الألمان يمنحون اللحم طعم الشواء ورائحته من دون نار

شيّ اللحم من دون نار

TT

لا يختلف اثنان على أن شي اللحم على الفحم يمنح الطعام نكهة ورائحة خاصتين، تختلفان تماما عن طعم اللحم المسلوق أو المدخن أو المقلي. لكن العلماء يحذرون من خطر تراكم المواد المسببة للسرطان والتي تنتج عن تفاعل عصارة اللحم الحيواني مع الغازات المنطلقة عن الفحم المحترق. ولهذا يعمل منتجو الأغذية الألمان مع علماء التغذية على منح اللحم طعم ورائحة الشواء من دون الحاجة لتعريضه لنار الفحم. وهم بذلك يضربون عصفورين (مشويين) بحجر فحمي واحد: حماية معدة المستهلك من الأمراض السرطانية، ومنح الطعام، سواء كان لحما أو سمكا، رائحة الشواء المثيرة للشهية.

وذكر الباحث ديتريش ماير، من معهد كيمياء الخشب في هامبورغ، انهم يحاولون ردم الثغرة الصحية بين لذة تناول اللحم المشوي وبين المخاطر الناجمة عن عملية الشواء. ويبدو أنهم قد وجدوا الحل من خلال تجميع رائحة الشواء المنطلقة عن الفحم ومن ثم فصل الغازات الضارة عن غيرها. عملوا بعد ذلك على تكثيف هذه الروائح وتحويلها إلى سائل يمكن طلي أو قلي أو تبخير اللحم به بهدف كسبه رائحة اللحم المشوي اللذيذ. ويقول ماير انهم نجحوا بتحليل مكونات «أبخرة» الشواء، وفصل نحو 20 مركبا يشارك في منح اللحم المشوي رائحته وطعمه الخاصين.

تعود رائحة وطعم اللحم المشوي إلى المواد الكيماوية المتطايرة الناتجة عن سقوط «عصارة اللحم» (مزيج من الشحم والبروتين الحيواني والدم) على الفحم المحترق. وهي أساسا مواد من نوع الفينول ومركباته، وخصوصا مادتي جواياكول وسيرنجول. إلا أن عملية الشي، أي تساقط عصارة اللحم على الفحم، تؤدي أيضا إلى انطلاق 12 نوعا من المركبات العطرية متعددة الحلقات.

ويحذر العلماء على وجه الخصوص من المواد الأمينية العطرية السداسية الحلقات المسؤولة عن إكساب اللحم المشوي لونه الخاص. وأجرى الباحث هانز يورجن التمان، من معهد أبحاث المواد الغذائية السمية ببرلين، تجارب مختبرية تثبت خطر الأمينات العطرية السداسية الحلقات على صحة الإنسان. ويقول التمان إن هذه المواد، بتركيز عال يفوق تركيزها في اللحم المشوي، تسببت بإصابة الفئران المختبرية بسرطانات المعدة والأمعاء والكبد. ورغم الفرق الظاهر في التركيز بين المواد المختبرية والمواد الناجمة عن الشي، إلا أن الحذر واجب حسب رأي الباحث. وينطبق هذا التحذير أساسا على المرضى الذين تفرض عليهم أمراضهم اعتماد شي اللحم أكثر من غيره.

وحسب تصريح اوفة فوجل، من شركة «ريد أرو» الألمانية لصناعة الأغذية في بريمن (شمال)، فإن موادهم العطرية المستخلصة من دخان الشواء هي ليست مواد صناعية، وإنما طبيعية 100%، وخالية من المواد المسببة للسرطان. ويقوم خبراء الأغذية في الشركة في خلط خلاصة رائحة الشي مع نوع خاص من الزيوت النباتية بدرجة 500 مئوية بهدف إنتاج المادة الجديدة التي تعوض عن شي اللحم.

واستطاع الباحثون في الشركة، فصل المواد التي تمنح اللحم لون الشواء عن المواد التي تمنحه رائحة الشواء. فالمواد التي تمنح اللحم لون الشواء هي مركبات الديهايدز التي تحتاج إلى درجات حرارة عالية كي تترك لونها، أما المواد التي تمنح اللحم رائحة الشواء، فهي المواد الفينولية التي لا تحتاج إلا لدرجات حرارة قليلة كي تنطلق نحو الأنوف. وأنتجت الشركة حتى الآن عصارات نحو 200 نوع من الأكل وتنتظر موافقة السلطات الصحية الأوروبية كي تتوجه إلى معد الأوروبيين.

تعمل الشركة في ذات الوقت على تجربة العديد من أنواع الخشب المستخدم كفحم في الشواء بهدف الكشف عن أقل هذه الأنواع إطلاقا للمواد الأمينية العطرية السداسية الحلقات. وسبق للشركة أن عملت على تفحص مختلف أنواع خشبات القطع المستخدمة في المطابخ، وتوصلت إلى أن البكتيريا والفطريات لا تستطيع العيش طويلا على الخشبات المصنوعة من خشب شجر الأيك.