باعة دمشق الجوالون.. يحولون عرباتهم إلى لوحات فنية لجذب الزبائن

لكل موسم ثماره وفاكهته وبضاعته الخاصة به

TT

المتجول في شوارع وأسواق وساحات مدينة دمشق هذه الأيام ستجذب انتباهه تلك العربات الجوالة التي تخرج من قدور كبيرة فيها أبخرة الماء الساخنة والتي يتجمع حول صاحبها العديد من الناس خاصة في المساء، يتناولون الفول المسلوق ويشربون ماءه المغلي الذي يتميز بطعمه اللذيذ، فالفول اليابس الذي يتخصص بسلقه هؤلاء الباعة الجوالون ويبيعونه على عرباتهم الجوالة يشكل فاكهة الشتاء الدمشقي للعابرين والغادين من الناس ومن زوار دمشق، ولا ينسى هؤلاء الباعة أن يزينوا صحن الزبون وهم يقدمونه له ببعض حبّات الحمص المسلوق وكذلك هناك (الكمّون) وهو أحد أنواع البهارات الضرورية التي يطلبها الزبون مع الفول حتى لا يصاب بانتفاخ البطن خاصة مع برودة الطقس، وهناك الملح أيضاً وإذا كان الزبون ـ وأغلبهم كذلك ـ شديد التذوق للفول فبالتأكيد سوف يكون (صحن مرقة الفول) جاهزاً لدى الباعة لتشربه بعد إضافة الملح والكمون إليه فسخونته تنسي شاربه شتاء دمشق البارد.

ويتناول الزبون صحن المرقة هذا مجاناً (على رأس البيعة) مع صحن الفول، وتكتمل هنا اللوحة أيضاً مع بعض الباعة الذين يقدمون للزبون كرسي البلاستيك الصغيرة ليجلس عليها وأمامه طرابيزة صغيرة يضع عليها صحن الفول وليستمتع بحركة الشارع والسيارات العابرة.

ويؤكد العديد من الناس أنه إذا كان صيف دمشق لا يقبل بدون (الصبارة) فإن شتاءها لا يقبل أيضاً بدون الفول المسلوق ومرقته اللذيذة. والصبارة فاكهة الصيف اللذيذة في دمشق والتي يتفنن الباعة الجوالون في تقديمها للزبائن. يستمرون في عرضها حتى شهر نوفمبر حيث يقول هؤلاء أن موسمها شهور الصيف الثلاثة (يوليو وأغسطس وسبتمبر). والصبارة لا تؤكل ـ بعكس الفول ـ إلا باردة جداً حيث تصبح نكهتها ألذ وطعمها أطيب مع الثلج وبالتأكيد فلا تؤكل إلا بعد تقشيرها من قبل البائع المتخصص بذلك لأن غطاءها مليء بالأشواك. وتقدم ضمن طبق من الكرتون بعدة قطع حيث تؤكل قطعة قطعة وبدون استخدام سكين أو شوكة. والصبارة التي يدخل في تركيبها بذور عديدة مفيدة جداً ـ كما يؤكد بائعها ـ للمعدة فهي تساعد على الهضم وتنقي الدم في الجسم. ولا تزرع الصبارة إلا في الأراضي البعلية، وهي أفضل الأنواع، في حين أن المزروعة سقياً يكون طعمها ليس لذيذاً مثل الصبارة البعلية. والصبارة المزّاوية (نسبة إلى منطقة المزّة بدمشق) كانت الأشهر ولكن مع تحول المزة من أراض زراعية إلى منطقة سكنية راقية، غابت عن دمشق الصبارة المزاوية منذ عشرات السنوات لتحل محلها حالياً (صبارة الكسوة) وهي الآن أشهر وألذ الأنواع، وكذلك في الساحل السوري، ينمو الصبار ولكن بشكل بري ولا يؤكل مطلقاً وتبدأ رحلة الصبارة من الأرض الزراعية بعد اكتمال نضجها لتنقل إلى تجار سوق الخضار بدمشق، ولتحل بعدها على عربات الباعة الجوالين يغسلونها بعد ذلك يقطعونها ويعرضونها بشكل جميل على عرباتهم أما مستلزماتها لدى الباعة فهي السكين وصحن الكرتون وأكياس النايلون للترطيب بالثلج، وما على الزبون إلا تناولها والتمتع بطعمها، وأمامه خياران من حيث الحجم فهناك الصبارة الكبيرة وهي الأثمن والصغيرة الحجم، ولكن الشيء المميز هنا وكحال عربات بيع الفول هو استخدام الزينة والورود لجذب الانتباه فبائع الصبارة يزين عربته بالسجاد والأزهار خاصة إذا كان يتمركز في مكان ثابت اتفق مع محافظة المدينة على استثماره في موسم الصبارة مقابل مبلغ مادي معين يدفعه للمحافظة. أما باعة «العرانيس» أو «الباليلة» أو كما يطلقون عليهم ( باعة الدرة البيضاء) فهم يعملون في كل الفصول، خاصة المسلوق منه حيث يشاهدهم المتجول في دمشق خاصة في فصول الصيف والخريف والربيع، كون العرانيس تنتج في عدة مواسم في العام الواحد، وكحال بائعي الفول هناك القدور الضخمة التي تغلي ضمنها العرانيس وتقدم مسلوقة للزبون ليأكلها مع رش الملح عليها فبدون الملح لا يشعر الزبون بلذة طعمها وكلما كان لونها أبيض تكون طرية ومرغوبة أكثر بعكس اللون الأصفر. وهناك أيضاً بائعو العرانيس المشوية الذين ينتشرون بكثرة في جبل قاسيون وأمامهم المواقد يشوون عليها العرانيس ويبيعونها بضعف سعر العرانيس المسلوقة.

وهناك أيضاً باعة السحلب (الحليب الساخن المغلي صيفاً شتاءً) ومعظم زبائنه هم من العابرين شوارع وأسواق دمشق في الصباح الباكر حيث يحرصون على شرب السحلب قبل ذهابهم لأماكن عملهم. وهناك أيضاً باعة (خشاف) والذي يؤكل بالمعلقة مع الثلج في الصيف وهؤلاء كغيرهم من الباعة الجوالين يزينون عرباتهم بكل المستلزمات التي تساعد على جذب الزبائن. ولعل من أبرز الظواهر الدمشقية المعروفة هي قيام باعة جوالين باستثمار حاجة الناس في مواسم معينة لبضائع رخيصة فيعرضونها على بسطات أو عربات كبيرة على الجدران والحواجز المعدنية على الأرصفة، وباعة الألبسة أو الأحذية وهؤلاء يعملون في كل الفصول ويبيعون بضاعتهم بأسعار أقل بكثير من أسعارها في المحلات. والشيء الطريف في ظاهرة الباعة الجوالين الدمشقيين هو كتابة العبارات الطريفة على عرباتهم الجوالة حتى يمكن تمييزها. وللدعاية والإعلان عن بضاعتهم ومنها مثلاً على عربات الفول: كول واتهنى يا حباب.. أو يطلقون ألقابهم عليها مثل: عربة أبو كاسم لبيع السحلب، وصبارة أبو ماهر، وخشاف المحبة وغير ذلك.

                                                                              ـ