هيثم زكي لـ"الشرق الأوسط" : أديت دور «حليم» بشهامة والدي وانفعالات العندليب نفسه

يتمنى تمثيل شخصيتي بلال مؤذن الرسول وسعد زغلول.. وفاء لحلم والده

TT

هنا كان يجلس، وربما على نفس المقعد الذي أجلس عليه، وهناك في «الركن» البعيد كان يتناول طعامه، وفي هذه الغرفة تكدست الجوائز الكثيرة التي فاز بها من المهرجانات المحلية والدولية، لم يكن يهتم بها، قدر اهتمامه برد فعل الجمهور على أدائه، صور كثيرة في المكتبة وعلى جدران المنزل، بالتأكيد.. أعيد ترتيبها اكثر من مرة، ذهبت إلى منزله وأنا على يقين من أنني لن التقيه، لا لشيء.. إلا لأنه مات منذ عام، لكن عشت في أجواء حياته وتجولت في منزله.. ثم عدت إلى مقعدي أترحم على احمد زكي الذي أفني حياته في الفن لأنتظر ابنه هيثم الذي سار على نفس الدرب، وأثار ضجة بأدائه غير المتوقع في فيلم «حليم» ذلك الفيلم الذي شهد نهاية احمد زكي وبداية فنية قوية لابنه هيثم، تساؤلات كثيرة ربما جاء بعضها دفعة واحدة طرحتها على هيثم ليرد بنفس الهدوء الذي ظهر به في فيلم حليم، وفي الحوار... يرد هيثم على الشائعات ويدافع عن والده وعن المتربصين به والحاقدين عليه ويكشف زيف قلة من المنافقين.. وبشفافية تذكرنا بتلقائية والده تحدث هيثم لـ«الشرق الأوسط»:

> هل وفاة والدك.. جعلتك تتخذ قرارا فوريا بالتمثيل؟ ـ قرار التمثيل اتخذته قبل وفاة والدي، الذي كان يشجعني لأنه كان مقتنعا بموهبتي بصورة كانت تخيفني في أحيان كثيرة، لكنه نصحني بالا أمثل إلا إذا انتهيت من دراستي الجامعية، لكن ظروف فيلم «حليم» اجبرتني على خوض التجربة قبل انتهائي من الدراسة.

> هل رشحك والدك للفيلم قبل وفاته أم انه قرار المخرج شريف عرفة؟ ـ قبل وفاة والدي قرر المخرج شريف عرفة الاستعانة بي في الفيلم، وتمسك بي اكثر بعد وفاة والدي، لكنه اختبرني وكان صريحا معي عندما قال اذا وجدتك مناسبا فسوف استعين بك وان لم تكن مناسبا فلا داعي للاستعانة بك، واجتزت اختباره وكان سعيدا بي، واكد على قناعة والدي من قبل بانني اتمتع بموهبة كبيرة. > ألم تكن تشعر بموهبتك؟

ـ لم اكن اشعر بها، ووالدي هو الذي لفت نظري اليها، ولم اقتنع بكلامه الا عندما وقفت امام الكاميرا، ومشهد بعد الآخر بدأت اثق في نفسي.

> لماذا كنت محتدا عندما تحدثت قبل بدء العرض الخاص للفيلم في دار الاوبرا المصرية؟

ـ لأنني كنت مستفزا، فطوال الاربع سنوات الاخيرة في حياة والدي.. شاهدته يعاني بسبب الشائعات الكثيرة.. والدي كان متفرغا لفنه ولم يؤذ أحدا في حياته ولم يكن له في اللف والدوران، ومع ذلك هاجمه البعض وشتموه وروجوا ضده شائعات كثيرة تجرح اي انسان لديه احساس، والدي لم يكن يغضب من النقد، لكن الشائعات كانت توجعه.

> هل أوجعتك هذه الشائعات؟ ـ نعم، اوجعتني مثلما اوجعت والدي، فعندما كان يستمع لشائعة.. يعلو ضغطه ويثور ويذهب الى الطبيب، وكنت اعاني مثله لأنني اعرفه جيدا، وفي فترة مرضه كثرت الشائعات، حتى انني كنت اسقط على الارض مغشيا علي عندما استمع لشائعة وفاة والدي وهو على قيد الحياة، والشائعات طالتني في فترة مرض والدي، فقد روج البعض انني ابن عاق ومهمل في ابي، وبعد وفاته اشاعوا انه لم يكمل تصوير دوره في فيلم حليم، هؤلاء لا يعرفون شيئا.

> هل درست كيفية التعامل مع الشائعات عندما قررت الاتجاه الى التمثيل؟

ـ لا أخفيك سرا أنا مرعوب من مهنة التمثيل، وافكر حاليا الا استمر فيها، فصعب على الممثل ان يستمع لشائعات كثيرة ضده وفي الوقت نفسه عليه ان يبتسم ويبدو هادئا امام الناس حتى لو كان ينزف من الداخل، هذا شيء صعب.

> البعض قال إن هيثم ولد فنيا وفي فمه ملعقة ذهب؟

ـ سمعت هذا الكلام واوجعني، واقول لمن يرددوه «اذا كان هناك من يفقد امه وهو طفل ثم والده وهو في نفس عمري ويأخذ فرصتي فهنيئا له، لقد فقدت والدي وأخذت فرصة كبيرة وليتهما بقيا لي وذهبت مليون فرصة».

> ألم تشعر بالسعادة لو لبعض الوقت بسبب هذه الفرصة؟

ـ لمن لا يعرف اؤكد ان دوري في فيلم «حليم» كارثة وليس نعمة او فرصة، فلو كان هناك ممثل دخل الفن من اجل المال والشهرة والعلاقات مع الحسناوات.. ففرصة مثل حليم ممتازة بالنسبة له، لكن لو ان ممثلا مثلي يريد ان يسير على درب ابيه ويقدم فنا جادا فالدور بالنسبة له كارثة لان عليه ان يقدم ادوارا بنفس الجودة في افلام كبيرة مثل «حليم».

