الشاحنات في السعودية.. لوحات متنقلة

ثقافة وافدة مصدرها باكستان.. والرسوم تكلف نحو 100 ريال

TT

في حال كنت من سكان السعودية فعلى الارجح انك لاحظت تلك الرسوم او النقوش التي تتزين بها الشاحنات، والتي يقودها عادة سائقون من العمالة الوافدة. تتنوع الرسوم، فمنها المناظر الطبيعية، ومنها الاشكال الهندسية، ومنها الحروف والكلمات.. وهي تزين الشاحنات منذ اكثر من عقدين من الزمان، ولكن السؤال هو كيف وجدت هذه الثقافة التي اعتادت العين على رؤيتها دون ان تعرف مصدرها.

رياض أحمد من الجنسية الباكستانية ويدير أحد المحال المتخصصة في رسم بعض الأعمال على جوانب السيارات، يقول «ممارسة هذه الفنون من الرسومات والنقوشات على هذا النوع من السيارات قادم من باكستان، حيث يحرص الباكستانيون في بلادهم على تزيين سياراتهم المخصصة لنقل البضائع، كنوع من عملية الجذب للجمهور، وهو ما نقلوه فيما بعد إلى دول المنطقة بعد مجيئهم للعمل هنا»، ويضيف رياض الذي يجيد كتابة العربية ويتقن الحديث بثلاث لغات إلى جانب لغته الأم (الأوردو) «عند قدوم الزبون للمحل لطلب رسمة أو نقشة ما، نقوم بعرض كتالوجنا الذي يحتوي العديد من النقوشات والرسومات، ويقوم الزبون على ضوئها باختيار ما يناسبه منها، أو يعرض علينا رسمة مغايرة يرغب في وضعها على سيارته، وتتراوح تكلفة تزيين السيارة الواحدة بين الـ(70 ـ 100) ريال، باختلاف النقشة والرسمة المختارة وحجم السيارة والمحل أيضاً».

محمد سرفاز، ويحمل الجنسية الهندية ويعمل سائقاً لواحدة من تلك السيارات، يقول «كل شخص في هذه الحياة يهتم بجانب معين من حياته يقوم بالإفراط في دلاله، وبالنسبة لي أنا هنا بعيد عن عائلتي، ولا أملك سيارة خاصة بي، ولذلك أقوم بتزيين هذه السيارة كنوع من العناية بمظهرها ولجذب الزبائن بشكلها الملفت للنظر، عبر تلك الرسوم التي تراها الآن على جانبيها، وفي الحقيقة أنا مهووس بعملية الفنون حتى أني أقوم بتزيين السيارة من الداخل أيضاً، بعدد من القطع المتدلية من السقف، والتي تشعرني بشئ من الانسجام أثناء القيادة».

أما محمد الحارثي وهو شاب سعودي يمتلك إحدى سيارات النقل المزينة تلك فيقول «هذه ثاني سيارة نقل أمتلكها لمزاولة عملي في نقل العفش بين المدن، وفي الحقيقة كانت السيارة الأولى خالية من النقوش حيث قمت بطلاء السيارة بلون واحد فقط، ولكني قمت ببيعها لسداد بعض المستلزمات المالية التي كانت علي، وعندما قمت بشراء هذه السيارة كانت مجهزة بكامل زينتها وهو ما أراحني من عناء الذهاب بها إلى إحدى الورش الخاصة لطلائها ببعض الرسومات التي تزين شكلها الخارجي، ولا أخفيك عندما أخبرك بأن هناك من ينعتني من الزملاء بالتخلف بسبب تلك الرسوم، إلا أني أشعر بأنها ترضي زبائني وتجلب لي الحظ أحياناً، وتفيدني كثيراً في عملية التنبيه الليلي خاصة بعض الملصقات الفسفورية التي أقوم بتركيبها في مؤخرة السيارة».

ويعود فياض للحديث بقوله «تبدأ عملية الرسومات على أطراف السيارة الجانبية والخلفية، بعد طلاء الصفائح الحديدية الواقعة في الجزء السفلي من السيارة بلون أساسي للرسم عليه، وعادة ما يكون اللون أبيض أو فضيا أو أحمر، ونقوم بعد ذلك بعملية الرسم على تلك الصفائح المعدنية»، وعن سبب انحصار تلك الثقافة في السيارات الكبيرة يقول فياض وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة عريضة «أعتقد أن نظام المرور هنا لا يسمح للمركبات الصغيرة بوضع بعض الرسومات على أطراف السيارة، والا لكان الدخل أكبر بكثير مما نجنيه من طلاء الشاحنات الكبيرة فقط».

احمد اليافعي يمني الجنسية ويعمل في أحد محال الحدادة يقول «تبدأ القصة عند قدوم صاحب سيارة النقل إلينا، طالباً تزويد سيارته بستارة حديدية في الجزء السفلي من السيارة، عبارة عن صفيح رقيق من الحديد مزود ببعض الحديد المقوى، ونقوم بذلك العمل بعد الاتفاق على السعر والشكل، ويتم تلوين تلك الستارة بلون واحد عادة ما يكون لون غامق في أغلب الأحيان، وإذا ما أراد الزبون تلوينه فإن التكلفة ستزيد حتماً ولكنها مختلفة بحسب اللون، وعادة لا يقوم بطلب تلوين الستارة حيث يفضل اصطحابها إلى أحد المحال التي تقوم بعمل الرسومات عليها، لتوفير الجهد والمال». أصحاب تلك المهنة لا يخلو عملهم دائماً من بعض المواقف المحرجة والطريفة، بحسب رأي اليافعي الذي عاد بقوله «عادة ما نقوم بكتابة اسم الورشة ورقم هاتفها وأحياناً نقوم بتسجيل رقم الموبايل، كنوع من الدعاية لنا، إلا أننا نفاجأ ببعض الزبائن الذين يرفضون وجود مثل ذلك على سياراتهم، ويقومون بإزالتها، ولكن السيئ في الموضوع عندما يتكرم الزبون بوجود تلك الدعاية على سياراتهم، حيث نفاجأ بالعديد من الاتصالات علينا، وأحياناً تكون من مدن بعيدة عن مقر ورشتنا، ليس لعقد صفقة ما، وإنما لإبعاد السيارة من أمام مساكنهم أو مقار عملهم بسبب قيام سائق سيارة النقل بإيقافها في المكان الغير مناسب، الأمر الذي يدخلنا في جدل كبير معهم لإقناعهم بأننا لا نملك السيارة وإنما نقوم بعمل الرسوم لها».