مصطلحات السياسة تسيطر على ألعاب الصغار

الشباب اللبناني يتخلى عن الإنترنت ليخوض غمار العمل الإنساني والاجتماعي

TT

لم يستطع مروان تمالك نفسه بعد مشاهدته ريبورتاجا متلفزا عن معاناة النازحين منطقة الضاحية الجنوبية لبيروت، القابعين في زواريب مواقف السيارات وصفوف المدارس، لا يجدون ما يغطون به اجساد اولادهم الطرية. فهب منتفضا يتصل بأصدقائه وأبناء جيرانه في حي الجميزة المتاخم لوسط بيروت طالبا منهم ان يتوجهوا معه الى المدارس الرسمية في منطقة الأشرفية للوقوف على حاجات النازحين اليها وتجميعها من اهالي الحي الساكن فيه لتوزيعها عليهم والتخفيف من معاناتهم.

ومروان ليس الوحيد بين ابناء المنطقة الشرقية الذي تأثر بوضع النازحين، اذ ان غالبية الشباب اللبناني استنفرت طاقاتها للوقوف الى جانب الوافدين مناطق القصف ومساندتهم.

فإثر حالة النزوح التي تعرض لها اهالي بيروت انشغل شبابها عن اهتماماتهم اليومية التي كانت تصب بمعظمها في اجهزة الكومبيوتر ولا سيما بالإنترنت الذي كان يسرقهم لساعات طويلة من الالتفات لأهاليهم او لدروسهم.

ولعل المنازل التي استأجرها النازحون او المدارس التي لجأ البعض اليها هربا من شدة القصف وصولا الى المناطق الجبلية التي قصدوها، قد غاب عنها التطور التكنولوجي فراح الشباب المتحمس يبحث عن امور اخرى تساهم في تمضية الوقت بشكل فعال ما يجعله يواكب الفترة التي يعيشها حاليا بأعمال مفيدة.

فقد تطوع عدد لا يستهان به من هؤلاء الشباب في مراكز وأحزاب وجمعيات تعمل في الشأن الانساني والتي انشأت مراكز نقالة لها من شأنها الاهتمام بالنازحين في المدن الساحلية والجبلية.

وابدى نقولا سعادة وهو طالب جامعي حماسته الكبيرة تجاه هذه الاعمال التي يمارسها متنقلا بين المدارس الرسمية في جونيه وجبيل والتي قربته اكثر فأكثر من الناس وجعلته يتعرف الى معاناتهم. اما باتريسيا مشعلاني التي تركت منزلها في عين الرمانة وقصدت مع اهلها منطقة كسروان فقد اخذت على عاتقها توزيع الخبز والطحين والحبوب على النازحين في المنطقة والموجود بعضهم في خيم او فنادق مهجورة ومهدمة جزئيا.

وحاول بعض هؤلاء الشبان اضفاء اجواء اللهو والتسلية على الاولاد الذين افترشوا وذويهم القاعات المدرسية فراحوا يرسمون لهم على الالواح المتصدرة كل صف رسوما طريفة بواسطة الطبشور ويكتبون لهم عبارات تدعو الى حب الوطن ويقصون عليهم حكايات قصيرة.

ولوحظ طغيان المواضيع السياسية على معظم الاحاديث الشبابية، الا انها تلونت بعبارات وكلمات مستوحاة من لغة الحرب مباشرة، فصار الصديق يهدد صاحبه بان لا يتخطى «الخط الازرق» معه، فيما كان في الماضي الاحمر هو الذي يعني الخطر. وصار الزوج يعيّر زوجته بعصبيتها المتزايدة مشبها اياها بصواريخ «رعد ـ 2» لشدة قوتها. اما الاخوة الذين اختلطوا مع ابناء خالاتهم وأعمامهم في المنزل الواحد اثر لجوء الناس بعضهم الى بعض، فقد طالت احاديثهم السياسية لتصبح ساخنة احيانا مما يستدعي التدخل السريع من جانب امهاتهم. وهذا ما سمي «الغارات المفاجئة» من اجل «وقف اطلاق النار» الكلامي بينهم.

وطغت الحرب ايضا على نوعية الالعاب التي يمارسها الاولاد في المواقف العامة كحديقتي الصنائع والسيوفي، وتتضمن مسابقات في بناء اسرع الجسور من الخشب او ورق اللعب او الاراجيح التي ربطوها ببعضها البعض بحبال من النايلون يستعملها اهلهم لنشر الغسيل...

وفيما كانت لعبة الحرب المفضلة لدى الاولاد الذكور تدور بين جيمس بوند وتوم كروز بطل افلام «المهم المستحيلة»، فإنها اتخذت اليوم اسماء اخرى بينها «المقاومة» و«حزب الله» و«اسرائيل» متخذين من المعلبات الفارغة قذائف وصواريخ يتراشقون بها معلنين بداية القصف العشوائي.

اما الفتيات الصغيرات فثابرن على لعبة «بيت بيوت» ولكن هذه المرة بدون الدمية الشهيرة والمفضلة لديهم «باربي» بل حاملات هواتف نقالة هي عبارة عن اقلام او ملاعق بلاستيكية للتهاتف وتقليد الكبار وهم يطمئنون اهاليهم الى احوالهم.