شبان أميركيون تستهويهم النارجيلة

أجواء عربية في مقاهي فرجينيا.. وسهر و«كركرة» حتى الفجر

TT

يتوافد عشرات من الشبان الاميركيين على مقاهي منطقة «فالس شيرش» في ولاية فرجينا مع بداية المساء. شباب يافعون يأتون إلى هنا حيث توجد مقاه شعبية لتدخين النارجيلة (الشيشة).الظاهرة أضحت عامة في عدد من المدن الاميركية. هؤلاء الشبان يجدون متعة كبيرة في التعامل مع هذه «العادة العربية» إلى درجة أن بعضهم يأتي في بداية المساء ويظلون هناك «يكركرون» حتى الفجر. يتناولون في هذه المقاهي وجبة العشاء وهي تتكون غالباً من شاورما وحمص وطعمية.

هل هو حب استطلاع ؟ ربما أكثر من ذلك. أجواء عربية بعبق الدخان ورائحة التوابل يقبل عليها شبان وشابات برغبة عارمة في دخول تجربة مثيرة. تناقضات الحياة تستهوي هؤلاء الشباب وربما تنعش روحهم كما ينتعش النبات بالماء.

في مقهى «الواحة» لم يبق مكان لزبون واحد. المكان مكتظ ملء سعته. دخان النارجيلة يكاد يحجب الرؤية. بدا لي كأن المكان يحترق ودخانه يتصاعد.كانت هناك فتاة تنظر خارج المقهى لأنها لم تجد مقعداً. الندل (جمع نادل) وهم شبان مصريون يتراكضون ما بين غرفة تجهيز النارجيلة والطاولات. الحديث في المقهى تختلط فيه عربية الندل مع إنجليزية الشبان الاميركيين.

اقتربت من طاولة تتوسط المقهى يجلس حولها أربعة شابان وفتاتان في مقتبل العمر. استأذنتهم في الجلوس. رحبوا. كانوا يعتقدون انني سأشاركهم «الكركرة». قلت لهم إنني صحافي أريد أن اتحدث معهم قليلا وتصويرهم إن أمكن. فتر حماسهم وبدت عليهم بعض علامات الضيق. سأل أحدهم: تعمل مع صحيفة تصدر هنا؟ ـ ليس هنا بل في لندن. عاد مرحباً. «إذن لا يوجد إشكال يمكنك ان تسأل وتلتقط لنا صوراً».

لم افهم لماذا تحفظ هؤلاء الشبان في التحدث الى صحيفة تصدر في أميركا. سألت الأول عن اسمه. أجاب: «ماركس» قالت له : هل سمعت باسم «كارل ماركس».

رد مستغرباً : هل هذا نجم أميركي؟

طلبت منه أن يحدثني عن قصته مع النارجيلة. أعجبه الأمر. اعتدل في جلسته وجذب كمية كبيرة من الدخان وراح يتحدث : «لم أكن اعرف النارجيلة من قبل لا توجد مقاهي نارجيلة في ولاية اركنساس، حيث تقيم أسرتي، بعد وصولي الى فرجينيا اقترح علي صديق مغربي أن أجربها. وجدتها ممتعة جدا. حالياً احضر إلى هنا (مقهى الواحة) يومياً اذا كان لدي متسع من الوقت وفي كثير من الأحيان أبقى حتى الفجر».

> لكن ما هي المتعة التي تجدها في النارجيلة ؟

ـ هي ممتعة جداً ..هذا ما يمكنني أن قوله ، لا أعرف كيف اشرح لك .

> هل تعرف أنها في الأصل منتشرة في العالم العربي؟

ـ نعم > هل تعرف شيئاً عن العالم العربي ؟

ـ لا ليست معلومات كافية. القليل فقط عن العراق. يقول ماركس إن لديه الآن نارجيلة (يسميها شيشة) في المنزل، وانه ومنذ سنتين يدخن في المقهى وكذا في شقته. جلست الى جانب ماركس صبية تدعى «بام» قلت لها إنك تبدين أصغر من السن القانونية المسوح فيها بالتدخين، ردت ضاحكة «عمري 18 سنة ومن حقي ان أدخن». كانت «بام» تتحدث وتدخن بشراهة، وتحتسي من كأس شاي أمامها. قالت لي هل ستلتقط لنا صوراً. أجبت: نعم ، إذا لم يكن لديكم اعتراض.

قالت أريد صورة يظهر فيها دخان النارجيلة. الفتاة الثانية تدعى «آمي» وصديقها يدعى «ويل». تضحك كثيراً. وجهها طفولي. تدخن من نارجيلة واحدة هي وصديقها «ويل». تعلموا كذلك التدخين قبل أشهر قليلة، شجعهم ماركس على ذلك.

حول كل طاولة من طاولات مقهى «الواحة» جلست مجموعة من الشابات والشبان. يدخنون النارجيلة. أحاديثهم عادية تدور عن الطقس وبرامجهم لاحتفالات رأس السنة، وبعضهم يتحدث عن الملابس والسيارات والدراجات النارية لا حديث عن السياسة. البعض منهم كانوا يتباهون بترديد بعض الكلمات العربية، خاصة من اللهجة المصرية. سمعت أكثر من مرة كلمة «يا خبيبي»، يقصدون «يا حبيبي». وهم يعرفون جيداً انواع التبغ. قال لي ماركس إنه يفضل تبغ «النخلة» وجعل من الخاء كافا. سألني هل تعرفه؟

ويبلغ سعر النارجيلة حوالي ست دولارات ومع كأس الشاي وصحن المخلل يصل المبلغ الى عشرة دولارات. لكنه يزداد طبعاً إذا تناول أحدهم وجبة العشاء. بيد أن المبلغ لا يتعدى 20 دولاراً في كل الأحوال.

تبث في المقهى أغاني وموسيقى عربية باستمرار، وفي بعض الأحيان تقف إحدى الفتيات أو الشباب لمحاولة تقليد الرقص الشرقي، يصفق الآخرون ويضحكون كثيرا. تشعر أنهم في حالة فرح دائم. علقت لوحات في المقهى لوجوه عربية وجمال وكثبان رمال وصحارى. لا علاقة لهذه اللوحات بتدخين النارجيلة، ربما مجرد محاولة متواضعة لخلق «بيئة فنية» عربية داخل المقهى. شبان أميركيون يكتشفون «شيئاً» عربياً مثيراً في مقهى شعبي في ولاية فرجينيا، ويعتقدون أن «العرب» قدموا لهم شيئاً ممتعاً. قبل أن أغادر طلب مني ماركس وشلته بإلحاح ان أرسل لهم نسخاً من الموضوع بعد نشره إلى المقهى، قلت: لكنكم لن تفهموا ماذا كتبت بسبب حاجز اللغة. تدخل نادل وقال: سأترجم لهم.

لم أعلق.