«المحمل».. يختزل ذكريات تجارة القوافل العربية مع بلدان العالم

TT

المراقب لحركة المسافرين بمطار الملك عبد العزيز بجدة يلحظ الاهتمام بحمل حقائب بلاستيكية «أكياس» بصحبة معظم الركاب، ضمن الحقائب والأمتعة الأخرى. لا تكاد تخلو معظمها من ديباجة مكتوب عليها «المحمل» في دلالة على ان حاملها قد زار سوق المحمل التجاري. وعلى نفس النهج، ذات الصورة تلحظها عندما تتجول بمطار القاهرة الدولي، فالعديد من المسافرين يحملون هدايا داخل أكياس بيضاء مميزة مكتوب عليها «أسواق المحمل» ويدل ذلك على أن الزائرين للقاهرة قاموا بالتسوق وشراء الهدايا من سوق المحمل. فما هو سر هذا الاسم «المحمل»؟ وما سر جذبه للزائرين؟. يمثل اسم المحمل دلالات تاريخية ضاربة في القدم، تعبق منه روائح مناخات الإبل التي كانت تمثل الوسيلة الأمثل في التبادل التجاري بين العرب وبقية شعوب العالم، أسواق تجارية مورست فيها انواع البيع والشراء لبضائع اتت من أقاصي الأرض إلى قطعة أرض تتوسط مدينة جدة.

خالد الزهري المسؤول بأسواق المحمل بجدة يعيد اهتمام الناس باسم المحمل لارتباطه التاريخي بوجدان المسلمين، يقول «تاريخ إنشاء سوق المحمل يرجع إلى العصر العثماني، وتحديداً في عهد الوالي أسعد باشا العظم الذي امتد حكمه على مدى أربعة عشر عاما، وكان يتمتع بشهرة كبيرة في التجارة الدولية، وكان يجهز القوافل ويرسلها إلى المملكة عن طريق البر، فيتم تجهيز القوافل وتحميلها بالأقمشة والتوابل والقمح والمجوهرات الثمينة، التي يتم بيعها بداخل السوق كما كانت هناك قوافل بحرية قادمة من البحر الأحمر حاملة البضائع المختلفة ليتم شراؤها من قبل تجار المملكة من مختلف المدن السعودية كالطائف والمدينة المنورة، فيقوم التجار بشراء كل ما يحتاجونه، ويضعونه بالمحمل الخاص بهم، وكان يطلق على هذا العمل (تجهيز المحمل) ومن هنا جاء اسم المحمل الذي يحتوي على كل أنواع البضائع من طعام وشراب وملابس ومجوهرات».

مع مرور السنين ظل ذلك المكان الذي كان منطلقا للتجار ببضائعهم، يستخدم في التجارة لتحميل البضائع إلى جميع أنحاء المملكة.

محمد رجائي ـ أحد التجار الموجودين داخل المحمل ـ يتفق مع هذا الرأي ويزيد بقوله «كانت هذه المنطقة تمثل مركزا لتزويد القوافل قبل الرحيل، وهي تكتظ بالمختصين بتجهيز القوافل وهم من يطلق عليهم المحملين (الحمالين) وكان عملهم ينصب في تجهيز القافلة من الزاد والمؤن التي تتطلبها مدة القافلة، فكانت هناك قوافل تستغرق 4 شهور في رحلتها خاصة تلك القاصدة بلاد الصين، فيقوم المحملين بوضع الطعام والشراب والملابس وربط البضائع بطريقة معينة على الإبل لكي تصل إلى المكان المخصص لها دون أن تصاب بأي خدوش. وتستغرق تلك العملية أربعة أو خمسة أيام، وبعدها يقوم التجار بدفع أجرة تجهيز المحمل للحمالين القائمين على تجهيز القافلة للسفر والرحيل، ومن هنا، ظل المكان ثابتا ومعروفا لسكان المنطقة الغربية من المملكة، يحمل عبق التاريخ وذكريات عن التواصل العربي بالعالم الخارجي.

في عام 1988 تم بناء مركز تجاري ضخم في تلك البقعة من الارض يحتوي على خمسة ادوار بالإضافة إلى مواقف دائرية السيارات، ويعد من اوائل المراكز التجارية في مدينة جدة، لكنه ظل يبحث عن اسم لفترة من الزمن، وكانت هناك عدة مقترحات، من بينها سوق البحر، أو مركز البلد القديم، وبرز اتجاه لتسميته درة جدة، ولكن جميع تلك المسميات لم يكن لها علاقة بتاريخ المكان، لذلك فضلت وزارة السياحة اسم «مركز المحمل» كون الاسم مرتبطا بتاريخ المنطقة التي كانت مناخا لإبل للقوافل سواء من ناحية بيع البضائع للتجار أو تجهيز القوافل.

مركز المحمل بهذا التاريخ تميز عن المراكز الاخرى التي أصبحت منارات تجارية لمدينة جدة في المملكة العربية السعودية، وميزة مضافة اخرى يراها قاصدوه من سكان او زواره. تقول جيهان عبد الله ان المحمل بموقعه في وسط البلد المزدحم يمتاز بموقف السيارات متعدد الطوابق في شكل دائري يضيف فرصة للمتسوق بايقاف سيارته داخل السوق دون عناء.

أما المحمل المصري فيقع تحديدا في شارع مصطفى النحاس بمدينة نصر، وهو عبارة عن سلسلة محلات تجارية كبيرة ومتنوعة، تحتوي على البضائع التذكارية الخاصة بالقاهرة الفاطمية الى جانب الأقمشة وأدوات المنزل التذكارية وعن تاريخ إنشائه وسر اختيار الاسم، يقول محمد فاضل أحد التجار بمركز المحمل المصري «يعتبر فرع مدينة نصر أول الفروع التي تم افتتاحها في القاهرة في عام 1992م، وأنشأه أحد المستثمرين السعوديين، اشترى قطعة ارض كبيرة وبنى عليها بيتا كبيرا له، الى جانب سوق تجاري اختار له «اسم المحمل» ليذّكر بعض زوار مدينة القاهرة بمحمل جدة، ويحتوي المحمل المصري على بعض المأكولات السعودية كالكبسة والتمر السعودي ونعناع المدينة، بالإضافة إلى بعض البضائع التي تأخذ طابع التراث السعودي كالمبخرة والسبح والبخور، بالإضافة إلى وجود البضائع التي تتميز بها القاهرة، كالمصنوعات الجلدية ومشغولات الفضة والملابس القطنية القديمة، وبعض المأكولات المصرية.

ومن الملاحظ ان معظم زوار المحمل من الجالية العربية المقيمة بمصر وبعض الزائرين لمدينة القاهرة خاصة في فترة الصيف.

وتمر السنون وتختلف البضائع وأذواقها ولكن يظل المكان قائما يعبر عن أحداث وقصص ماضية يخلدها المكان إلى الأبد.