار، والكثير منهم لا يعرفون بعضهم، حيث تأتي كل مجموعة لوحدها (أقارب وأصدقاء).

وحرص أصحاب هذه الخيم على تقديم مختلف العادات الرمضانية المعروفة سابقاً لروادهم من مآكل ومشاريب وألعاب تسلية وغناء ديني وطربي.. وكل ذلك مع الأراكيل التي أصبحت لا تفارق رواد المطاعم والمقاهي الدمشقية مطلقاً. وتمتد السهرات حتى السحور، حيث يتناول الزائرون طعام السحور وهو خفيف إلى حد ما، مع التركيز على المأكولات الدمشقية كالفتة والتسقية، والمشاريب كالعرقسوس والتمر الهندي وغيرهما، ليذهب الجميع بعد ذلك إلى منازلهم للنوم.

ومع التحول الحاصل في طريقة المحافظة على عادات رمضان الدمشقية، إلا أن الكثير من الأهالي في الحارات الشعبية والقديمة الدمشقية كالميدان والشاغور وساروجة والعمارة وغيرها، ما زالوا مصرين على إحياء تقاليد رمضان في حاراتهم من خلال المسحراتي (أبو طبلة)، إذ يتجول قبل فترة السحور ويقرع المنازل التي يعرفها منادياً على أصحابها للاستيقاظ بتعابير دينية معروفة، كما يقرع على طبلته الشهيرة ليسمع الجميع قرب موعد السحور. ويصر العديد من أبناء هذه الحارات، خاصة الفقراء منهم، على لعب دور المسحراتي، فيلبسون لباسه المميز وهو الجلابية والقنباز وينشرون على أكتافهم الحطاطة أو السلك، ويرضى هؤلاء بأخذ الأطعمة من الأهالي كأجر على عملهم هذا، وفي نهاية الشهر الفضيل وصباح يوم عيد الفطر، يجول هؤلاء على بيوت الحارة ليأخذوا العيدية التي قد تكون في أحيان كثيرة مجزية مادياً، كما لا ينسى هؤلاء، والتزاماً بتراث المسحراتي المعروف، أن يحملوا معهم الفانوس، ولو أنهم استبدلوه حالياً بمصباح يعمل على الكهرباء لندرة الفانوس الذي يعمل على الكاز، ومن العبارات الشهيرة التي يطلقها المسحراتي طيلة ليالي شهر رمضان في الحارات وهو يقرع البيوت: يا نايم وحد الدايم ـ يا قلب صلي على طه النبي الكامل مكمل ـ بين الجبال العوالي مكة وزمزم شغلت بالي بأرض طيبة اندفن النبي الغالي، وغيرها من المدائح النبوية والعبارات الدينية.

كما يصر الدمشقيون على الإبقاء على مدفع رمضان، رغم انتشار الوسائل الحديثة لإعلان موعد الإفطار والسحور، وإثبات الشهر الفضيل، وإثبات بداية شهر شوال وحلول عيد الفطر. والمدفع حالياً يوجد في حدائق الحارات الدمشقية، وأصبح يعمل على الاشارات الضوئية وطلقاته عبارة عن صوت له دوي فقط.

كذلك يصر الدمشقيون على إحياء المشاريب والمأكولات الدمشقية المخصصة لهذا الشهر وعرضها بكميات هائلة في الأسواق وعلى البسطات ومن قبل باعة متخصصين، خاصة هنا يبرز مشروب العرقسوس الذي يصر الدمشقيون على وجوده مع طعام الإفطار ويتم تناوله قبل المباشرة بالطعام، كونه يطفئ ظمأ الصائم، وهناك التمر الهندي الذي يباع من فبل باعة يتميزون بلباسهم التقليدي ويقومون بتعبئته بأكياس خاصة من النايلون الشفاف للصائمين الذين يأخذونه إلى منازلهم كل يوم بعد إغلاق محلاتهم وانتهاء عملهم قبل موعد الإفطار بقليل، ليكونوا مع أسرهم لتناول طعام الإفطار، كذلك هناك الطعام الدمشقي الذي يزداد طبخه وتناوله في شهر رمضان، ومن هذه المأكولات: القمحية والكبة والفريكة والمقلوبة والفول المدمس والفتوش كمقبلات وغيرها. كما لا ينسى الدمشقيون الحلويات التي تنتشر بكثرة في شهر رمضان، وبعضها خاص لهذا الشهر الفضيل يتناوله الصائمون بعد الافطار وفي السهرات الرمضانية الطويلة، ومن هذه الحلويات التي تختلف أنواعها حسب المواسم، فللشتاء حلوياته المختصة به ومنها: القطايف المعمولة بالشمندور والسمبوسك والسيالات والزلابية (المشبك) والشعيبيات والشلق، وفي الصيف هناك الخشاف المتنوع كخشاف المشمش والتوت الشامي وغيرهما. وهذه الحلويات يتناولها الدمشقيون إما من المحلات أو يصنعونها في منازلهم، وحسب ما يأتي شهر رمضان صيفاً أو شتاء. وتنتشر في دمشق وطيلة شهر رمضان المبارك موائد الرحمن، حيث يعمل المحسنون على تقديم وجبات إفطار للفقراء والمساكين واليتامى ويتبرعون بها عن طريق الجمعيات الخيرية أو دور الأيتام والعجزة، وهؤلاء بدورهم يقدمونها جاهزة للمحتاجين ولنزلاء الدور والفقراء.