زبائنها المثقفون والطلاب والمراهقون وربات البيوت

TT

تنتشر في دمشق وتحديداً في شوارع محددة وساحات معينة بسطات بيع الكتب والمجلات القديمة، حيث ما زالت تلاقي هذه التجارة زبائنها ولكن بشكل بسيط، فالعابر من منطقة «الحلبوني» في دمشق، وباتجاه مباني جامعة دمشق في منطقة «البرامكة» يشاهد على سور مباني الجامعة وعلى الرصيف المجاور انتشار صبية ورجال يعرضون يومياً ما هب ودب من مجلات بمختلف الأشكال والأنواع على الرصيف والجدران، إضافة لكتب تطغى على معظمها العناوين العلمية الجامعية والسياسية والدينية، ويلاحظ أن بين هؤلاء الباعة وبين عناصر شرطة محافظة دمشق لعبة القط والفأر فعندما يشعرون (كغيرهم من باعة بسطات الألبسة والمواد الغذائية والأنتيك وكل غرض بعشر ليرات..) أن شرطة المحافظة قادمة بدورياتها، يسرعون كالبرق بوضع كتبهم ومجلاتهم داخل الستار الممدود تحتها ويبدأ الركض حتى لا تضبطهم الشرطة وتصادر هذه البضاعة الكاسدة بالأصل بحجة عرقلة مرور المشاة على الأرصفة، وعندما يبدأ الكر والفر بين هؤلاء، يكتشف الإنسان المراقب لهؤلاء الباعة أن لديهم مواداً أخرى يبيعونها وتكون على بسطة مجاورة أو موضوعة على طاولة مهترئة وهي معظمها من الأقلام الرخيصة الثمن أو القرطاسية الزهيدة القيمة، حتى تكتمل الوجبة الثقافية أمام الزبون المثقف والطالب الفقير الذي يبحث عن أقل سعر لدفاتره وقرطاسيته، كذلك هناك أيضاً بعض المعلبات الغذائية أو الدخان أو القداحات، ويبرر ( أبو أحمد) أحد أقدم العاملين على هذه البسطات في منطقة البرامكة ذلك قائلاً: إن تجارة الكتب والمجلات القديمة لم تعد تطعمه الأكل مع أولاده، ولذلك اضطر لتوسيع بسطته ولم ينس أن يشغّل ابنه الصغير الذي لا يتجاوز عمره العشر سنوات معه لمساعدته ومراقبة الزبائن من أن يقوم أحدهم بـ «لطش» كتاب (أي سرقته) أو مجلة قديمة، حيث أن بعض (المثقفين) ـ يتابع أبو أحمد ـ يعتبرون أن هذه الكتب حصلنا عليها مجاناً ويعتقدون أننا وجدناها مرمية مثلاً أمام المنازل وقمنا بأخذها وبيعها، ولذلك فهؤلاء يعتقدون أنهم ليس عليهم دفع ثمنها لنا. ولكن ما أعرفه أن العديد من الناس يعرضون علينا كتباً موجودة في منازلهم لنشتريها منهم وبأسعار تتراوح بين الرخيصة والمرتفعة أحياناً ولكن تبقى أقل بشكل واضح من سعرها المحدد على الكتاب أو سعرها الحالي في الأسواق، حيث لدينا كتب مسعرة بالقروش أو الفرنكات (أجزاء الليرة) وطبعاً حالياً لم يعد هناك أصلاً مثل هذه الفئات من العملة ونحن ـ لا أنكر عليك ـ نساوم هؤلاء لنشتريها بأقل الأسعار ولكن أيضاً نريد أن نربح ولو أننا فعلاً نربح بها مبالغ كبيرة لما كنا وسعنا بسطاتنا لنبيع أشياء أخرى. وبالفعل هناك ظاهرة منتشرة بين بسطات بيع الكتب القديمة، كان قد طرحها العديد من الكتاب السوريين في زواياهم ومقالاتهم المنشورة وهي وجود كتب لكتاب كبار أو مغمورين تباع على هذه البسطات، وعليها إمضاءاتهم وهي عادة تكون مهداة إلى أصدقاء لهم قد يكونون مثلهم كتاباً أو لا يعملون في مهنة الكتابة وما يحصل أنه بعد سنوات قد يفتقر هؤلاء فيبيعونها إلى تجار البسطات كما هي، أو في أغلب الأحيان بعد وفاة هؤلاء فيأتي الورثة والذين على ما يبدو لا يرغبون ببقاء هذه الكتب لديهم فيبيعونها إلى