سوداني جمع مليوني دولار من مقاهي «نايتس بريدج» و«الشانزليزيه».. ومات

الدمام: متعب البدين

TT

سيفتقد السياح الخليجيون القاصدون مدينتي لندن وباريس، هذا العام السوداني الطيب علي ادريس، الذي عودهم دائما على حجز الطاولات والكراسي في أرقى المقاهي في المدينتين، التي تعج دائما في شهر يوليو واغسطس من كل عام بالزائرين من دول الخليج. فقد توفي الطيب علي ادريس قبل نحو ثلاثة اشهر تقريبا، إثر ألم في القلب لم يمهله طويلا.

ولا يتوقع زائر شارع «نايتس بريدج» أن عمل ذاك الرجل الأفريقي السحنة الذي يراه السياح دائماً في أرقى المقاهي والمطاعم في الشارع ذاته، هو الجلوس الى طاولة لا يتناول عليها طعاماً ولا قهوة وانما لـ «حجزها». فقد يعتقد كثر من زائري الشارع أن الرجل ذو مكانة رفيعة في بلده وهو سائح في زيارة الى مدينة الضباب.

لكن من يتحدث الى ذاك الرجل، وقد اجري هذا الحديث معه قبل وفاته، يصاب بـ«صدمة» عندما يكتشف أن جلوسه على طاولة هو عمله الموسمي الذي يقوم به منذ 15 عاماً منذ ان قدم من السودان. وتتوالى «المفاجآت» في سيرة الرجل الذي يدعى الطيب علي ادريس ، 56 عاماً، الذي قادته الصدفة الى هذا العمل وجني منه ثروة تربو على المليوني دولار. الحديث مع الطيب رده الى حنين البدايات فلم يتوان عن سرد قصته التي بدأت في فندق «غروفنر هاوس» القابع على شارع «بارك لين» المشرف على حديقة «هايد بارك» الشهيرة.

في عام 1988 كان الطيب منتظراً رب عمله السعودي في بهو الفندق المزدحم. لم يشعر عندها أنه «محظي» بجلوسه الى طاولة وحيداً، والناس يتنافسون على الحصول على كرسي. قال له رجل خليجي كان يجلس الى طاولة مجاورة له: «أريد الذهاب الى دورة المياه وأخشى أن يأخذ أحد طاولتي هل تحجزها لي وتطلب من أي شخص يدنو منها أنني عائد في دقائق؟». قال له الطيب: «نعم». فقام الرجل ونقد الطيب 5 جنيهات ثم ذهب الى الحمام... في تلك اللحظة لمعت للطيب فكرة الافادة من الجلوس في المقهى وقتاً طويلاً منتظراً كفيله السعودي، فراح يسأل كل من يراه باحثاً عن طاولة «هل تأخذ طاولتي في مقابل 5 جنيهات؟»، وبالطبع لم يكن «الزبون» يتردد خصوصاً أن الآتين سياحة الى لندن من البلاد العربية لا يحبون الانتظار ولم يعتادوا على الوقوف في «الصف» كما هي حال الأجانب. وكان يجني الطيب من هذا العمل نحو 60 جنيهاً يومياً حتى نهاية الصيف والعودة الى السعودية حيث كان يعمل في منطقة الحدود الشمالية الشرقية.

في العام التالي سأل الطيب كفيله «ألن نذهب الى لندن هذا العام» فأجابه بالنفي، ما أحزنه ودفعه الى الاستقالة والذهاب مباشرة الى بلده السودان ومن ثم الى لندن وتفرغ لعمله «حاجز طاولات» من الصباح الى المساء. عرفه في تلك الفترة معظم العاملين في المقاهي والمطاعم خصوصاً أنه راح يعطي بعضهم نقوداً ليساعدونه في حجز الطاولات وأن يضعوا على بعضها ورقة خط عليها «محجوز».

توالت السنوات وتطور العمل والجنيهات الخمسة أصبحت خمسين في مقابل الطاولة الواحدة، وكذلك وسع «تجارته» جغرافياً، وراح يمضي في لندن شهري تموز (يوليو) وآب (أغسطس) ثم ينتقل الى فرنسا نحو 20 يوماً ويقوم بالعمل نفسه.

أصبح الطيب معروفاً لدى كثر من «الزبائن» وراحوا يتصلون به ليؤمن لهم حجزاً مبكراً، حتى ازداد الطلب عليه فراح يستعين بأفارقة يأتي بهم ويجلسهم طوال النهار الى طاولات في مقابل «كباية شاي» تقدم على حساب الطاولة. ومنذ عام 1990 وحتى وفاته اصبح الطيب يقصد لندن ومعه ستة أشخاص من الخرطوم، ويسكنهم في شقة خارج لندن وراح يوزعهم على المقاهي ويرسل الزبائن بناء على رغبتهم، الى الأمكنة التي حجزها رجاله، ويقول للزبون «في المطعم الفلاني تجلس مكان فلان وتعطه 50 جنيهاً». وتعرف الطيب خلال عمله الى أناس ذوي مكانه وأثرياء.

واللطيف أنه كان يستثمر الأموال التي يجنيها في لندن صيفاً في مصرف في الخرطوم شتاءً حتى بلغت ثروته نحو مليوني دورلار. أما الذين يعملون لديه فيستمتعون بشهرين في مقاهي لندن و20 يوماً في مطاعم باريس... ويعودون بعدها الى الخرطوم بذكريات «جميلة» وجنيهات اضافية.