أفيشات الأفلام.. معلم من معالم الشارع المصري

نظرة واحدة تكفي لتحدد موقفك من الفيلم

TT

نعم، سيكون بإمكان ذلك الشاب الذي يسير في شوارع القاهرة بصحبة أصدقائه أن يحدد أي فيلم سيقضي معه سهرته، إذا التفت يمينا أو يسارا، إلى أفيشات «ملصقات» الأفلام التي تحيط به في الشوارع، سيستطيع أيضا أن يعرف أسماء جميع الأفلام المعروضة، وأبطالها. ومخرجيها ومؤلفيها، سيمكنه أيضا من خلال نظرته إلى هذه الأفيشات أن يختار أي فيلم سيدخل، وأي فيلم لن يدخله، أن يسقط في حب «أفيش» من النظرة الأولى، أو يقرر أنه لا يناسب ذوقه.

أفيش الفيلم.. هو الذي يقدم محتواه ويقيم أول علاقة مع المتلقي (المشاهد) والتي على أثرها سيحدد الكثير من المشاهدين هل سيدخلون هذا الفيلم أم لا، ويعرفه الناقد السينمائي محمود قاسم والذي يعد موسوعة من «افيشات الأفلام» بأنه عبارة عن لوحة تحوي ملخصا للفيلم توجد في كل مكان فيها موجز لكل ما في الفيلم أبطاله، ومخرجه ومؤلفه، ولذلك يحرص مصممو الأفيش على أن يضعوا أجمل ما لديهم في الأفيش.

ولان الكثيرين يترحمون على أيام زمان، فلا شك أن محبي السينما منهم سيترحم على «أفيشات أيام زمان» والتي كانت تختلف تماما عن الأفيشات الحالية، ويمكننا ان نقول إن الافيشات القديمة كانت اكثر مصداقية وتلقائية وكنا نجد فيها صور واسماء جميع أبطال الفيلم بخلاف العصر الحالي، الذي يستأثر فيه بطل الفيلم بأفيشه مثل محمد هنيدي أو عادل أمام أو محمد سعد أو أحمد آدم.

كما تحتوي أفيشات الأفلام القديمة على وصف لما في هذا الفيلم، ففي فيلم «عنبر» لليلى مراد نجد هذه العبارة مكتوبة في الفيلم «فيلم ليس له مثيل، هذا ما قاله كل ما شاهد الفيلم»، وتتزايد أحيانا الثرثرة في هذه الأفيشات، فمجلة الاثنين والدنيا الصادرة يوم 19 إبريل(نيسان) سنة 1948 في عددها 723 تورد أفيش فيلم «فتح مصر» من بطولة يحيى شاهين ولولا صدقي وأحمد البيه وتصفه بأنه الفيلم الكبير، بنجاح ساحق بسينما الكوزمو، س.ت: 62182، وإلى جوار هذا «قصته تشرف الأدب العربي وإخراجه يدعم صناعة الفيلم المصري وحواره وتمثيله يهزان المشاعر ويدعوان العرب إلى وحدة قوية تجمع كل الأديان». وبالطبع فان مثل هذا قد اختفى في الأفيشات الحالية التي أحيانا تخلو من كتابة أي شيء تحاشيا لمشكلة تصارع الفنانين على طريقة وضع اسمائهم في الأفيش.. فيورد صورة الأبطال فقط، أو صورة النجم الرئيسي وحده.

ورغم أن الافيشات القديمة ثرثارة، إلا أنها أفضل كثيرا من الصامتة الحديثة والتي تواجه دائما اتهاما بالسرقة، فكما ذكر لي محمود قاسم، فان أفيش فيلم «الحاسة السابعة» مسروق من أفيش فيلم «must love Dogs» لجون كوزاك وديان لين، أما أفيش فيلم «عيال حبيبة» لحمادة هلال فهو منقول من أفيش فيلم «زورو». أما أفيش فيلم «حريم كريم»؛ والذي قام ببطولته مصطفى قمر، فهو منقول من أفيش فيلم للأطفال بعنوان «Scoopy Doo». وهناك أفيش فيلم «ملاكي إسكندرية»، وهو بطولة أحمد عز وغادة عادل والمنقول عن أفيش فيلم «Sword fish» لجون ترافولتا وهال بيري.

