والدا التوأمين الملتصقين غادرا القاهرة بأحلامهما وعادا وأميركا معهما

حضارة في مواجهة مصري وزوجته في الخارج

TT

رأت نفسها في الحلم وهي ترتدي ملابس غريبة، وتطير في الجو، وحين روته لزوجها الذي يعود ليلاً منهكاً بعد عمله نصف النهار، مشرف خدمات في مدرسة، ونصفه الآخر سائق عربة أجره، قال لها هذا الحلم خير، لكن لا ترويه لأحد.

«صباح» وهذا هو اسمها، ابنة قرية الجعافرة في صعيد مصر، والتي عرفها العالم بأنها أشهر أم لأشهر توأمين ملتصقين ـ محمد وأحمد ـ عرفت تفسير الحلم حين أصبحت هي وزوجها إبراهيم صحبة توأميهما على متن طائرة متجهة إلى مطار ولاية هيوستن في الولايات المتحدة لعلاج طفليهما، عرفت معنى أن تطير وهي التي لم تركب في حياتها أكثر من قطار متجه من قريتها إلى قرية أخرى، ومعنى أن ترتدي ملابس من قطعتين وهي التي تعودت على الجلباب الأسود منذ ميلادها. صدمة الحضارة، أو صدمة الاغتراب داهمت صباح وإبراهيم وهما في الطائرة، حيث انتابت إبراهيم حالة من القلق زادت من سرعة ضربات قلبه، فلم يتحمل ضغط الهواء أثناء هبوط الطائرة.

صباح ابنة القرية التي لم تجرب أن تعيش في المدينة، استطاعت أن تكون أكثر تكيفاً من زوجها، من أجل ابنيها، فبادرت بتعلم اللغة الأجنبية، كي تفهم ما يقوله الأطباء عن طفليها، وتشخيصهم لحالتيهما حتى ترتاح قليلاً من نظرات المترجمين المتأففة، على عكس زوجها الذي فضل أن يحتفظ بلهجته، وأن ينظر إلى زوجته التي تتعلم الإنجليزية، وتتحدث بها حين تنزل إلى السوبر ماركت لتشتري الطعام أو مع سائق أميركي. حلم الملايين، المدينة التي تتلألأ بالضوء، المدينة المبهرة لم تبهر إبراهيم رغم أنه لم ير هذه المشاهد من قبل، أما صباح ففضلت أن تتعلم، وأن تدخل في سباق المدينة من أجل ولديها، فأصبحت تنزل مع طفليها لتنزههما، وتشتري لهما الحلوى، وتشعر بالفرحة، عندما يفهم صاحب السوبر ماركت «إنجليزيتها المكسرة»، خلعت صباح ملابس قريتها، ولبست جيب وبلوزه واحتفظت بغطاء رأسها. صباح وهي تخلع عنها ملابسها هذه، شعرت بأنها تخلع جزءا من روحها، ورغم فرحتها بملابسها الجديدة إلا أنها شعرت أن جزءاً منها يتحطم، هذا الجزء الذي حاولت الحفاظ عليه وهي تتكلم مع زوجها في البيت بـ«اللهجة الجنوبية» وهي تعلم أولادها مفرداتها، وهي تطبخ في شقتها الصغيرة بأميركا طبخات مصرية.

إبراهيم كان يراقب كل ما يحدث حوله، من دون أن يتدخل، كان يفكر فقط في حالة طفليه، لا يخبئ فرحته بتعلم زوجته، ولا يخبئ أحياناً دهشته من تغير طبيعة الحياة، في بلدته لا يوجد هذا الزحام، ولا هذا النظام في المرات القليلة التي زار فيها القاهرة أدهشه الزحام، وفي المرات التي اضطر أن يستخرج أوراقاً حكومية كان يفقد أعصابه بسبب شدة الزحام، تذكر هذا الموقف عندما كان مع أحد أصدقائه يجدد رخصة سيارته، وفوجئ أنه انتهى من ذلك، بعد أقل من عشرة دقائق استغرقها في مراجعة المخالفات المرورية على جهاز الكمبيوتر ثم دفع النقود المطلوبة ثم استخرج أوراق الرخصة الجديدة.

إبراهيم الذي لم يتغير كثيراً سوى في ارتدائه للقميص والبنطلون، لم تبهره الحارة حتى في أثناء انتظاره في إحدى محطات الأتوبيسات العامة في تكساس، عندما توقف الأتوبيس، وفتح له السائق الباب، ووقف ليأخذ منه التذكرة وأوصله في طريقه المنتظم إلى حيث يريد.

أقام إبراهيم وصباح وتوأماهما في شقة مجهزة على أحدث الطرازات الأميركية فيها كل الأدوات الكهربائية وفرتها لهم «المنظمة العالمية لعلاج الجماجم»، أخذت صباح تتعرف على الأجهزة الكهربائية، التي لم ترها من قبل كالغسالة الأوتوماتيكية والمجفف السريع للملابس وتصف شعورها هذا بالحلم عند مقارنتها بين هذه التسهيلات والرفاهية وبيتها الطيني في قرية الجعافرة في صعيد مصر، وكانت على يقين ان هذا الحلم سوف ينتهي، وسوف تعود إلى مصر، لتحكي لأقرانها ما حدث وما رأت، كانت تريد أن تعيش حلمها حتى نهايته، على عكس إبراهيم الذي كان متيقظاً حتى النهاية، لا يريد أن يدخل هذا الحلم، وظل خائفا من أن يخرج منه.

كانت صباح سعيدة وترى طفليها التوأمين يتحدثان اللغة الإنجليزية، وكانت تفسر حلمها يوماً بعد يوم، وحين عادت بعد ثلاث سنوات صحبة زوجها، وولديها «المفصولين»، ما إن خطت قدمها مطار القاهرة أدركت أن الحلم قد انتهى، وزوجها كان سعيداً، كان ينظر للبنايات حوله وإلى ازدحام الناس، ويريد أن يهرول ليحضن كل شيء من حوله، أما صباح فكانت تنظر حولها تشعر أنها انتقلت من عالم إلى عالم شعرت بالخوف للحظات، فضمت طفليها إلى صدرها حتى تطمئن قليلاً.

في شقتها المجهزة أمام مستشفى أبو الريش للأطفال بالقاهرة، كان إبراهيم ينظر من النافذة مبتهجاً، أما صباح فكانت في المطبخ تتابع بأذنيها أحداث مسلسل أجنبي في القناة الثانية، سعيدة بفهمها لما يدور من دون أن تراه، تشعر أحيانا بالاشتياق إلى عالمها الغريب في أميركا، تنظر إلى طفليها، صارا أجمل بعد العملية، زوجها، لم يتغير فيه شيء، وهي، تحمل حكايات كثيرة ستحكيها لأهلها حين تعود، لكن هل تغيرت؟ ربما.