مدرب الحياة.. مهنة جديدة في مصر

ليس طبيباً نفسياً ولا معالجاً روحياً

TT

كانت البداية حين أحس كريم الشقنقيري الشاب المصري الذي يعيش في كندا بأن الحياة تضيق من حوله وأن الأبواب المغلقة أكثر من الأبواب المفتوحة، وأنه لن يستطيع إكمال مسيرة الحياة، وأن الموت أفضل من العيش في عالم مليء بكل هذا العنف والكراهية، لحظتها قابل رجلاً عجوزاً ـ كما في قصص الأطفال ـ قال له: سأحكي لك حكايتي لكي تعرف أن الأمل لا يموت أبداً. ثم بدأ العجوز يناقشه في تفاصيل مشكلته ليكتشف أن هناك جوانب أخرى من الممكن أن تحل.

عندها قرر كريم الشاب الذي يدرس الآداب أن يقرأ في علم النفس والاجتماع وعلوم ما وراء الطبيعة لكي يعرف أكثر، لكي يصل إلى درجة من الحكمة التي يمتلكها الرجل العجوز الذي أنقذه بعد أن كان قد وصل إلى قمة اليأس.

يعمل كريم الآن في وظيفة جديدة وغريبة على العالم العربي اسمها: «مدرب حياة»، ويقول إنه أول مدرب للحياة في العالم العربي فقبله لم تكن هناك عيادات للتدريب على الحياة، كما أن هناك كثيرين عندما يسمعون بوظيفته يبتسمون مستغربين من هذه الوظيفة، ويقول إنه قرر العمل في هذه المهنة المنتشرة في الخارج اقتداء بالعجوز الذي حل له مشاكله، وأوضح له أنه من الممكن حل المشاكل بهدوء بدون أدوية، بشرط أن ينبع الدواء والحل من داخلك. يقول كريم: مدرب الحياة يختلف عن الطبيب النفسي، فهو لا يكتب أدوية لمرضاه، ويختلف عن المعالج الروحاني فهو لا يلجأ إلى طقوس السحر والدجل وما شابه، كل ما يفعله أنه يجلس مع «المريض» من أربع إلى ثماني جلسات كحد أقصى، للوصول إلى علاج، ولا يعتبر كريم من يذهبون إليه مرضى، ويقول هم فقط يعانون من مشاكل ويريدون أن يصلوا إلى حل مناسب لها، وطريقة العلاج التي يتبعها عادة مدرب الحياة أنه يناقش جوانب المشكلة المختلفة، فقد تكون هناك رؤية لم يلتفت إليها، أو جانباً مضيئاً يمكن أن يوصل إلى الحل، ويقوم المريض في هذه الحالة بالوصول إلى الحل بنفسه. مدرب الحياة يقوم بتدريب الناس على طريقة تفكير مختلفة عن التي يفكرون بها، ويضيف: لو أن شخصاً عنده 30 عاماً ولم يحقق شيئاً، وإنه لو أكمل حياته بنفس طريقة، فلن يفعل شيئاً، لذا سيكون من الضروري أن يغير طريقة تفكيره حتى يستطيع أن يغير حياته، فالأمر كله متعلق بطريقة التفكير، بمعنى أنه يجب أن تغير طريقة تفكيرك حتى تستطيع أن تغير حياتك ومستقبلك.

لكن ثمة روابط بين مهنة الطبيب النفسي ومدرب الحياة، لكنها قليلة، وبحسب كريم فإنهما يسعيان لهدف واحد وهو إخراج العميل من الحالة التي يمر بها، لكن هناك فوارق أيضاً، ففي حين يعمل الطبيب النفسي على الماضي، وعلى علاقات قديمة، مثل الإدمان، أو الاكتئاب، أو العقد النفسية فإن عمل المدرب يرتبط بالمستقبل بتغيير مستقبل الشخص، ويقول أيضاً: أنا لا أعالج المدمنين ولا أتعامل مع من يحاول الانتحار، بل أتعامل مع أشخاص يريدون أن ينجحوا في حياتهم.

