«الفسبا» بطة تجمع بين خصائص السكوتر والدراجة البخارية والطائرة

يستخدمها المصريون للتخلص من الزحمة الشديدة

TT

مثل الثعبان الصغير، كان ذلك الشاب الأسمر على ظهر دراجته البخارية الصغيرة (الفسبا) يتلوى وسط الزحام الشديد الذي أدى إلى توقف جميع السيارات وسط القاهرة، بينما كان يشق طريقه، ناظراً إلى سائقي العربات، والحافلات العامة، وعلى شفتيه ابتسامة ممزوجة بالسخرية.

«الفسبا» هي الحل السحري الذي لجأ إليه العديد من المصريين للتغلب على أزمة الزحام.. فتلك الدراجة البخارية الصغيرة الحجم ذات الأصل الإيطالي والتي تعني الدبور بالايطالية (vespa) والتي تجمع بين خصائص وشكل الموتوسيكل والسكوتر حتى إنها تعرف أيضاً باسم (motoscoter) كما أن عجلتها الأمامية تشبه العجلة الأمامية التي تهبط عليها الطائرة لتسهل تغيير حركة المقود، كما أن لها تجويفا أماميا.. لوضع المشتريات أو أية بضائع للاتجار بها.

«البطة» هو الاسم الذي أطلقه المصريون على أحد موديلات الفسبا وذلك لشكل جسمها الصغير الأبيض البيضاوي، وهو نفس الشكل الذي يوصفه «منتصر» بأنه كوميدي وناعم، ويقول منتصر بينما كان جالسا فوق الفسبا الخاصة به وهو يرشف الشاي من أحد الباعة الجوالين، أمام موقف عبود المعروف بزحامه الشديد بالقاهرة إنه يعمل في إحدى محطات البنزين بمحافظة المنوفية، وأنه اشترى الفسبا حتى تسهل عليه الحركة والتنقل في الزحمة التي تشهدها منطقة عبود، وأشار إلى التجويف الأمامي في الفسبا قائلا: انظر إلى هذا التجويف فأنا احمل البنزين والزيت وهذه وظيفة أخرى تستطيع الفسبا القيام بها، كما إنها سريعة الحركة، وصغيرة الحجم كأنها دراجة عادية لكن بسرعة كبيرة.

محلات (التيك اواي) المنتشرة في منطقة المهندسين ووسط القاهرة وعباس محمود العقاد لاتزال تستعمل الدراجة البخارية العادية، رغم انتشار الفسبا، وبدأت بعض المحلات الشعبية في منطقة مصر القديمة باستخدامها لتوصيل الأطعمة السريعة والشعبية أيضاً مثل الكشري والكوارع والممبار.

جاءت الفسبا حاملة حكاياتها من إيطاليا في بداية القرن الماضي، عندما قررت شركة «بياجيو» الشهيرة عمل تصميم بسيط واقتصادي لمركبة تكون مريحة وأنيقة فبدأت بتصميم آلة تجمع بين مواصفات الموتوسيكل والطائرة، حيث جعلت العجلة الأمامية تأخذ شكل العجلة الأمامية التي تهبط عليها الطائرة لتسهل تغيير حركة المقود، وإطار معدني أو (شاسيه) من كتلة واحدة، وكانت النتيجة ذلك التصميم الصغير العجيب الذي عندما شاهده صاحب الشركة علق بقوله (sembra ana vespa)وتعني (انها تشبه الدبور).

ظهرت أول فسبا في ربيع عام 1946 ثم تم إنتاج 15 واحدة فقط داخل المصنع «بيونتيديرا» وكانت تسير بسرعة 60 كيلومترا في الساعة، لكن مع نهاية عام 1949 تم الانتهاء من تصنيع 35 ألف واحدة، ثم أصبحت موضة الخمسينات في كل من ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وبلجيكا وإسبانيا.

أمام نافورة جامعة القاهرة بالجيزة، حيث يقيم البعض أفراحهم كان هناك العديد منها، يركبها الشباب، ويقومون بحركات بهلوانية بها، وهم يرقصون ويغنون واضعين أقدامهم فوق إطارها الأمامي، ويقومون برفع عجلتها الأولى والسير على عجلة واحدة.. اما في الزحام الشديد فأنهم ينطلقون بها، وخلفهم أصدقاؤهم بين الزحام الذي يخنق القاهرة.

«بطلا فيلم إجازة بروما هما اودري هيبورن والفسبا» كان هذا تعليقاً أطلقه أحد النقاد، لأن «فيلليني» أحد عظام المخرجين العالميين، قام بإظهار الفسبا لأول مرة في السينما عام 1960 في فيلمه «الحياة حلوة» قبل ان يظهرها بعده جورج لوكاس، وفرانسيس فورد وكابولا، وقد اعتبرت الفسبا رمزاً للأناقة في الأفلام فظهر هنري فوندا وهو يركبها وكذلك جاري كوبر وجودلو وايدي ميرفي واوين ويلسون.

في شارع تحت الربع بالقاهرة الفاطمية شديد الزحام قال لي أحد الشباب وهو يركبها بينما اطل عليه من عربة إحدى الحافلات العالقة في الزحام، انه يركبها لأنها سريعة وغير مزعجة، ولان هيكلها يحميه من التراب ونفايات.