النعامة.. منقارها للزينة وريشها للتنظيف ولحمها شاورما يعشقها السعوديون

فوائد جمة من الطائر الذي لا يطير

TT

«لو سمحت اثنين شاورما يا سيد»، بهذه العبارة بدأ عبد الرحمن حاسن في الـ45 من عمره حديثه والذي وصل للتو إلى جدة، قادماً من مكة المكرمة، عندما قام بطلب وجبته المفضلة، وعلى عكس ما جرت عليه العادة عند السعوديين حينما يتناولون وجبتهم من الـ(شاورما) المكونة من الدجاج أو لحم الأغنام دائماً، فالطلب هنا نفس مكونات ساندويش الشاورما ولكن بـ(لحم النعام) هذه المرة، وربط عبد الرحمن علاقته بالنعام من خلال قصة فريدة من نوعها بقوله «كنت في العاشرة من عمري عندما تعرضت لكسر في عظم الترقوة، وتم عمل جبيرة لي عبارة عن عظمتين حتى تلتئم الترقوة، إلا أن الآلام لم تفارقني ليل نهار ولفترة تجاوزت الـ 6 أشهر، إلى أن تقدم جارنا بنصيحة لوالدي لشراء زيت النعام ودهن موضع الكسر، وهذا ما حدث فعلاً وزال الألم تماماً بعد مرور شهرين»، ويضيف حاسن «في طريق عودتي من لندن بعد أن أنهيت دراستي هناك، قررت المرور على صديق لي في السودان، وبالصدفة كنت أخبره عن قصتي تلك، فأصر على تقديم وجبة من النعام لإكرامي، وفي الحقيقة لم أكن أتوقعها بتلك اللذة»، وعن قصة إدمانه على هذا المطعم تحديداً يقول «منذ عودتي من السودان وأنا أتذكر طعم النعام الذي لم يفارق مخيلتي، وأثناء مروري في هذا الشارع الذي يقع به المطعم شدني اسم المطعم، ولم أكن أتصور أن يكون ذلك واقعياً، وعندما ترجلت من السيارة وسألت الشخص الموجود في المطعم أخبرني بأن هذا فعلاً لحم نعام وليس لحماً آخر كما توقعت، وقام بإخباري أيضاً بان لحم النعام لا يعمل منه شاورما فقط وإنما هناك أصناف أخرى يمكن عملها كالكباب والأوصال وغيرها، ومن ذلك اليوم وأنا أحرص على التواجد بشكل أسبوعي في هذا المطعم، وذلك لبعد مقر عملي ـ الواقع في مكة المكرمة ـ عن هذا المطعم». المطعم الذي يحمل اسم «النعامة» في شارع الأندلس لا يقوم باستيراد ما يحتاجه من لحم النعام من خارج السعودية، وإنما من مزرعة النعام الواقعة شمالي شرقي مدينة جدة، والتي تحتوي اليوم على أكثر من 1400 من النعام بالإضافة للأمهات التي يصل عددها إلى 500 نعامة، بحسب ما ذكره «أحمد باديب» مالك المزرعة، والذي استرجع بداية مشروعه بقوله «قبل ما يقارب 17 عاماً بدأت فكرة المشروع التي اعتبرها البعض بأنها مغامرة مجنونة ولا يمكن ضمان نتائجها خصوصاً في مجتمع لم يعهد مثل هذا النوع من اللحوم، ولكن عندما قمت بعرض الفكرة على الأمير تركي الفيصل تبنى الفكرة مباشرة ولم يتردد، فذهبنا إلى جنوب أفريقيا لجلب النعام من هناك، وقمنا بافتتاح مزرعة في الرياض في نفس العام، وبعد نجاح التجربة محلياً وذلك بعد أن قمنا بإنتاج أعداد هائلة من النعام قمنا بتصدير لحوم النعام إلى دول الخليج. وفي عام 1997 تقريباً فتحنا فرعا لنا في جدة بحوالي 120 نعامة فقط، وكانت التجربة ناجحة بجميع المقاييس»، ويضيف باديب «أجمل ما في هذه التجارة أنه لا يوجد شيء في النعام يرمى دون فائدة، فبالإضافة للحمه الرائع هناك دهن النعام أو ما يعرف بـ(زيت النعام) والذي يدخل في علاج بعض الأمراض الجلدية وكسور العظام كما يمكن استخدامه كصابون إذا تم تحضيره بشكل جيد، وهناك أيضاً منقار النعام الذي يمكن استخدامه للزينة أو يطحن ويستخرج منه بعض المواد التي تستخدم في علاج بعض الأمراض، وهذا ليس كل شيء فهناك عظامها التي تستخدم كسكاكين وأدوات منزلية لكنها لا ترى إلا عند الأثرياء فقط، وجلده الذي يدخل في صناعة الأحذية والملابس، حتى ريش النعام يستخدم كفرش لتنظيف الأجهزة الكهربائية الدقيقة، وأخيراً هناك البيض الذي يمكن استخدام قشرته للزينة، أو كما في بعض الدول كتركيا مثلاً حيث يقوم الناس هناك بعد نزع المادة التي بداخل البيضة من خلال ثقب صغير يتم إحداثه في طرفها، ومن ثم تعليق القشرة في الصيف بأسقف المساجد، لأن هذه القشرة عندما تسخن بفعل حرارة الجو تطلق رائحة تقوم بطرد الزواحف الصغيرة من المكان الموجودة فيه».

الدكتورة آمنة مالك، اختصاصية التغذية في مستشفى الدكتور سليمان فقيه بجدة تقول: «ثبت بالتجربة العلمية أن لحم النعام يعتبر صحيا بالنسبة لجسم الإنسان، بسبب احتوائه على كمية بروتين عالية، إضافة إلى انخفاض نسبة الكوليسترول فيه، كما أن بيض النعام يحتوي على نسبة كوليسترول منخفضة أيضاً، ولذلك نلاحظ معظم الدول الأوربية اليوم تعتمد على لحم النعام بسبب ملاءمته صحياً لجسم الإنسان».

أحمد باديب عاد بقوله «تربية النعام في السعودية أمر طبيعي وهي مجزية وليست بها مخاطرة كبيرة كما أنها ليست مكلفة أكثر من تكلفة تغذيتها، فجميع الدلائل تشير إلى أن النعام استوطن الجزيرة العربية قبل أن ينقرض منها، وكما هو معروف فالنعام يتكيف في درجات حرارة مرتفعة، وهو ما تؤكده إنتاجيته المرتفعة للبيض الملقح مقارنة بدول أخرى، وما أستغربه من الشركات المتخصصة في إنتاج النعام هو عدم دعمها لترويج هذا النوع من اللحوم، وربما يرجع السبب وراء ذلك لرغبتها في انحسار الطلب على لحم النعام من قبل الفئة الغنية فقط. بسطات الكتب والمجلات.. وجبات ثقافية وفنية بأرخص الأسعار