لوحات إعلانية بشرية .. في شوارع لندن

معظم حامليها من الطلاب.. والعمل يتطلب الوقوف ساعات طويلة

TT

من المشاهد التي يراها الزائر لمدينة لندن، وقد لا تلفت انتباه المقيمين فيها، هو مشهد شخص يحمل لوحة اعلانية تحمل سهما يشير الى موقع المحل. حامل اللوحة لا يحتاج للحديث والحركة هو فقط يقف على جانب الطريق شاغلا وقته اما بالقراءة او بسماع الموسيقي، المهم هو ان يمسك الوحة بحيث تشير للاتجاه الصحيح. الوظيفة تبدو سهلة جدا ومربحة الى حد كبير حسب عدد من العاملين فيها، كما انها ايضا لا تتطلب مواصفات خاصة فيمن يعمل بها. الوظيفة مهمة لأصحاب المحال وذلك لعدم امكانية وضع الاعلانات في الشوارع ولكنها تترك تساؤلا عن امكانية استخدام البشر كلوحات اعلانات حية.

على قارعة طريق «ايرلز كورت» يقف سالم وأحمد، رجلان في منتصف العمر كل منهما يحمل عمودا عليه اعلان احدهما عن مقهى الكتروني والآخر عن محل للهواتف المحمولة. يبتسم احمد بتردد حال سماعة رغبتي التحدث معه ويلتفت لصديقه طالبا منه ان يترجم له. بتوجس ينظر سالم ويقول «ليس لدينا ما نقول، نحن نقوم بعملنا فقط». وبعد محاولات يوافق على الحديث وان كان اصر على عدم ذكر اسمه الحقيقي. أحمد القادم من الشيشان لا يتقن الانجليزية، ولكنه يقول انه مسلم وترك عائلته وقدم الى لندن ليعمل. أما سالم فيرفض الافصاح عن بلده، ويقول انه يعمل بضع ساعات كل يوم في حمل الاعلان، وان كان بدا متوجسا من الحديث عن عمله امام الغرباء، يقول انه يبحث عن عمل آخر وانه كان يعمل في بلده في عدة حرف، فعمل بالجزارة وحارس امن وبائع، ويضيف بفخر «استطيع العمل في أي مكان اذا تعلمت اساسيات العمل، فالعمل في اماكن مختلفة يعطيني القدرة على التعامل مع مختلف الانواع من الناس، كما يعلمني لغات مختلفة».

في شارع اكسفورد الشهير بوسط لندن، يتواجد الكثيرون من حملة الاعلانات من جنسيات مختلفة، منهم هارون من تركيا الذي يقول مبتسما «أنا أعمل هنا بصفة متقطعة، فأنا ادرس اللغة الانجليزية في احدى الجامعات هنا». هارون، 25 عاما، حاصل على تعليم جامعي من تركيا وقدم الى بريطانيا منذ 4 اشهر فقط. «الوظيفة مناسبة لى، فليس لي مدير وأعمل فقط ساعتين ونصف الساعة في اليوم، واشغل وقتي خلال الوقوف بالقراءة أو سماع الموسيقى». وخلال وقوفه في الشارع اصبح لهارون هواية مشاهدة المارة وتخمين جنسياتهم «من المثير ان أشاهد كل هؤلاء الناس كل يوم، وبرغم الضوضاء وازدحام الشارع، فمن اللطيف ان أتأمل المارة واتخيل حياتهم وبلدانهم». «المارة من المراهقين يلفتون نظري بصخبهم وعدم جديتهم، بينما هناك الموظفون الذين تبدوا عليهم سيماء الانشغال والجدية. السائحون دائما يتفحصون المباني والمحال». «بعض المارة قد يتوقفون للحديث معي عن عملي، وبعضهم قد يتوقف ليسأل عن مكان أو عنوان معين، ويذكر هارون ان امرأة من اسبانيا طلبت التقاط صورته وهو يقرأ الصحيفة. من أحلام هارون ان يحصل على درجة الماجستير في ادارة الاعمال، وأن يعود لتركيا ليعمل في احدى الشركات «احيانا افكر بالهجرة للولايات المتحدة، ولكني لم اتخذ قراري بعد». رافائيل من بولندا يقول، انه حمل الاعلانات هو عمله الاساسي، ويقضي فيه حوالي سبع ساعات كل يوم، وبدا العمل كحامل اعلانات منذ عام، ويقول إن أجره عن هذا العمل جيد ويوازي أجر عمال البناء، ولكنه يبحث عن وظيفة اخرى حاليا، ويزور عائلته في بولندا كل شهر. شاس من موريشيس يقول إن حمل الاعلان، يجعله محل اهتمام المارة الذين يتوقفون ليسألوه عن عنوان معين، او هؤلاء الذين يسألون عن وظائف مشابهة «عادة لا اعرف الاجابة، فأنا حصلت على وظيفتي عن طريق صديق». وبالنسبة لشاس فحمل الاعلان هو جزء من عمله الاساسي كعامل في المطبخ لمطعم وجبات سريعة مشهور، ويتناوب مع عمال آخرين الوقوف خارج المحل. ويقول «درست ادارة الاعمال والفندقة في الجامعة هنا، واحلم ان اعود الى موطني وأن أنشئ شركة خاصة بي هناك».

رغم رتابة العمل وصعوبته، فالوقوف ساعات طويلة في جو لندن المتقلب، قد لا يكون ممتعا ولكنه يتيح لحملة الاعلانات الدخل الذي يعينهم على تحمل صعوبات الحياة في لندن، ويظل بالنسبة لهم محطة في مشوار ينتهي بهم في اوطانهم، بعد ان يحققوا جزا من احلامهم من التعليم والخبرة العملية.