«الاصطباحة»: عادة مصرية يمارسها المصريون في المقاهي والبيوت والنوادي ومكاتب عملهم

تتنوع بين الشاي والقهوة والسجائر ولعب التنس

TT

في محلة التجاري بشارع الغورية بالقاهرة الفاطمية، بدأ صاحب أحد محلات الملابس يومه كعادته مع طبق الفول والسلطة الخضراء ثم بكوب من الشاي المغلي، وهو يرمق الشيشة أمامه تلك التي لا تفارق يومه وغير البعيدة منه، ولكن في المنزل المقابل، كانت زوجته بعد أن أيقظت أولادها للذهاب إلى المدارس قد استعدت ليومها بالصلاة وتناول «البقسماط» المغموس في كوب الشاي بالحليب. يوم كل مواطن في مصر يختلف عن الآخر، لكن لا بد ان يبدأ «بالاصطباحة». والاصطباحة تعبير مصري صميم وهو يعني أول شيء سيفعله كي يستقبل به يومه الشاق، وتبدأ عادة مع تسلل الخيوط الأولى من شمس الصباح، وانفلات الخيط الأبيض من الأسود وبدء استيقاظ التلاميذ للذهاب إلى مدارسهم والعمال لمصانعهم، ومع صوت إذاعة البرنامج العام التي ستبث بعد قرآن السادسة أغنية «صبح الصباح يافتاح يا عليم والجيب مافهش ولا مليم»، وتختلف كل طائفة عمالية عن الأخرى، والعمال عن ربات البيوت عن التجار، عن الموظفين، وكل طبقة عن الأخرى، الفقراء، عن الأغنياء عن الطبقة الوسطى التي أصبحت تتعرض للانقراض. فالطبقة العليا في المجتمع يبدأ أفرادها عادة يومهم من أقرب ناد لهم بتناول «نسكافيه» الصباح، ثم القيام بممارسة الرياضة، التنس، الأسكواش، مثل الفنان حسين فهمي الذي يقوم بالجري كل صباح في نادي الجزيرة، أما وهناك البعض له مكان محدد في أحد الفنادق الخمس نجوم لتناول قهوة الصباح وهي العادة التي يحرص عليها الكاتب والسيناريست وحيد حامد الذي يبدأ عادة يومه من شرفة أحد المقاهي التي تطل على النيل، فيما يبدأ آخرون يومهم باصطباحة الشيشة ليطردوا «البلغم» الذي تراكم من تناولهم الشيشة في الايام الماضية! بعض ابناء هذه الطبقة يبدأون يومهم متأخرين بعد الظهر حينما يستيقظون بعد سهرة طويلة وهم هنا سيبقون في فيلاتهم يتناولون قهوة تطرد صداع «النوم» والسهر.

اصطباحة الفقراء والمهمشين تختلف وهي مثلهم تختلط بالشارع وتكاد تصبح طقسا يوميا منه وتنتقل ما بين المقاهي وعربات الفول وباعة الجرائد، وتكاد تكون ممارسة الرياضة بالنسبة لهم من الأمور الترفيهية التي يصبح ذكرها مثارا للسخرية. وبدون هذه الاصطباحة سنجد عادة أي مواطن مكفهرا طوال النهار، وربما يؤدي عمله بغير رضا، لانعدام ما يسميه بـ«المزاج»، اما إذا ما قابلته أية مشكلة فسنجده يسأل «أنا اصطبحت بوش مين النهاردة» وعادة ما يكون وجه زوجته، أو حماته، أو رئيسه في العمل.

الحاج علي ـ أشهر حلاق في شارع الخيامية بمنطقة الدرب الأحمر، يبدأ يومه بكنس محله وتنظيفه من الشعر العالق به من زبائن الأمس، وعندما يدير مؤشر محطة الراديو ليستقر على إذاعة القرآن الكريم، يبدأ برش المياه أمام دكانه وهو يردد «يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم»، أما إذا رأى وجه أحد لا يسره فإنه سيردد «اصطبحنا واصطبح الملك للمالك» ويجلب مقعدا ويجلس أمام دكانه ليبدأ الاصطباحة مع العمال في دكانه بالالتفاف حول صينية الفول والطعمية والبطاطا والبصل، أما التجار المقابلون له في الشارع فإن يومهم يبدأ حوالي الساعة العاشرة صباحا، لتجد كل واحد منهم يجلس أمام دكانه بعد أن يحضر له عامل المقهى الشاي والشيشة.

أما المقاهي العامة فإنها تستقبل عادة آلاف الموظفين المهرولين للعمل لكنهم يسبقون هرولتهم هذه بالاصطباحة مكونة من كوب شاي وتصفح جريدة يومية صباحية لمعرفة آخر الأخبار وأحيانا كثيرا يكتفون بقراءة العناوين عند باعة الجرائد قبل ان يطيروا للحاق بأعمالهم.

صاحب أي عربة فول أمام احد المصالح الحكومية يكون هو «ملك الاصطباحات»، حيث يتوافد عليه عشرات الموظفين والعمال يبدأون يومهم من عنده، والاصطباحة التي يقدمها صاحب عربة الفول تتكون من طبق فول صغير، أو فول بالبيض وطبق طعمية، بالإضافة إلى طبق سلطة خضراء، وبصلة صغيرة ورغيفين ساخنين، وعلى الرغم من هذا نجد العديد من الموظفين يفضلون أن يبدأوا اصطباحتهم في مكاتبهم، حيث يرسلون لشراء ساندوتشات الفول، وفي هذه الحالة سيكون على المواطنين الانتظار حتى ينتهي السيد الموظف من اصطباحته.

طائفة الصنايعية والميكانيكية يبدأ يومهم متأخرا قليلا، فلو سرت مثلا في شارع معروف بوسط القاهرة سيكون بإمكانك أن تجد معظمهم وهو ينتقل من «مطعم التقي» أو من عند فول «سعد الحاوي» إلى مقهى التكعيبة لشرب الشاي والشيشة قبل ان يبدأوا عملهم. لكن العمال في مقهى التكعيبة عادة ما يبدأون يومهم قبل هذا وهو عادة ما يكون بكوب «شاي بالحليب» وسيجارة كليوباترا، وعندما تهدأ الأمور حوالي الساعة التاسعة يجلسون جماعات وفرادى لتناول افطارهم واكمال اصطباحتهم. في شهر رمضان يحرم الكثير من «اصطباحتهم» وربما يفسر هذا عصبية الكثيرين منهم وتوترهم طوال شهر رمضان لحرمانهم من عادتهم الصباحية، ولكنهم عندما يسمعون مدفع الإفطار يبدأون اصطباحتهم وان كانت متأخرة بعض الشيء.