«حمى المقاطعة» تعود مجددا.. تؤججها الشائعات

رسالة إلكترونية تندد بناد ليلي أميركي على شكل الكعبة.. لا وجود له في الواقع

TT

كيف تعرف أنك تعيش وسط أزمة أو حرب في العالم العربي؟ حسنا.. هناك «حزمة» من المؤشرات التي ترافق كل حدث من هذا النوع، والتي يمكن تلخيصها بالشكل التالي: أولا، تنطلق خطابات التنديد والاستنكار ومظاهرات حاشدة في عدة بلدان، ومطالبة بقطع العلاقات مع الغرب (وفي حالة بعض الدول العربية قطع العلاقة مع اسرائيل) وتتضمن المظاهرات عادة حرق اعلام لبلدان غربية. ثانيا، يبدأ حديث رسمي عن «قمة طارئة».. قد تعقد او لا تعقد في نهاية الأمر. ثالثا، يطلق الفنان المصري شعبان عبد الرحيم أغنية جديدة يشتم فيها الشخصية الشريرة التي برزت مؤخرا.. وفي حالة العدوان الاسرائيلي الأخير على لبنان تكون هذه الشخصية هي رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت، بعد أن كان «شعبولا» (كما يعرف شعبيا) شن هجوما غنائيا على رئيس الوزراء السابق ارييل شارون، و«بتوع العجول» (الشعب الدنماركي) اثر أزمة رسوم الكاريكاتور الدنماركية التي اعتبرت مسيئة للاسلام في العام الماضي. أخيرا وليس آخرا، يمتلئ صندوق بريدك الالكتروني بمئات الرسائل التي تدعو للانضمام للحملات المختلفة، أو التصويت لصالح قضية ما في موقع إخباري او سياسي بارز كموقع قناتي «سي.إن.إن» أو «بي.بي.سي»، اضافة بالطبع إلى ارسال قائمة من المنتجات والماركات «الواجب» مقاطعتها. وتظهر الأزمات الأخيرة التي عاشتها المنطقة، ان حملات المقاطعة تنشط دائما بفعل أي تصعيد او توتر، وباستثناء الأشخاص الذين اختاروا العيش مقاطعين باستمرار، فإن «المقاطعة الشعبية» نشطت خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية وحصار الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات عام 2002، وتكررت مجددا في حرب العراق عام 2003، وعادت لتظهر بشكل اكبر في «أزمة الرسوم الكاريكاتورية» الأخيرة، حيث نتج عن الأزمة حملة مقاطعة ضخمة للمنتجات الدنماركية في العالمين العربي والإسلامي (اضافة الى المؤشرات الثلاثة الأخرى.. بالطبع). ولا يتطلب الأمر الكثير من الجهد، أو حتى قراءة هذا الموضوع، لمعرفة ما هي المنتجات «الواجب» مقاطعتها اثر التصعيد الأخير في المنطقة، فالمنتديات والرسائل الالكترونية غير مقصرة في التعريف بها. وفيما يعتبر البعض أن خيار المقاطعة، هو طريقة حضارية وسلمية لاتخاذ موقف ما من بلد معين، وذلك بغض النظر عن الآثار السلبية لمثل هذا الخيار على الاقتصاد المحلي، إلا ان الكثيرين يغفلون عن أن نسبة كبيرة من الشركات تتم مقاطعتها باعتبارها ذات «أجندة معادية للإسلام» أو «داعمة لاسرائيل» من دون دليل أو برهان.. وأحيانا يتم الاستناد الى معلومات خاطئة أو غير موثقة مصدرها الانترنت. تعلق أستاذة الإعلام، ومديرة «معهد الصحافيين المحترفين» في الجامعة اللبنانية الاميركية، ماجدة أبو فاضل بقولها «خلال فترات الحروب والنزاعات، يرتفع مستوى الخطاب والفعل اللاعقلاني بنسبة كبيرة.. لذلك إذا لم يكن الأمر موثقا بشكل مناسب، فإنني أتوخى الحذر الشديد قبل أن اقر بمصداقيته». ومن أبرز الرسائل الالكترونية التي تم تناقلها بكثرة مؤخرا، واحدة تحوي نصا يفترض أن رئيس شركة مقاهي «ستاربكس» هاورد شولتز كتبه في 11 يوليو (تموز) الحالي على موقع «زيوبيديا» الإلكتروني الذي يعرف نفسه بأنه يتناول «كل ما يخص الصهيونية». ويشكر شولتز في نصه المفترض «الزبائن المخلصين» الذين يساهمون بكل كوب قهوة يبتاعونه من شركته في دعم اسرائيل، وذلك لكونهم استطاعوا «جمع مئات الملايين من الدولارات التي خصصت لمساعدة الاسرائيليين على حماية أنفسهم من الهجمات الارهابية، وتذكير كل يهودي في أميركا بضرورة حماية اسرائيل». وفيما تتلقى شركة «ستاربكس» آلاف الشتائم عبر رسائل الإيميل، فإن كثيرين لم يكلفوا أنفسهم عناء تصفح موقع الشركة الرسمي، الذي خصصت فيه زاوية تحمل اسم «الرد على الاشاعات». وفي هذه الزاوية نص يقول «قد تكون رأيت اشاعة او تعليقا على احد المواقع الالكترونية متعلق بهوارد شولتز، ستاربكس والجيش الاسرائيلي. هذه الاشاعة والتعليق الالكتروني غير دقيقتين حقائقيا... فلا يمول أو يدعم أي من ستاربكس او هاورد شولتز الجيش الاسرائيلي. ستاربكس هي شركة غير سياسية ولا تدعم الأهداف السياسية الشخصية».