تجار البسطات وبأي سعر كان، حيث ـ كما يقول أبو أحمد ـ يعتبرونها كماليات وتأخذ مساحة من البيت، ولذلك تعرض علينا أحياناً مكتبات منزلية كاملة نشتريها وهناك متعهدون لذلك يأخذونها ليس بالكتاب وإنما يشترونها كما هي وبسعر رخيص قياساً لما تحتويه هذه المكتبات من مجلدات وكتب قديمة قيمة. وغالباً هؤلاء المتعهدين يفوزون بصفقة دسمة حقاً. صاحب بسطة مجلات وكتب آخر التقيناه في سوق المكتبات بمنطقة الحلبوني، اشترط علينا حتى يتحدث إلينا عدم تصويره أو نشر اسمه الحقيقي وقال ان اسمه عدنان وهو متخصص في بيع المجلات القديمة والكتب الجامعية المستعملة، ولكنه في يوم الجمعة يغير هذه التجارة إلى بيع الكتب الأدبية والثقافية والتاريخية وغيرها، وهذه مهنة والده بالأصل ولكن تركها الوالد بعد أن كبر بالعمر، ويقول عدنان: العديد من المثقفين يعرفون والدي ويشترون من عنده الكتب القديمة، ولكنها تجارة لا مردود منها، وحتى أرضي هؤلاء أقوم في يوم الجمعة بنقل بسطة الكتب إلى أماكن تواجد المثقفين في المقاهي وفي سوق الصالحية والحمراء، حيث تكون المحلات مغلقة فأنشر الكتب على الرصيف بحرية وحتى عناصر شرطة المحافظة تخف ملاحقتها لنا في هذا اليوم لأنه يوم عطلة، ولا نعرقل المشاة في الأسواق المغلقة، أما في الأيام العادية فأبيع المجلات المستعملة أي تلك التي اشتراها زبائن من المكتبات في وقت صدورها ولكن بعد أشهر وبسبب تراكمها لديهم يقومون ببيعها بسعر بسيط جداً لنا، ويأتون إلينا هنا في منطقة الحلبوني ويعرضونها علينا وأحياناً يعرضونها مجاناً ونحن نستفيد من بيعها بسعر مقبول، حيث نحاول أن نحصل على سعر يعادل نصف سعر المجلة المكتوب على داخلها وإذا ساومنا الزبون فنخفض له السعر ولكن يبقى هامش الربح فيها عالياً، وحول زبائن هذه المجلات يقول عدنان: زبائننا يختلفون عن زبائن الكتب، فمعظمهم من الشباب الباحثين عن مجلات متخصصة مثلاً بعالم السيارات أو الفن والغناء والمشاهير، حيث يبحثون عنها بغية الحصول عليها بسعر منخفض، وهناك أيضاً طالبات المدارس والجامعات والمراهقات اللواتي يشترين المجلات الفنية ولو أن تاريخها قديم ولكن يقرأن فيها أخبار الفنانين وعن حياتهم ويقصون الصور لفنانيهم المفضلين من هذه المجلات وهي غالباً صور ملونة وكبيرة فيعلقونها على جدران غرفهم. هناك من الزبائن أيضاً سيدات البيوت وغالباً ما يطلبن مجلات فن الطبخ والغذاء وأخرى تهتم بالديكورات، حيث يحصلن عليها وبأسعار أقل بكثير من سعرها الحالي كونها مجلات مستعملة، وهناك زبائن متنوعون يطلبون المجلات الصحية والطبية حيث لا يهم هؤلاء تاريخ المجلة ويقولون لنا إنهم يستفيدون من المعلومات العلمية والصحية داخلها حيث (لا تبطل هذه المعلومات أو ينتهي مفعول أخبارها العلمية والطبية) ويبتسم عدنان وهو يتابع حديثة قائلاً: أما طلاب الجامعة والمدارس الثانوية فيعتبرون من الزبائن الدسمين لدينا، فنحن نقدم لهم خدمات كبيرة حيث نبيعهم الكتب الجامعية المستعملة بسعر أقل من سعرها الحالي، حيث أننا نشتري مثلاً الكتب الجامعية والمدرسية من الطلاب الناجحين والمترفعين إلى الصف الأعلى ونعرضها على بسطاتنا فيأتي الطلاب الجدد ويشترونها وبالتالي يستفيد جميع الطلاب وبالمقابل أيضاً توجد فائدة لنا كبائعين.