إعادة إيقاظ «الجميلة»

بوسطن: فيليب كينيكوت

TT

لا بد أنها كانت ليلة ممتعة تلك الليلة اللندنية من فبراير (شباط) عام 1946 التي عرض فيها الباليه للمرة الأولى منذ سنوات بدون مخاوف سقوط قذائف من مقاتلات مغيرة على العاصمة البريطانية خلال الحرب العالمية الثانية، حيث كان يوجد داخل المسرح ضوء أحمر لتنبيه المشاهدين ببدء غارة جوية جديدة. ولكن حتى في تلك الليالي التي كانت تضاء فيها إشارات التنبيه الحمراء، كان المتابعون المخلصون يستمرون في مشاهدة العرض بعذر أنه: إذا لم تغادر الراقصات، فلم نغادر نحن؟

وكانت المدينة لا تزال مخربة ولم تمر سنة بعد على نهاية الحرب، وكان من الغريب بالتالي أن يصبح الباليه أولوية في ظل هذه الظروف. إيجاد الرجال لتمثيل أدوار الأمراء كان محدوداً أيضاً، وكانت قاعة الأوبرا في «كوفنت غاردنز» التي تم استخدامها كقاعة رقص خلال سني الحرب، لا تزال في بداياتها، وراقصوها الذين كانوا سوف يفتتحون العمل الجديد ولا يزالون يعرفون في ذلك الوقت باسم راقصي «سادلرز ويلز» تمكنوا رغم ذلك من أداء واحدة من أعظم الرقصات الكلاسيكية وأكثرها تحدياً وهي رقصة «الجميلة النائمة». قصة تلك الأميرة التي أرسلتها ساحرة شريرة إلى نوم عميق لا تفيق منه إلا بقبلة أمير.

كانت الأحوال لا تزال قاتمة في لندن، ولكنه كان واضحاً بالنسبة لحضور «الجميلة النائمة» أن الحياة الثقافية الإنجليزية سوف تبقى.

كليمينت كريسب، ناقد شؤون الرقص لدى جريدة «فاينانشال تايمز» اللندنية حالياً كان طالباً في المدرسة خلال تلك الفترة وكان هناك أيضاً لحضور عرض الافتتاح لـ«الجميلة النائمة» ويتذكر أنه كان عرضاً رائعاً أثار حماسة شديدة بين المشاهدين. كان ذلك هو العرض الذي حول راقصي فرقة «سادلرز ويلز» إلى الفرقة الراقصة التي نعرفها اليوم باسم «الباليه الملكي» والذين يبدأون سلسلة من خمسة عروض لـ«الجميلة النائمة» في مركز كنيدي مساء اليوم.

قال كريسب من لندن: «كانت الحرب قد انتهت، وكنا قد تعرضنا لغارات جوية خلال السنوات الأربع السابقة، وفجأة حل السلام وتوقف انقطاع الكهرباء عن المدينة وكانت القاعة ممتلئة برائحة أقراص النفتالين لأن غالبية المشاهدين قد أخرجوا بدلات العشاء من المخازن» إنتاج «الجميلة النائمة» عام 1946 استمر عرضه لعقود بعد تلك الليلة وكان مسؤولاً حسب كثير من المراقبين عن الأناقة والأسلوب الذي تتميز به فرقة الباليه الذي حصل على التصنيف «الملكي» عام 1956. وسافر عرض «الجميلة النائمة» إلى مدينة نيويورك الأميركية في 1949 وحصلت هناك على رد فعل مشابه لما وجدته قبل ذلك في لندن، وحاولت الفرقة عبر السنين ومنذ توقف عرض باليه «الجميلة النائمة» خلال عقد الستينات من القرن الماضي أن تعيد تكرار سحر النجاح الذي صاحب ذلك العرض. لم يكن ذلك بالأمر السهل. آخر محاولتين في ذلك الاتجاه كانتا من أنثوني داول الذي افتتح العرض في مركز كنيدي في 1994 وتلقى نقداً لاذعاً في لندن اتهمه بالقبح، والمحاولة الأخرى كانت من ناتاليا ماكاروفا خلال 2003 ولاقى نفس المصير ولم يصل كسابقه إلى مستوى التوقعات. وفي 1970، بعد وقت قليل من تقاعد العرض الأصلي الذي بدأ بعد الحرب بلوحاته الراقصة والملونة، علق أحد أعظم نقاد الرقص الأميركيين، آرلين كروس، على عرض جديد لـ«الجميلة النائمة» من الباليه الملكي شاهدته في نيويورك على أنه بعد كل سنوات النوم قد «أيقظ جميلة مجنونة». والحقيقة أن الفرقة التي صنعت مجد الباليه الملكي كانت بمثابة لعنة.