والأفيشات ثلاثة أنواع، رسوم توضيحية أو رسوم كاريكاتيرية أو صور. وقد اعتمدت السينما منذ بدايتها على الرسوم التوضيحية وأبرز الرسامين كما يقول قاسم هو جسور وتعادل موهبته في ذلك الفنان جمال قطب الذي كان يقوم برسم أغلفة كتب نجيب محفوظ. وبالمناسبة فجسور هو أيضا مصمم أفيشات الأفلام الثلاثية لنجيب محفوظ «السكرية ـ قصر الشوق ـ بين القصرين».

ويقول قاسم: إن هناك افيشات عديدة اعتمدت على الكاريكاتير ومن ابرزها «4/2/4» اخراج أحمد فؤاد، وأفيش فيلم «شيلني وأشيلك» الذي رسمه عادل البطراوي وعلي بدرخان، وهناك افيش فيلم «إسكندرية ليه» ليوسف شاهين عام 1979، كما استعانت المخرجة اسماء البكري بالفنان الشهير جولو، ليرسم لها أفيش فيلم «شحاتين ونبلاء»، والذي صممه تخييليا أقرب إلى ما يرسمه في مجلة «سيرو». والجدير بالذكر، أن جولو رسم الرواية نفسها في هذه المجلة من خلال قصص مرسومة.

أما النوع الثالث من الأفيشات فيوضح قاسم أنه يتمثل في الاستعانة بصور فوتوغرافية للنجوم، وفي بعض الأحيان يتم اللعب بها عبر برنامج الفوتوشوب بالكومبيوتر، مثلما حدث في أفيشات افلام «اللي بالي بالك» و«اللمبي» و«عايز حقي» و«زكي شان» و«ميدو مشاكل» و«عوكل» و«بوحة» وغيرها.

ومن أهم المشاكل التي تثيرها الأفيشات هي مشكله ترتيب الاسماء بين أبطال الفيلم، ولذلك يلجأ عادة مصمم الأفيش إلى التلاعب بأسماء الممثلين عبر تعليتها أو تغيير فونت الخط، وأحيانا يلجأ إلى وضع صورهم فقط من دون وضع أسماء مثلما حدث في فيلم «باحبك وباموت فيك» أو فيلم «ملاكي إسكندرية»، وهو ما أكدته سارة عبد المنعم رئيسة مجلس إدارة وكالة «Sign»، حيث قالت «إن فكرة الأفيش وأبطاله هي فكرة الوكالة»؛ سارة التي صممت أفيش فيلم «ملاكي إسكندرية» قالت «المنتج هو الذي يتحكم في طريقة وضع اسماء وصور وحجم بنط أبطال الفيلم». وأوضحت ان ما تحتاجه قبل ان تضع تصميم أي فيلم هو ملخص لقصة الفيلم والصور التي يتم التقاطها له اثناء تصويره، وعن طريقها تقوم بتصميم الأفيش الذي تستفيد فيه من هذه الصور.

وتتعدد أماكن وضع الأفيشات، فهي تنتشر في الشوارع وفي السينمات وفوق الجسور وفي الصحف والمجلات والتلفزيون ووسائل النقل، وفي أحيان كثيرة في الترام والأتوبيس.

وهناك عدة أنواع من الأفيش يوضحها قاسم قائلا: انها في الغالب تنقسم إلى نوعين من حيث الحجم الأول ينشر في لوحات كبيرة موحدة القياس غالبا ما تكون 300×240، وهو قطعة واحدة غالبا، أما النوع الثاني 90×120 سم ويعلق على أبواب السينما وفي الشوارع.

ومن ناحية التصميم، فانه في الغالب يكون الأفيش الأكبر مختلفا تماما عن الأصغر، وذلك بهدف التنوع، وفي كثير من الأحيان يجري عمل أكثر من أفيش سواء للكبير أو الصغير.

ومؤخرا قامت جمعية تحمل اسم الابتكار الإعلامي بمنح جوائزها لأفيشات الأفلام، كما ان جمعية الفيلم منحت جوائزها السنوية لأحسن أفيش لأفلام عديدة منذ بداية التسعينيات منها «السادة الرجال» و«الكيت كات» و«اللعب مع الكبار».

ونشأت صناعة الأفيش مع صناعة السينما وسارت معها خطوة بخطوة تحكي اخفاقاتها ونجاحاتها، ويقدم الأفيش ما يدور في الفيلم من صراعات وحب وكراهية، وكأنه يقدم دنيا صغيرة تجعلنا نردد مقولة رائد المسرح الكبير يوسف وهبي مع قليل من التحريف«ما الدنيا إلا افيش كبير».