> كيف حضرت للدور؟

ـ اعتمدت على احاسيسي ولم أحضر للدور جيدا، لأنني لم أعاصر عبد الحليم حافظ بأفراحه وأحزانه وانكساراته، ولم اره بعيدا عن الفن، لقد شاهدت عبد الحليم ممثلا ولا يمكن ان أستقى معلوماتي عنه من خلال الشاشة، لذلك اعتمدت على احاسيسي.

> كيف عاش عبد الحليم بداخلك اثناء التصوير؟

ـ أحببت عبد الحليم وتعاطفت معه ورغم انه كان يلجأ احيانا للمراوغة لكنه لم يؤذ احد وكان هذا الأسلوب وسيلة دفاعه عن نفسه ضد المتربصين به.

> أين كان والدك منك عندما وقفت امام الكاميرا لتصور اول مشهد؟

ـ كان بجانبي، أراه شاخصا امامي، اول مشهد صورته كان لعبد الحليم وهو في فراش المرض، كنت اشعر بأنفاس والدي بجواري يشجعني ويحفزني، خاصة انه كان يقول لي.. ستكون احسن ممثل في العالم.

> لماذا توقفت لحظات قبل التحدث مع جمهور العرض الخاص في دار الأوبرا؟

ـ كنت متوترا، انتظر ردة الفعل، كما انني لم اكن اعرف ماذا اقول، خاصة انني اخاف من مواجهة الجمهور، والكاميرا تجعلني اكثر توترا، ومع كل هذه الانفعالات كان علي ان اكون هادئا مبتسما.

> إلى أي الشخصيتين انحزت اثناء التمثيل، احمد زكي ام عبد الحليم حافظ؟

ـ رغم انني اميل اكثر الى شخصية والدي في الانفعال، الا انني مثل عبد الحليم حافظ.. اختزن بداخلي ويتهمني البعض احيانا بأنني مراوغ ولا أثور مثل عبد الحليم.

> هل أرضاك رد فعل الجمهور في العرض الخاص؟ ـ رغم انني اعرف ان جمهور العروض الخاصة مجامل في احيان كثيرة، فإني لمحت الاعجاب في عيون الناس، وأنا مؤمن بمقولة روبرت نيرو «ان الممثل يجب الا يستمع لعبارات المدح ولا يصدقها، وعليه فقط ان يركز في عيوبه على الشاشة».

> هل بكيت عندما شاهدت الفيلم؟ ـ بكيت في مهرجان كان عندما عرض الفيلم لكن شعرت بالندم لأن بعض القنوات الفضائية صورتني، احب الا يرى احد دموعي، حتى عندما وقفت لأستقبل عزاء والدي لم ير احد دموعي، كنت اريد ان أثبت للجميع ان احمد زكي أنجب رجلا، وفي الاوبرا.. هربت من البكاء، ودخلت الكواليس، لأن مشكلة سقوط عبد الحليم على المسرح تبكيني كلما شاهدته.

> ما المشهد الذي أرهقك في التصوير؟

ـ مشهدان كنت اخاف منهما.. الاول المشهد الذي ينزف فيه عبد الحليم ثم خشي من ان ينتقل مرضه للآخرين فأمسك بالشوكة والسكين حتى لا يستخدمهما احدا، والثاني هو المشهد الذي يودع فيه عبد الحليم حبيبته جيهان بعد وفاتها، ورغم خوفي من المشهدين إلا انهما كانا الافضل وصفق لهما الجمهور.

> هل أصبح لديك احلام فنية؟

ـ نعم انها نفس احلام والدي كان يحلم بتجسيد شخصيتي سعد زغلول، وبلال مؤذن الرسول، لكن لم اصل بعد الى مرحلة تجويد مثل هذه الشخصيات، وما يشغلني حاليا هو الفترة المقبلة لأني قلق جدا، ولذلك سوف استشير الكثيرين الذين اثق فيهم قبل الموافقة على اي دور.

> ما الفيلم الأقرب الى قلبك من جملة افلام والدك؟

ـ فيلم الهروب. هذا الفيلم مستعد لأن أشاهده عشر مرات في اليوم، فهذا النموذج يعجبني، الرجل الصعيدي الذي يبدو قويا وبداخله قلب ابيض. > ماذا عن علاقتك بأصدقاء والدك؟ ـ علاقتى بهم جيدة، لكن الفارق في السن بيني وبينهم يحول دون الجلوس معهم كثيرا، لكنهم يزورونني وأزورهم. > هل كشفت زيف بعض من اصدقاء والدك بعد وفاته؟

ـ نعم اكتشفت النفاق والمزايدة من البعض منذ ان نام والدي طريح الفراش بسبب المرض، اكتشفت قلة بأكثر من وجه، نافقوا والدي ثم نافقوني، هؤلاء اتقزز منهم ولا اريد ان اراهم.

> كنت مصرا على ان تكون تحيتك للجمهور بعد العرض الخاص بنفس تحية والدك؟ ـ هذه التحية خرجت مني بعفوية شديدة، ربما بسبب الجينات، كنت منفعلا ومتوترا ولا اعرف ماذا افعل، ونفس التحية قدمتها في احد مشاهد الفيلم، لكن شريف عرفة رفضها.

> ما الذي استفدته من احمد زكي؟ ـ حبه للناس واخلاصه لهم وللفن، وعدم الانكسار امام ازمات تكسر اقوى الرجال، والدي كان رجلا شهما محبا للحياة.