شرطة نيويورك.. مهمات بالطائرة لا على الأرجل

التجربة أصبحت مصدر إلهام للكثير من المدن الأميركية

TT

كان رجلا الشرطة في دورية عادية على الأقدام متوجهين صوب الجانب الغربي للخط السريع في «مانهاتن السفلى» حينما سمعا صوتا عبر الراديو الخاص بهما يقول «هناك لص سرق للتو شقة تقع في «سكِنْد أفنيو» وهو يركض هربا فوق سقوف المباني». كان العنوان بعيدا عن موقعهما بعدة أميال، وبالرغم من وجود عشرات المعوقات المرورية، تمكن الرقيب جون غولدن ورفيقه أن يصلا في أقل من دقيقتين إلى موقع الجريمة. أو في الحقيقة فوق الموقع نفسه.

إذ بفضل امتلاك دائرة شرطة نيويورك طائرات هليكوبتر من نوع بيل 412، تمكن الشرطيان من الوصول بهذه السرعة. وهذه الطائرات قادرة على التحليق فوق العمارات الشاهقة وتحمل على متنها عدسات كاميرا فيديو. وإذا كان الوقت ليلا، فإن مجساتها المزودة بالأشعة دون الحمراء قادرة على الكشف عما إذا كان اللص مختفيا بين أجهزة التهوية أم في مكان آخر فوق السطح. لكن في هذه الحالة اتضح أن اللص الهارب تمكن من الاختلاط بالازدحام.

وخلال التسعين الدقيقة اللاحقة رد الرقيب غولدن والمحقق ويليام لاباو على ما يقرب من ستة طلبات للمساعدة: طائرة مشتبه فيها تحلق فوق جزيرة ستيتن، حريق صغير بالقرب من خط جزيرة كروس السريع وتقارير من سائق زورق جلدي في محنة بالقرب من نصب الحرية.

ومع استخدام هذه المروحيات أصبحت دائرة طيران الشرطة أكثر صرامة في فرض القانون وفي الانتقال إلى نموذج آخر من توفير الأمن. فحاليا أصبح هناك رجال شرطة يتحركون جوا فوق المدينة ويقدمون نصائح لشرطة المرور من فوق لمطاردة المراهقين في المقابر ليلا أو نقل مسؤولي المطافئ الذين يريدون أن ينظروا إلى مشهد الحريق من الأعلى.

ومنذ 11 سبتمبر (ايلول) 2001 بدأت طائرات الهليكوبتر تلعب دورا أساسيا في منع وقوع العمليات الإرهابية. ومع ما تمتلكه المروحيات السبع العائدة إلى دائرة شرطة نيويورك من خرائط وتكنولوجيا متعلقة بالتنصت والتعقب، أصبح لها أن تحلق فوق محطات القطارات والمرافئ الخاصة بالشحن والمعالم البارزة التي قد تكون هدفا للإرهابيين. وأحيانا، ورجال الشرطة على ارتفاع عال أو يحلقون في الطائرات المعروفة باسم «الطائر الشبح»، التي يبلغ ثمنها 10 ملايين دولار والتي لا تحمل أي علامة تشير إلى أنها خاصة بالشرطة، فإن من هم على الأرض لا يظنون أنهم موضع مراقبة من الأعلى.

وقال تشارلس كامردنر نائب رئيس الدائرة، الذي يشرف على عمليات الطيران ومسؤوليات أخرى «كنا أكثر اهتماما بالمراقبة. لكننا الآن أكثر نشاطا في العمليات التكتيكية. إنه اسلوب شبه عسكري لمواجهة الإرهاب. نحن في هذه الأيام مدربون للتعامل مع أي شيء تقريبا».

وعلى الرغم من أن لوس أنجليس لديها ضعف عدد الطائرات مقارنة بنيويورك فإن المروحيات هنا أسرع واقوى وأنسب لنقل المدنيين من فوق سقوف المباني، وهي قادرة على عمليات الانقاذ البحري والقيام بعمليات مضادة للإرهاب حسبما قال المسؤولون. كذلك فإن نيويورك هي المدينة الوحيدة التي تمتلك وحدتها الجوية غواصين في حالة طوارئ لأربع وعشرين ساعة في اليوم.

ويبدو أن هذه التجربة في نيويورك أصبحت مصدر إلهام للكثير في عدد من المدن الأميركية. فالوحدات الجوية في فيلادلفيا وسان دييغو وسعت من استخدامها للمروحيات حسبما قال دانييل شوارزباخ رئيس «جمعية فرض القانون بواسطة المحمولين جوا» والطيار العامل مع دائرة شرطة هيوستن. وأضاف شوارزباخ «فتح 11 سبتمبر عالما جديدا للطيران. نحن نقوم بمهام لم نقم بها إطلاقا في الماضي. إنه وقت مثير». لكن ليس الجميع فرحين بفرض القانون عبر الجو. فالمعنيون بالحقوق المدنية قلقون من احتمال سوء استخدامها. وسبق أن وقعت حادثة ضمن هذا السياق حينما صورت مروحية شرطة خلال انعقاد المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري سرا زوجين يعيشان لحظات حميمة خاصة كانا موجودين فوق أحد اسطح مانهاتن.

