عمليات «معقدة» لإنقاذ الأحذية الثمينة

لم تعد حكرا على الفقراء

TT

للحذاء طبيب في لبنان! ومَنْ يعتقد أن إصلاح الأحذية حكر على الفقراء، فهو بالتأكيد على خطأ. فالأغنياء أو الفئات الميسورة نوعاً ما، يتوجهون أيضاً إلى «طبيب الأحذية» لصيانة «مرضاهم». إنها أحذيتهم التي يفوق سعرها الحد الأدنى لأجر العامل والذي يبلغ 200 دولار فقط. والسبب أنها غالباً ما تحمل أحد الأسماء التجارية العالمية مثل «برادا» و«كريستيان ديور» و«شارل جوردان» وغيرها الكثير. ليس من الوارد أن ترمى هذه الأحذية في سلة المهملات لمجرد أن «خدشاً» شوهها أو لأن إحدى قطع الإكسسوار التي تزينها قد تضررت أو وقعت أو إلى ما هنالك من مشكلات قد تطرأ عليها. ففي حالات كهذه «تُسعف» على جناح السرعة إلى «طبيب» متخصص في إزالة هذا النوع من «المضاعفات». إنه «الكندرجي» أو مصلّح الأحذية. و«الكندرجيون» ينقسمون أيضاً الى اصناف أول وثان وثالث، مما ينعكس على النتيجة التي يحصل عليها الزبون. فصحيح أن جميعهم يستطيعون تغيير كعب الحذاء، ولكن لا يقدرون جميعهم على إجراء «عملية ترميم وتجميل» للحذاء الـ«لوكس». وهنا يكمن جوهر التميز.

فكما أضحت الجراحات التجميلية من آخر «صرعات» الموضة في لبنان وأخيراً في العالم العربي، هكذا أصبحت الأحذية تخضع بدورها لهذه العمليات الترميمية.

ومن الملاحظ أن سوء الأحوال الاقتصادية ليس دائماً هو السبب وراء اللجوء لترميم الأحذية رغم توافر العديد منها بأسعار زهيدة، بل لأنها قد تخلف ضرراً في بعض الأقدام قد تكلف صاحبها أضعافاً لمداواتها.

ففي شمال بيروت اشتهر أحدهم بترميمه الأحذية «السينييه» حتى أن البعض من زبائنه من دول الخليج. ولدى دخول المحل الذي لا يتعدى طوله أربعة أمتار يستقبل «الطبيب» الزبون بابتسامة ترافقها عبارة «انتبه لا أستطيع تسليمك الحذاء قبل الأسبوع المقبل»، وبنبرة قاطعة. والزبون «المهموم» يضطر الى أن يوافق لأن «ما من خيار أمامه» خصوصاً حين يرى كومة الأحذية التي ترتفع مترين عن الأرض ومنها ما يعتلي الرفوف أيضاً. وهذا «الطبيب» الشاب الذي لا يتعدى عمره العشرين، ليس كأي مصلح أحذية آخر، بل إنه «صانع معجزات» كما يقول. ويتبع استراتيجية معينة في عمله، فلا يستقبل مثلاً الزبائن من فئة العمال الأجانب لأنه يعرف سلفا أن أسعار خدماته قد تفوق ثمن الحذاء الذي يستلزم ترميماً. أما إذا ألح عليه الزبون وأظهر عدم اكتراثه للمبلغ المتوجب عليه لقاء الترميم فسيقبل ولكن بشرط عدم التفاوض على السعر «لأنني أتقن عملي مائة في المائة».

وأحياناً يكرر هذا الشاب عبارة «ما بيضبط» لأكثر من عشر مرات متتالية، وذلك لأن بعض السيدات يرفضن تقبل فكرة «موت» الحذاء. وفي لمحة عن متوسط الأسعار نرى أن تغيير اللون يكلف بين 15 دولاراً و20 حسب حجم الحذاء، وتغيير الكعب يكلف بين 3 دولارات و6، أما توسيع الحذاء فثلاثة دولارات. وتطول اللائحة وترتفع الأسعار مع اختلاف المشكلات وتفاقمها خصوصاً بالنسبة إلى «الصندل» الذي غالباً ما يكون تصميمه دقيقاً تدخله الاكسسوارات وغيرها من التفاصيل التي تتطلب دقة في العمل. مع الإشارة إلى أن «الدفع يكون سلفا».

من العاشرة صباحاً حتى الحادية عشرة مساء وأحياناً حتى منتصف الليل يفتح أبوابه ويستقبل نحو مائة زبون يومياً، منهم من اصفرت وجوههم، إذ قد أصاب حذاءهم الباهظ مكروه، ومنهم من أتوا حاملين أحذية «قديمة ـ جديدة» يرفضون التخلي عنها ربما لأنها تذكرهم «بالأيام الخوالي»، وهؤلاء عادة ما يكونون من الكهول. وهناك فئة ثالثة، تختلف عن الفئتين الأولى والثانية، لأنها عادة ما تتميز بـ«نفس طويل» في التفاوض، علّها تنجح في خفض الفاتورة بضعة سنتات لا أكثر. حتى أن إحدى السيدات وقفت لربع ساعة تقريباً تفاوض من دون أن تلقى رداً (وهذا تكتيك يتبعه بعض أصحاب المهن الحرة في لبنان)، وحين رضخت قالت «سأوصي أولادي بترك الجامعة والتخلي عن أخذ الدروس لأنها مكلفة، بالإضافة إلى أنهم لن يجنوا في ما بعد ربع ما سيحصّلونه لو امتهنوا تصليح الأحذية، هذا إن وجدوا وظيفة!». وزبونة أخرى تطلب الدخول في شراكة معه وغيرها من العروض التي تنتهي بابتسامة مع دفع الفاتورة سلفاً!