معرض تصوير فوتوغرافي في القاهرة .. أبطاله مقاعد وشبابيك

شعاره : أنا وحيد إذن أنا موجود

TT

بنت ريفية صغيرة، ترتدي ملابس زاهية، تجلس واضعة يدها على خدها وترسم عرائس صغيرة، ومقعد وحيد في صدارة الصورة، يقول أنا هنا وحدي، وعربة كارو نائمة في انتظار الصباح، وضجيج مقهى لا يبدو منه إلا لعبة الطاولة، مراكب وتيمات شعبية، وبنتان تجلسان على البحر وخلفهما صيادان كل يقف وحيدا، فيما يزمجر البحر بأمواجه، وشباك وحيد يخبئ وراءه عالما أكثر وحدة، هذه التفاصيل الإنسانية قد تكون أبرز معالم معرض التصوير الفوتوغرافي الذي يقام حالياً في أتيليه في القاهرة للفنان عادل وسيلي، الذي يقول إنه يهتم بالتيمات الشعبية التي انقرضت أو تقاوم الانقراض.

أبرز ما في المعرض هو التفاصيل الإنسانية البسيطة، فنجد صورة لمقعد في المقهى، أو صورة لجمرات النار في موقد الشيشة، أو ماسكات هذه النيران في صورة أخرى، وصورة لحنفية المياه العمومية التي انقرضت. ويقول عادل إن كل هذه التفاصيل الصغيرة هي الحياة ذاتها، فعندما تنظر إلى أي موضوع سوف تجده مكررا، التفاصيل فقط هي التي تميزك، وتعطيك الانفراد، كما أن تكون الحياة ذاتها في نهاية الصورة، المهم هو كيف تراها، وكيف تستطيع أن ترى جمالها منفرداً.

لعبة «البازل» الشهيرة ربما تكون أصدق تشبيه لصور عادل وسيلي، فنحن نستطيع أن نرى المقهى ولكن في صور متفرقة لأجزائه، فلا توجد صورة خاصة به، بل هناك صور لمقاعده، صورة للطاولة، صورة للشيشة، صورة لبراد الشاي، ويوضح عادل أن تركيزه على المقهى لأن المقهى هو عصب المدينة، زادت الحاجة إليه مع ازدياد البطالة، فأين يجلس من لا عمل لديه، وأصحاب المعاشات الصغيرة الذين يسكنون في شقق ضيقة، لا يجدون متنفسا لهم إلا المقهى الذي يتحول بعد فترة إلى بيتهم الثاني، وبما أن حياة البسطاء تخلو من أي ترفيه، فالمقهى هو الذي يحقق لهم هذا. مع مرور الزمن يصبح المقهى هو الملاذ الوحيد، وهو المأوى الذي يقابل الناس بعضهم ليشاركوا ويشكوا همومهم لبعض.

المقهى في صور المعرض ليس هو المكان، إنما هو التفاصيل، ويقول عادل إنه يرى أن المقهى هو الطاولة، هو كوب الشاي، هو نشارة الخشب المنثورة على الأرض، ولذلك حرص على تسجيل هذه اللقطات في صوره.

ثمة غواية في الصور لا يمكن تجاوزها، إنها غواية الشبابيك، فأكثر من صورة لشباك قديم يطل منه الحنين على أزمنة ماضية، شبابيك قديمة، وبلكونات، وخشب ينخره السوس، وقد تساقط طلاؤه، ومع ذلك ما زال يحمل ذلك الإبهار الذي لا تعرف من أين يأتي مصدره، لكن عادل يعتقد أن الشبابيك لها علاقة بالخصوصية، بالوحدة، تيمة المعرض الأساسية، فعندما تكون جالساً في بيتك فإن الشبابيك هي من تفصلك عن الحياة في الخارج، وهي أيضاً أداة التواصل اذا رغبت في محادثة من بالخارج.

ويقول عادل إنه ليس مصورا محترفا لكنه يصور أشياء يحبها ويقول: «أحيانا كثيرة أرى لقطة فأعود إلى البيت لأحضر الكاميرا لالتقاطها»، فهو يعمل مهندساً مدنياً، ويقيم معرضه الأول، بدأ التصوير منذ فترة طويلة، وبعض صور المعرض تعود إلى عشرة أعوام، وأنه لم يكن يفكر لحظة تصويرها في عرضها ولكن نتيجة لإلحاح أصدقائه اضطر لفعل ذلك، ويضيف:«التقطت الصور في أماكن مختلفة وعلى فترات متباعدة فصور البنات اللائي يرسمن التقطت في المنيا، وهناك صور في أسوان وأخرى في الاسكندرية، وغيرها».

ما يحزن عادل هو اندثار التيمات الشعبية القديمة، ولذلك حرص على التقاط الكثير منها في صوره، هناك بعض الصور لا يوجد بها سوى عبارة قديمة تقال للحسد، أو صورة عين مرسومة على المركب، أو رسومات شعبية على المراجيح، وهناك صور أيضاً لـ«غوازي» ـ راقصات شعبيات في الموالد، يقول إنه التقطها في أحد الموالد الشعبية منذ فترة طويلة.. هذه المظاهر جميعها تتعرض الآن للاندثار، لذلك فهو يحاول أن يقدم مشروعا توثيقيا لبعض الحرف المعرضة للانقراض، وبعض التيمات الشعبية التي كانت موجودة ولم يعد أحد يستخدمها.

المقاعد هي البطل الحقيقي للمعرض، فثمة صورة لمقعد وحيد، وصورة أخرى لرجل يقف بجوار كرسي وكأنهما يتحدثان، وثالثة لثلاثة مقاعد متجاورة، كأنها تجلس في عزاء، وصور مختلفة من كافة الاتجاهات لها، كما أن ثمة صورة لا تحتوي سوى على لافتة معرض صناعة مقاعد. ويضيف عادل أن المقعد هو البطل الرئيسي للمعرض لأنك عندما تكون متعبا فأول شيء تفكر فيه هو الجلوس على المقعد، لأنه سوف يعطيك إحساسا بالراحة. يتعامل عادل مع المقعد على اعتبار أنه كائن حي، لذلك ليس غريبا أن تشعر في إحدى الصور أن المقعد غاضب، أو حزين، أو سعيد، لذا يحرص عادل على توصيل فكرة التواصل الحس الإنساني في صوره بين الإنسان والجماد، الإنسان والمقعد، الإنسان والبحر.

الموتيفات الشعبية التي تنقرض تحت حصار العولمة، وحالة الوحدة التي تنتاب الإنسان والجماد والمقاعد وموج البحر الذي يأتي إلى أول الصورة ليغرق عاشقين جالسين ينظران إلى المجهول، وصياد يلقي سنارته في المياه منتظرا ما يخبئه له القدر.. كل هذه صور في معرض عادل تقول عبارة واحدة : أنا وحيد إذن أنا موجود.