يقيم كريم في كندا ولا يأتي الى القاهرة إلا نادراً، ويقول إن عملاءه من موظفي الشركات الأجنبية التي تعي معنى وجود مدرب للحياة فيها، لكي يمنحوا عملهم أكثر، ولذلك حين سألته: أي شيء كتبته على لافتة مكتبك قال لي: لم أكتب شيئاً لأن الشركات التي تتعامل معي تعرفني أما المصريون أو العرب فلم يقتنعوا بعد بمفهوم مدرب الحياة، وإن كان بعضهم بدأ في التجاوب.

أشهر الحالات التي تأتي لمدرب الحياة متعلقة بالعلاقات الاجتماعية: امرأة تبحث عن زوج مناسب، رجل يعاني من مشكلة مع زوجته، عامل يريد أن يستقيل لأنه لا يستطيع أن يتلاءم مع مديره في العمل، موظف لا يستطيع الانسجام في عمله ويريد البحث عن عمل آخر يجد فيه نفسه رغم أن عمله الحالي يدر عليه ربحاً، ويقوم المدرب باستعراض جوانب المشكلة مع المريض داعياً إياه إلى النظر إلى البدائل المطروحة وهل هي مناسبة بالفعل، أم أن حاله الآن أفضل، وأغلب الأهداف التي يسعى إليها المصريون هي تلك المتعلقة بالنجاح في العمل، أو الرغبة في الحصول على مال، أو تلك المتعلقة بالعلاقات الإنسانية، مشيراً الى أنه لو جاءه رجل يريد مائتي جنيه، فلن يعطيه، لأنه ليس ساحراً، ولكن سيناقش معه الطريقة المثلى للوصول والحصول عليها.

«life coach» هو اسم المهنة باللغة الإنجليزية، والذي يعني أن صاحبها هو الشخص الذي يستطيع أن يعلم الناس كيف يديرون دفة حياتهم في الاتجاه الصحيح، ويساعدهم في اكتشاف الطاقات الكامنة داخلهم وغير المكتشفة والتي قد تجعلهم في حال أفضل، وكما يقول كريم فإن شخصية الإنسان تتأثر بخمسة عناصر هي الحب والمجتمع والعمل والمال والجانب الروحي وأي خلل في أحدها يجعل الإنسان أسيراً للفشل وبحاجة إلى مدرب للحياة.

يطرح كريم على عملائه حينما يلتقيهم ثلاثة أسئلة: ما هو هدفك الأكبر في الحياة؟ ما الهدف الذي تريد تحقيقه؟ ما الطريقة التي سوف توصلك إلى هذا الهدف؟ ويجب في كل هذا أن يكون لدى الشخص الاستعداد لتغيير نمط حياته، وطريقة تفكيره. ويقول كريم: كل ما أفعله أنني أساعد الناس في اكتشاف طرق جديدة للتفكير لحل المشكلات وهناك أناس كانوا ناجحين وهم في الثانية عشرة من عمرهم لأنهم كانوا يمارسون هوايتهم، والآن بعدما بلغوا الأربعين أصبحوا ناجحين من وجهة نظر المجتمع، لكن بداخلهم إحساس بالفشل، لأن المجتمع لم يتركهم يفعلون ما يحبون، فالمجتمع وضغوطه أحد أسباب فشل الكثيرين، كما أن أحد أهم أسباب الفشل أن البعض يعتقد أنهم أقل من أحلامهم.

رغم أن كريم درس الآداب إلا أنه تفرغ بعد ذلك للقراءة في علوم الفلسفة والمنطق والميتافيزيقيا والعلوم الاجتماعية والإنسانية الخاصة بطرق التعامل مع الغير، ويقول إنه كان في البداية يعمل جزءاً من الوقت في هذه المهنة، ثم تفرغ لها مع مرور الوقت، وهو يقول إنه سعيد بهذا – حتى لو لم يدرك الناس في مصر أهميتها – لأنه عندما يقوم الإنسان بعمل يحبه فإن الأمور تسير بصورة أكثر سلاسة، وفي الطريق الصحيح.