موسم الشتاء.. طقوس احتفالية وبهجة وفرح عند السعوديين

«المعدوس وأبو فروة» قربان المطر في موسم الغيوم

TT

التغير المفاجئ من الإطلالة الصباحية المشمسة، إلى تلبّد السماء بالغيوم وهطول الأمطار الخفيفة، وما تخلفه من البرك المائية التي تغرق شوارع المدينة، تشكل عند السعوديين مظهراً من المظاهر التي تنشر الفرح والبهجة، وتحول موسم الأمطار إلى ما يشبه العيد، يستدعي بعض الطقوس الاحتفالية، التي وإن خرجت عن المألوف لثقل هذا الفصل من العام، لا يمكن أن تذهب بعيداً عن المطبخ، في التحضير لموسم شتوي معتق بحميمية المشاعر المنسوجة بالحب، التي وصفت رنا العبد الله صباحاته بالفيروزية.

تتباين طلعات البحر بين مفترشي السواحل الرملية، والآخرين من مرتادي الشاليهات، التي يقبل عليها الكثير من أبناء الأبراج العالية أو الشريحة المتوسطة. وبالرغم من التفاوت الطبقي، سواء على مستوى المكان الذي يرتادونه، أو الشكل الاجتماعي الذي يتم فيه الاحتفاء بموسم المطر، لا يمكن أن تجد المائدة خالية من طبق الذهب الأصفر «الرز بعدس»، قربان المطر الذي يحرص السعوديون على تقديمه ابتهاجاً وتفاؤلاً بالخير والبركة ولسان حالهم يلهج بالدعاء «سقيا خير ورحمة»، وهم يتناولونه بنكهة لها طعم زخات المطر، الهاطلة برشاقة والمعطرة بنسمات الهواء الباردة، الرز بعدس أو «المعدوس»، كما يحب الحجازيون أن يطلقوا عليه، ارتبط تقديمه على مائدة الشتاء بنزول المطر.

وربما كان لمياه الأمطار التي يحرص السعوديون على تجميعها في الكروانات هي أكثر ما يميز المعدوس على حد تعبير الخالة زهرة، اعتادت البيوت السعودية على تقديم المعدوس في الأجواء الممطرة، وهو عبارة عن خليط من الرز والعدس الأصفر «الهندي»، بإضافة الكركم الذي يعطيه اللون الأصفر، ثم تزيين الوجه بالسمن البري، ويطبخ بمياه الأمطار، التي تضفي عليه طعما مميزا، مع الحرص على تقديمه بجانب سلطة التمر هندي «الحمر»، ولأن العدس أو لحم الفقراء كما يطلق عليه البعض، من الأطعمة ذات القيمة الغذائية العالية، كونه يحتوي على الألياف والبروتين والفيتامينات، إلى جانب غناه بالسعرات الحرارية، التي كما أشارت اختصاصية التغذية سناء أبو النور «يفضله السعوديون على غيره من الأطعمة خلال فصل الشتاء لاعتقادهم بأنه يبعث على الشعور بالدفء».

ولا تقتصر الطقوس الاحتفالية، لموسم الغيوم والأمطار في السعودية على العدس، بل يمتد الاحتفاء إلى المشروبات، التي تحضر مع كل غيمة تعبر سماء جدة، المتشحة بفراء القطن على كتفيها، بين سخونة السحلب المصنوع من النشا والنفخ في أكواب الحليب باللوز في ليالي الشتاء الباردة، يطل أبو فروة «الكستناء» الثمرة الموسمية، التي يقبل السعوديون على شرائها خلال هذا الفصل من السنة، كما أوضحت الخالة زهرة «يوضع أبو فروة في صينية الفرن على نار هادئة بدون غسيل، وبعد صلاة المغرب تجتمع العائلة حول نصبة الشاهي وهات يا تقشير في وسط اللمة».

التسكع في الشوارع الفسيحة والمشي، من الهوايات التي يحرم منها السعوديون طوال العام، بالرغم من توفر الأرصفة التي خصصت لهواة المشي أو للراغبين في التخفيف من أوزانهم، تجدها حاضرة في موسم الغيم والمطر، كما عبر عن ذلك محمد مكي «هذه الأجواء مفقودة عندنا، لذلك نحاول انتهاز فرصة غياب الشمس ونسيم الهواء العليل في ممارسة بعض الهوايات»، متعة تأمل البحر في مثل هذه الأجواء الغائمة التي ترسم ملامحها الجلسات العائلية الحميمة، لا يقطعها إلا صدى الضحكات وأطياف الابتسامات، التي تستقبلك على وجوه المارة في منطقة الكورنيش الشمالي والجنوبي.

إلا أن قصر المدة الزمنية للاحتفال بالغيوم والمطر، التي لا تتجاوز الـ 15 يوماً، ربما على مدار السنة، يجعل الكثير من الناس، يحرصون على التنزه حتى لو كان في نهاية يوم عمل مرهق، أما طلاب المدارس فيجدونها فرصة للقفز فوق حواجز الممنوع في هذه الأيام الاستثنائية، التي تتباين بين الذهاب لاستئجار الدبابات البحرية «جيت سكي»، أو استغلال الفرصة للتغزل في كل شيء بما في ذلك الغيم نفسه، كما كان يردد طلال وأصدقاؤه منتشين «الغيم غيم وانتشر/ من رؤيتك جانا المطر/ متى نجينا يا قمر/ يا سلوة القلب الحزين»، وسواء كانت هذه الكلمات تغزلا في موسم الغيم والمطر، أو إشارة لساكن الحي، تظل هذه الأجواء في السعودية في نظر الكثيرين عيداً ثالثاً يستحق الاحتفاء.