الشموع: ابداع فني وتجارة ومغزى ديني ووسيلة للاحتجاج

ند للظلمة منذ العصور القديمة

TT

«بدلا من أن تلعن الظلام أشعل شمعة» مثل قديم نردده لأنفسنا حين تضيق الدنيا من حولنا، ونحاول أن نقنع به أصدقاءنا إذ التفت حول أحلامهم قبضة اليأس، ونتذكره عندما ينقطع التيار الكهربائي فنهرول إلى أقرب شمعة لنضيئها في انتظار عودة ضوء المصابيح.

الشموع هي البديل القوي والأول للظلمة، وهي الرمز الرومانسي الشهير، والمغزى الديني الواسع، وهي التي يلجأ إليها المتظاهرون تعبيرا عن احتجاجهم، وهو ما فعله عدد من الصحافيين اللبنانيين بعد موت الصحافي سمير قصير فقاموا بتنظيم اعتصام أشعلوا فيه الشموع على روحه، وفعله المصريون عقب التفجيرات التي وقعت في مدينة شرم الشيخ أواسط هذا العام، فقاموا بإشعال الشموع في احتفالية أذاعها التلفزيون الرسمي ترحماً على أرواح الضحايا، الشموع أيضا هي الوسيلة التي لجأت إليها حركة كفاية «الحركة المصرية من أجل التغيير» في إحدى مظاهراتها والتي أقامتها أمام ضريح الزعيم سعد زغلول.

هي عبارة عن عمود من الشمع يمر في وسطه خيط قطني، فعند إشعال الخيط تأخذ النار بإذابة الشمع من حول الخيط وتستمر النار مشتعلة دون إتلاف الخيط وبذلك تشرع النار في إضاءة ما حولها. استخدمت الشموع لعصور طويلة للإنارة حيث هناك حاملات للشموع تسمى «الشمعدان» بأشكال مختلفة بعضها من الكريستال أو من الفضة أو من الذهب، ذو قيمة فنية وأثرية، والشمعدان يتكون عادة من ست عيون ويعتبر رمزاً دينياً يهودياً، ويصنع من مواد مختلفة وبأشكال عديدة، بعض هذه الشمعدانات ثمين للغاية من حيث المادة المصنوع منها أو لندرته وتاريخ صنعه وقدمه، حيث قد يصنع من الحجر المحفور أو من النحاس أو الفضة وقد يكون محفورا أو منقوشا أو من الخشب المطعم، وقد يكون مخصصا لحمل شمعة واحدة أو عدة شموع، وبعض الشمعدانات لها مدلول ورمز خاص لطائفة بعينها كما هو يستخدم في الطقوس اليهودية.

صناعة الشموع هي إحدى المهن التي انتشرت في مصر أخيرا للتغلب على غول البطالة ويمارسها عادة الشباب، وعماد (25 عاماً) الذي كان يصنع الشموع ويبيعها في إحدى المكتبات بشارع حسن صبري في الزمالك قال لي انه تعلم صناعة الشمع من أحد المواقع على الإنترنت، وانه يقوم بصنع كميات كبيرة ويبيعها للمكتبات بمنطقة الزمالك بأسعار معقولة. يقول عماد: «أنه يحب التفنن في صناعة الشموع فهذا يزيد من سوقها، فلا يقتصر الأمر على استخدامها للإنارة فقط بل يمتد إلى الزينة أيضاً، وأضاف أن المواد المستخدمة في صناعة الشموع بسيطة، لكن ما يحتاجه هو القوالب وقد قام بتصنيع قوالب ذات أشكال مختلفة وفنية، ويضيف أيضاً أن هناك إقبالا كبيرا من المكتبات على شراء الأشكال غير الاعتيادية من الشموع.

تصنع الشموع بطرق وأشكال وألوان مختلفة حيث يضاف للشمع في بعض الأحيان مواد معطرة تضفي على ما حولها رائحة طيبة عند ذوبان الشمع.

سوق الشموع في مصر والعالم كبير، فبالإضافة إلى المظاهرات والاعتصامات فقد جرت بعض العادات المتوارثة على إيقاد الشموع في مناسبات عديدة فهي توقد في الكنائس والأضرحة وكذلك توقد في مناسبات الزواج والأعراس وأعياد الميلاد والجلسات الرومانسية والحميمة، ويعود تقليد إشعال الشموع في حفلات الزواج إلى عصر الخليفة المأمون عندما قام الأهالي بتقديم شمعة كبيرة معطرة بعطر العنبر الذكي تزن 40 طناً محاطة بإطار من الذهب في ليلة عرسه تعبيراً عن فرحتهم بهذا اليوم.

وينقل لنا التاريخ جرائم كبيرة نفذت بواسطة الشموع حيث أضيفت سموم خاصة مع الشمع ينفذ بسمه إلى من يريدون اغتياله، وكذلك كانت السبب بإشعال حرائق كبيرة ذهب ضحيتها أشخاص كثر وقصور كانت عامرة.

محمد ياسين هو اسم الشاب الذي كان يبيع بعض الشموع مختلفة الشكل في أتيليه القاهرة بوسط القاهرة، ويقول انه قلما يلجأ إلى بيع شموعه للمحلات التجارية لأنهم لا يقدرون الفن، وأضاف: ولهذا أجيء إلى هنا لبيع الشموع للفنانين التشكيليين لأنهم يقدرون «فنه» كما أنهم أحياناً يحتاجون أشكالاً معينة يقوم بصبها لهم، ليضعوها مع لوحاتهم في قاعات العرض.

يعتبر البعض ما يفعله محمد نوعاً من الترف، لكنه هو يراه نوعا من الفن بالإضافة إلى دخل مادي مناسب يستطيع أن يقيم أود الحياة، ويقول محمد: إن الشمع كان يستخدم قديماً في الإضاءة فقط؛ لارتفاع ثمنه، ولاعتياد الناس على تقديمه أو حمله في المواكب والاحتفالات. وكان يباع بالوزن، واشتهرت إصبهان في إنتاجه، وكانت تحمل في جملة خراجها السنوي إلى السلطان ألف رطل منه. وكانت الشموع تُصنع حسب طلب المشترين، طولاً وضخامة ووزناً، كما تنوعت أنواعها وتلوّنت بألوان شتّى.