مياه زمزم .. أفضل هدايا المصريين العائدين من الحج

فيها شفاء وبركة للناس

TT

مشهد أصبح المصريون يألفون رؤيته في موسم عودة الحجاج من بيت الله الحرام، جراكن مياه زمزم وهي مصفوفة على السير الذي يحمل الحقائب، وعلى كل جركن اسم صاحبه، وعلى الرغم من تذمر رجال الأمن أن المياه قد أغرقت السير، إلا أن هذا لا يمنع المصريين من التدافع نحو الجراكن قبل أن تضيع في الزحام.

تظل مياه زمزم بالنسبة للمصريين هي أحد رموز الحج، وإحدى معجزات الله، وفيها الشفاء للكثير من الأمراض المستعصية، هي الهدف الأسمى والمياه الفضلى التي شرب منها الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا يتوانون عن توصية من يذهب للحج بالعودة بـ «جركن» من مياه زمزم، أياً كان ثمنه.

لكن المصريين حين يعودون من حجهم لا يبيعون المياه بأي سعر، ولكنهم يهدونها لأحبائهم وأقربائهم وأصدقائهم كأغلى هدية، وأفضل شيء من الممكن إحضاره من الأماكن المقدسة. السيدة العجوز التي تسكن إحدى حارات القاهرة القديمة قالت:أن حلمها زيارة بيت الله الحرام وأن تشرب من مياه زمزم، تلك المياه التي تسمع الكثير عنها، وعن طعمها المختلف عن طعم أي مياه أخرى في الدنيا، عن روحانيتها ومعجزاتها، لذا عندما علمت أن أحد أبناء شارعها يعقد العزم على السفر إلى الحج أوصته أن يحضر لها بعضا من المياه المباركة من بيت الله الحرام.

ورغم أن المصريين العائدين من الحج يحضرون معهم أنواعاً مختلفة من الهدايا مثل السبح أو المصلى، أو المصاحف الفخمة المطبوعة في مطابع الملك فهد، أو الجلابيب البيضاء أو الطاقيات المزركشة، إلا أن أفضل الهدايا وأغلاها بالنسبة الى المصريين زجاجة مياه من زمزم .

ويتلو كثير من المصريين حكايات عن فضل مياه زمزم. يقول عمر أن سيدة كانت مصابة بأورام في كافة جسدها ولم يجد لها الأطباء علاجاً، ولكنها لما شربت من ماء زمزم، حتى ارتوت، تحسنت صحتها وشفيت من أمراضها، ومثل هذه الحكايات التي تنتشر كثيراً بين المصريين والتي يصدقها البعض والتي يعتبر البعض الآخر أنها أساطير، وأن أجمل ما في المياه أنها معجزة سيدنا إسماعيل عليه السلام الذي ضرب الأرض بقدميه فأخرجت ماء لترويه وتروي أمه، تعتبر أحد أهم دوافع الحرص على هذه الهدية الغالية، بالإضافة إلى أنها قادمة من بلاد الحرمين.

وتختلف المياه المهداة من شخص لآخر، فهي تبدأ من زجاجة، ثم كوب، وحتى رشفة لمن يرغب فقط أن يتذوق طعم المياه، أما المرضى المزمنين فإنهم يوصون المسافرين إلى الحج بإحضار جركن مياه كبير كي يشربوا منه حتى يرتووا تماماً، أو قد يغتسلوا في بعض الأحيان داعين الله أن يمن عليهم بالشفاء.

عبد الحفيظ أحد الذين زاروا بيت الله الحرام وعادوا بأكثر من زجاجة لأقربائه يقول: الناس تخاطفت مني المياه بعد عودتي، وكان أول شيء يسألون عنه، هل عندك مياه من زمزم؟، حتى أنني اضطررت بعد فترة أن أخبئ المياه المتبقية لأحد أقربائي من الناس، ويضيف: ورغم هذا فالمياه متوافرة بكثرة في السعودية يشرب منها ملايين الحجاج والمعتمرين ويتوضأون بها، وعلى مدار الأربع والعشرين ساعة ماء يتدفق بغزارة_.._ مئات الصنابير مفتوحة على سعتها ليلاً ونهاراً ولم نسمع من المسؤولين نصيحة بعدم الإسراف في استخدام المياه لأنه لا خوف عليها فهي مياه مباركة لا مقطوعة ولا ممنوعة تأتينا من عيون الجنة وأنهارها والى جانب الملايين الذين يستخدمون المياه في الكعبة المشرفة فإن هناك أنابيب تحمل آلاف الأطنان إلى المدينة المنورة فضلاً عن ملايين الزجاجات التي تعبأ بمياه زمزم وتوزع كهدية على الحجاج والمعتمرين عند مغادرتهم مكة عائدين إلى ديارهم_.

ويقول ان هناك بالإضافة إلى هؤلاء من ينشط لبيع المياه للعائدين إلى بلادهم، حاملين معهم أجمل وأفضل الهدايا الروحية ويتراوح حجم العبوات القادمة من عبوة صغيرة وحتى تصل إلى جركن يحمل 20 لترا.

لكن فضل مياه زمزم يتجاوز ذلك عند البعض، ففي حين يعتقد البعض أن بركة مياه زمزم تكون في مكانها فقط، وبالتالي يرفضون حمل المياه معهم والعودة إلى بلادهم مكتفين بالشرب في الأراضي المقدسة، يحرص البعض الآخر على حملها معه، ويوجد فريق آخر يشتري كفنه ويقوم بغمسه في مياه زمزم لكي تحل فيه البركة، اعتقاداً أن من يكفن بهذا الكفن سوف يدخل الجنة، ممن فعل ذلك بعض الفنانات الشهيرات.

عمر مياه زمزم يقارب عمر التاريخ، تحمل من التاريخ حكمته، ومن الماضي حكاياته وأسراره، ومن عصور الإسلام الأولى نورانيتها، لذا فإن من يهدي منها ماء فكأنه يهدي التاريخ أيضاً، بحكاياته وأسراره، وإيمانه، وروحانيته، ونوره.