تقول مونيكا ميسون، مديرة فرقة الباليه الملكي: «لا يمكن أن تنتج «الجميلة النائمة» بدون أن تثير لديك العصبية والتوتر». وتكمل ميسون: «إنتاج العمل يتطلب قدراً كبيراً من المال، وبالتالي لا يمكن أن تفكر بأنك تهدره وتهدر معه وقت الراقصين».

ميسون التي استطاعت أن تحافظ على شكل الراقصة بطولها وتناسقها في سن صبغ فيه اللون الفضي شعرها، ترأست الباليه الملكي عام 2002 بعد فترة قضاها في الموقع روس ستريتون الذي كانت لديه أفكار متطرفة حول التغيير، وكان من خارج محيط الباليه الملكي من استراليا. خليفته ميسون على العكس من ذلك تعمل مع الباليه الملكي منذ عقود، وقد جعلت موقفها من التغيير جلياً بإعلانها الرغبة في المحافظة على التقاليد مما هدأ من الأعصاب في وقت يحتفل فيه الباليه الملكي بمرور 75 سنة على تأسيسه.

تقول ميسون: «لا أعتقد أن هناك حاجة للتغيير». وتستخدم ميسون تعبير «مادام» في كل مرة تذكر فيها مؤسسة الفرقة نينيت ديفالويس تعبيراً عن الاحترام، وعندما تثار حول فرق باليه أخرى، تذكر أنها لا تعرف كثيراً عن الأحوال خارج الباليه الملكي الذي لعبت فيه دور الساحرة الشريرة التي تبدأ عن طريقها قصة «الجميلة النائمة» في العرض.

لا شك في أن ميسون هي المديرة الراقصة لفرقة الرقص، ولا ترى في أدائها تلك الأنماط الدكتاتورية التي تدار بها عادة الفرق الراقصة، فكان الراقصون والراقصات يضحكون ويقهقهون خلال التمارين مع نغمات الموسيقى المصاحبة.

تقول ميسون: «أقول دائماً إن أحد الأشياء التي أقوم بها لو كان لدي عصا سحرية هو أن أمكن الراقصين من الحد الأعلى لموهبتهم» وتعلل ذلك بالقول: «ليس لديهم كل الوقت في العالم، أقصى ما لديهم هو عشرون سنة، وليس ممكناً أن ترضي كل الناس كل الوقت، ولكننا نحاول أن نعطي القدر الأكبر من الفرص الممكنة». وتبدو ميسون مرتاحة لإنتاج «الجميلة النائمة» من جديد حيث أنه بشكل أو بآخر عودة إلى إنتاج سنة 1946 الناجح حيث استخدمت كثيرا من ذات التصميمات التي استخدمت في العرض الأصلي، هروباً من الاتجاه الروسي الذي سلكه سلفها خلال السنوات القليلة الماضية، لتعود إلى اسلوبها المفضل في الرقص.

وتقول ميسون « بدون شك هناك فائدة من النظر إلى الوراء، وإن عمر فرقتنا من المنظور الأوروبي لا يزال صغيرا كفرقة كلاسيكية، وهناك قدر كبير من الإعلام يجب أن يوجه باتجاه الجمهور والراقصين على حد سواء، ليعرفوا أين تقع الجذور وما هو الشيء الذي أعطانا القدرة لنكون حيث نحن».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»