العنف والقسوة والجنود القدامى

مسرحيات شكسبير هذا الصيف

TT

يموتون عادة بطريقة عنيفة، وغالبا ما يكونون متحمسين للموت. لكن الجنود القدامى لا يختفون أبدا من عالم ويليام شكسبير. فهم يسقطون من أمجادهم العسكرية تحت لمعان الشموع الرومانية متوقدين ناثرين التهديدات في كل مكان وممزقين الهواء بصخب. هذه هي الأدوار الأكثر بريقا، ما بين زمني هاملت والملك لير، ضمن إنتاج شكسبير الواسع. وفي عرض «انتوني وكليوباترا»، حيث يؤدي باتريك ستيوارت شخصية انتوني، تسلط آلام الموت الرهيبة ضوءا على مسرحيات شكسبير، التي تقدم حاليا في هذا الصيف. إضافة إلى ذلك فإنه ضمن دراسة ستيوارت للقوة المتضائلة تحت تأثير كليوباترا الخبيثة، التي تؤدي دورها هارييت والتر، يقدم موسم شكسبير في هذا الصيف، تأويلا مختلفا لصورة الشخصية الأكثر تجهما لصانع الحروب «تايتوس أندرونيكوس»، وكانت فرقة نيناغاوا اليابانية قد قدمت إلى مدينة شكسبير، سترادفورد وقدمت 10 عروض لهذه المسرحية، وفي مسرح غلوب اللندني يقدم حاليا عرض آخر لنفس المسرحية.

وتشريح الأعضاء ليس بدنيا فقط. فإضافة إلى التحدث عن طرائق نزع الجلد عن الجثة فإن «تايتوس» تشرّح تأثير كلمة ما حيث يكون القتل والتعذيب أحداثا تجري كل يوم، خصوصا على أولئك الذين عملهم هو القتل. ومع دوغلاس هودج (على مسرح غلوب) وكوتارويوشيدا (لفرقة نيناغاوا)، فإن هناك تكاملا على مستوى عرض شخصية مشبعة بروح الانتقام، وكلا الانتاجين يلخصان تلك الفترة الانتقالية الخاصة في حياة رجال عاشوا في خدمة السيف.

تثير التحقيقات الجارية حول مزاعم الاغتصاب وقتل المدنيين غدرا على يد جنود أميركيين في العراق، إحساسا بأن تقديما لهذه المسرحية، وبأكثر من إنتاج، يثير مقارنة بين هذه الأحداث وما تطرح المسرحية. ويبدو أن دومينيك درومغول مدير مسرح غلوب الفني الجديد سيبدأ أول موسم له بمسرحية «تايتوس»، كذلك سيقدم مسرحية شكسبير العنيفة الأخرى «كوريولانوس»، حيث يتعلم البطل المغرور على يد أمه حكايات القتال الدموية.

جاءت كتابة شكسبير لمسرحية «تايتوس اندرلونيكوس» ضمن سلسلة مآسي انتقام سادت في نهاية القرن السادس عشر وهي شهيرة بتقطيع الأجساد على خشبة. وعرض مسرح «غلوب» لهذا العمل مملوء بالدم ودمى تشبه رؤوسا وأذرعا مقطوعة، بينما يستعير عرض فرقة نيناغاوا اليابانية أسلوب بيتر بروك الخاص، حيث يسود التجريد على المسرح فهما أشرطة حمراء تمثل الدم بدلا من تقليده.

لكن كلا الانتاجين يقدمان التعقيد السيكولوجي المثير للاضطراب للشخصية التي تحمل عنوان المسرحية. فمن اللحظة التي يدخل فيها إلى الخشبة بعد عودته إلى روما هناك عدد من السجناء معه. ويبدو واضحا أن تايتوس هو شخص أصبحت ردود فعله انعكاسات شرطية لكل جوانب حياته كجندي مقاتل.

يعكس هودج الذي يلعب دور تايتوس ما يتميز به الأخير في كونه معنيا بالفعل أكثر من الكلمات، وهي وسيلته للتواصل. ويبدو خطابه بطيئا ومترنحا ويتوهج وجهه كأن هناك دائرة كهربائية صغيرة في رأسه تقوم بحساب كل الحبكات السياسية في بلاط روما الملكي. والحياة التي يعرفها هي حياة إصدار أوامر مباشرة وسلسلة حديدية من الأوامر. وحينما تقع في حياة أسرته سلسلة من الفظائع يجبر تايتوس كي يدرك أن هذه السلسلة الملكية فاسدة. ويبدو أن هودج يمر بحالة تفجر داخلي في أداء دور «تايتوس». ويتطلب العنف الخاص بسلوكه وتفجعه مناخا عبثيا للضراوة والمرح.

لكن العرض الياباني لمسرحية «تايتوس» أكثر اتزانا وطقوسية وتشير إلى بطل ساموراي مسن يحارب في معركته الأخيرة. لكن شعور الشخصية المتطرفة التي تقف عند حافة التفكك شديد الرهافة هنا. وبمزج كلا العملين معا يتولد شعور مماثل لشعور الملك لير الذي أصبح العالم بالنسبة إليه خاليا من الرحمة، حيث الناس يطلبون الرحمة والآذان صماء.

أما في إنتاج فرقة شكسبير الملكية فيسود مناخ أكثر تحضرا للقسوة في انتاجها الجديد لمسرحية «انتوني وكليوباترا»، التي أخرجها غريغوري دوران وهي مثل «تايتوس» يسودها مناخ يعكس عطش القادة العسكريين للسلطة والهيمنة.

وعبقرية الممثل ستيوارت الذي تقمص شخصية انتوني يعكس ذلك الشعور باختفاء تدريجي لقوته. إنه كان يعي بهذا التقلص لسلطاته. بالمقابل يتحقق نمو متصاعد للشاب اوكتافيوس (الذي يؤدي دوره جون هوبكينز). بالمقابل تؤدي والتر دور كليوباترا المرأة الذكية والعارفة بالسياسة. وقد تكون هي نفسها تخلق دراما من حياتها لكنها أيضا قادرة على حفظ نفسها من الخطر حتى في الموت. ويبدو مناسبا اعتبار انتحارها نوعا من حفظ صورتها من التخريب في حالة وقوعها أسيرة أكثر من أن يكون فعلا بطوليا بسبب الحب.

*خدمة «نيويورك تايمز»