وقالت دونا ليبرمان، المديرة التنفيذية لاتحاد الحريات المدنية في نيويورك، انها تشعر بالقلق حول الاستخدام المفرط لأجهزة الرقابة الجوية بصورة فعالة الى حد انها يمكن أن تصور عنوان هذه المقالة وهي تقرأ في المتنزه المركزي. واضافت «نحن نشعر بالقلق من امكانية استخدامها لمراقبة تحركات ونشاطات أهالي نيويورك او اعداد ملفات شخصية عن أناس لم يرتكبوا أي خطأ».

وقال مفوض الشرطة ان مثل هذا القلق مبالغ فيه. واشار في مقابلة معه «اننا غير قادرين، حتى اذا أردنا، على النظر في الفضاءات الخاصة. نحن ننظر في المجالات العامة».

وعلى الرغم من النظر اليها كوحدة خاصة فان شرطة الملاحة الجوية في المدينة هي تحت تصرف شرطة الدوريات الراجلة ممن يحتاجون الى مراقبة جوية. كما أنهم أيضا في خدمة المدعين القضائيين الذين يريدون صورة جوية لمشهد الجريمة او مفتش بناية يحتاج الى التفتيش في داخل مبنى محاط بأسوار. وخلال الاحتجاجات أو تصادم السيارات المسرعة يمكن تحويل الصور الى أي موقع قيادة على الأرض.

وقال الرقيب غولدن انه «يمكننا انقاذ افراد الشرطة من تسلق 16 طابقا للوصول الى السقف. فمنذ الوقت الذي يأتي فيه النداء يمكننا الوصول الى أي مكان في المدينة خلال 15 دقيقة».

وارتباطا بوجود اقرب محطة لخفر السواحل على بعد 125 ميلا عن المدينة الأطلسية فان الوحدة مسؤولة ايضا عن الممرات المائية في المنطقة المدينية وعلى بعد 25 ميلا نحو الأطلسي.

وفي قسم معروف بأناقة افراده الصارمين هناك 56 رجلا وامرأة واحدة يشكلون وحدة الملاحة الجوية وهو تشكيلة غريبة ممن يصفون انفسهم بعشاق التكنولوجيا.

والرقيب غولدن، البالغ 39 عاما، متشبث بالطيران الى حد أنه يقضي كثيرا من وقت فراغه في أجهزة موقع الوحدة حيث يتعلم الطيارون كيفية الطيران في الضباب الكثيف أو يختبرون براعاتهم في حالة حصول خلل في المحرك. وقال ان «الطائرات جذابة ايضا. ولكن عندما تشاهد التلفزيون فان كل الأشياء الجذابة يمكن ان تجرى بواسطة طائرة الهليكوبتر».

وفي منتصف الليل عندما تأتي النداءات طلبا للمساعدة يكون الطيارون والميكانيكيون يتسكعون حول غرفة الوحدة، وهي غرفة بدون نوافذ داخل حظيرة قديمة لطائرات خفر السواحل في «ميدان فلويد بينيت» ببروكلين مليئة بالأرائك المهملة والأشياء التذكارية الخاصة بالملاحة الجوية، ويوجد فيها جهاز تلفزيون غالبا ما يعرض برامج قناة ديسكوفري. وعندما لا يملأون الفراغات في سجل الطيران أو يعيدون تفتيش اجزاء طائرة الهليكوبتر، فانهم يتناولون الطعام الصيني او يعيدون مشاهدة مجموعة من أفلام الفيديو مثل «مهمة مستحيلة» أو «ملاحقات خطرة» أو «قتال في أو كي كورال».

ولكن نادرا ما يستكملون مشاهدة فيلم او تناول وجبة طعام دون ان تكون هناك مقاطعة. وخلال نوبة عمل أخيرا جعل صوت الأجراس الإلكترونية افراد الوحدة يركضون ست مرات فضلا عن قيامهم بمهمات الحراسة المنتظمة التي تتبدل نوباتها كل ساعة. وفي غضون دقيقتين كان الطيارون والطاقم المساعد وفريق مختص بالتنفس تحت الماء مكون من شخصين مستعدين بالزي الأزرق والأبيض وهم متجهون الى الطيران فوق خليج جامايكا. وانتهت المهمة، التي كانت استجابة لنداء عاجل من شخص يعتقد انه صاحب قارب يواجه مشكلة قرب فار روكاواي، الى ان تكون عملية لانقاذ قارب جذف متعلق بصخور.

وبعد ساعة من ذلك كان الرقيب غولدن والمحقق لاباو محلقين في الجو ثانية، وهما يقومان بجولاتهما فوق فيرازانو ناروز بريدج، وهي ابراج التهوية في نفق لنكولن وستة من خطوط السكك الحديدية المنتشرة عبر المدينة.

وقد حاما حول قمة مبنى امباير ستيت وفوق بي ريدج في بروكلين، وكانت طائرتهما تلقي ظلالها على المدارات الفيروزية لبحيرات السباحة الخلفية. وكان المستمتعون بالحمامات الشمسية على ساحل روكاواي يلوحون لهم وهم مستلقون على الرمال.

وربما أمكن التسامح مع الطيارين اذا ما بدوا مزهوين بأنفسهم في بعض الأحيان. وقال الرقيب غولدن وهو يحلق فوق ذرى منطقة مانهاتن «عندما كنت طفلا صغيرا كنت أعتقد أن افراد الشرطة غالبا ما يقومون بتقديم البطاقات، ولكن في صباي اكتشفت انني لم اكن على صواب».

* خدمة «نيويورك تايمز»