وحاولت «الشرق الأوسط» الاستفسار أكثر حول خلفية هذا الموضوع من الشركة عبر الاتصال بمقرها الرئيسي في الولايات المتحدة، إلا أن مديرة ادارة الشؤون المؤسساتية فاليري اونيل، اوضحت في رسالة الكترونية ان الشركة ستكتفي بما نشرته على موقعها، مضيفة «المنشور على الموقع هو موقفنا الحالي تجاه هذه القضية». يذكر أن «ستاربكس» أعلنت مؤخرا أرباح الربع الثاني من السنة المالية الحالية تقدر بـ1.9 مليار دولار، وانها تنوي متابعة خطتها بافتتاح 1800 فرع جديد حول العالم، بنهاية السنة المالية الحالية، فيما قدر تقرير صحافي نشرته «الشرق الأوسط» مؤخرا، حجم سوق الـ«كوفي شوب» في السعودية وحدها بـ15 مليار ريال سنويا. على خط مواز، تتحدث رسالة الكترونية أخرى يتم تناقلها بكثرة عن بناء «ناد ليلي ومحل لبيع الخمور» على شكل مبنى الكعبة في مدينة نيويورك الأميركية. الرسالة تستند الى خبر منشور في منتديات الأصولية العربية، ويعتبر مرسلوها ان فيها «صفعة جديدة للمسلمين واستهزاء برموزهم»، وهي تأتي مرفقة بصورة للمبنى الأسود اللون، وهو قيد الانشاء مضيفة ان اسم الملهى سيكون «ذا آبلز مكة» (تفاحة مكة)، وانه سيخصص لـ«الحج الترفيهي» بحيث يحج اليه الساهرون للشرب واللهو طوال الليل.

وبالقليل من البحث على الانترنت عن «تفاحة مكة» يتبين أن المحل المقصود هو ليس ناديا ليليا أو مرقصا.. وإنما متجر نيويوركي تابع لشركة «آبل».. أما المفاجأة الأخرى فهي انه المكعب العملاق ليس سوى مدخل المحل الذي صمم ليكون معلما في نيويورك، كما انه ليس أسود اللون على الاطلاق وانما مصنوع بالكامل من الزجاج الشفاف. ويوضح ستيف دولينغ من ادارة العلاقات العامة في شركة «آبل» بالولايات المتحدة، بأن المتجر تم افتتاحه بالفعل في 19 مايو (أيار) الماضي في جادة «فيفث افنيو» بنيويورك. ويضيف بيان لـ«الشرق الأوسط» من شركة الكومبيوتر والتقنية العملاقة بأن «أهالي نيويورك ابدوا استقبالا ايجابيا كبيرا للمتجر الجديد منذ افتتاحه.. وقد لفت انتباهنا ان بعض المدونات الإلكترونية الشخصية نسبت اليه لقب «مكة»، فيما آخرون لاحظوا خلال عملية البناء والتحضير بأن مدخل المتجر يشبه في شكله مبنى الكعبة.. لأن الزجاج كان مغطى بطبقة حماية سوداء اللون (قبل التدشين)».

ويضيف البيان ان شركة آبل لم تعرف متجرها الجديد او تطلق عليه اسم «مكة» على الاطلاق، وأضاف «لم نحاول ان نجعل شكل مدخل المتجر مشابها لشكل الكعبة.. نحن نحترم كافة ثقافات وديانات الناس، ونأسف إذا ما كانت التعليقات التي اطلقها هؤلاء المدونون المستقلون قد اساءت لأي أحد». من جهة ثانية، تجدر الاشارة إلى انه هناك ناد ليلي في أميركا يحمل اسم «مكة» بالفعل، ولكنه ليس على شكل الكعبة كذلك، ومقره في مدينة ميلواكي. يذكر أن كلمة «مكة» قد تستخدم في اللغة الانجليزية للدلالة على أي مكان يشهد تجمعا كبيرا من الأشخاص، كأن يقال بأن مدينة معينة هي «مكة» لرجال الأعمال مثلا، وفي ذلك تشبيه بما تشهده العاصمة المقدسة للمسلمين من ازدحام في اوقات الصلوات وموسمي الحج وشهر رمضان. وتعود مديرة «معهد الصحافيين المحترفين»، ماجدة أبو فاضل، لتعلق «الانترنت هي مكان مليء بالمعلومات المفيدة والمثيرة للاهتمام.. وقد لفت انتباهنا الى الكثير من انتهاكات حقوق الانسان وأهوال الحروب التي ما كانت لتظهر في الإعلام الغربي المخدر.. إلا انها (الانترنت) في نفس الوقت تعرضت لإساءة الاستخدام من قبل أناس يعملون لمصلحة قضاياهم المختلفة... لذلك فإني أخذ مساعي الترويج او التمويل للقضايا السياسية بالكثير من الشك».