«الندابات» موروث فرعوني لأحزان المصريين ما زال مستمرا حتى الآن

صورهن منقوشة على جدران المعابد

TT

اذا كان هناك إجماع على أن المصريين يحبون الفكاهة والتنكيت بوجه عام، فانه من المؤكد أيضا أن الشعب المصري عموما وأهل الجنوب على وجه التحديد كانوا من أشد الناس تقديسا للاحزان والمصائب، حتى انهم صاغوا لها عددا من الطقوس التي عرفها الفراعنة القدامى وحافظ عليها أحفادهم حتى يومنا هذا. ومن أشهر طقوس الاحزان لدى المصريين كانت «الندابة» التي قد لا تكون لها اي علاقة بالشخص الذي توفيَّ ولكن يتم تأجيرها للحضور الي مكان العزاء فتصيح وتبكي بكل جوارحها وكأنها واحدة من أقارب المتوفى.

والندابات موروث شعبي مصري يرجع تاريخه لعهد الفراعنة؛ ففي مقبرة «راموزا» ترى صورة تتكرر حتى الآن في جنازات الموتى في مدن صعيد مصر ولم تتغير طوال أكثر من أربعة آلاف عام، وكأنها تحدث اليوم حيث تسير الندابات بالدفوف في قلب الجنازة تعبيرا عن الحزن الشديد.

ومما يؤكد أنها كانت منتشرة بالأقصر أكثر من سائر أقاليم مصر انه يوم وفاة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، ضربت الندابات بالأقصر بالدف في هذه المناسبة وتعجب الاجانب من ذلك السلوك، متسائلين كيف يُضرب الدف في الجنازة حيث في العادة يُستخدم الدف في الفرح. والى جانب كون هذه العادة موروثا فرعونيا، فان بعض النساء يعتبرنها فرصة للبكاء بصوت مسموع على جراح من القهر والظلم لا يستطعن أن يبكينها في حينها مثل سفر الابن للتجنيد او وفاة حبيب او عزيز او فقدان الارض وضياعها او التعرض لظلم شديد.

وقد سجل علماء الحملة الفرنسية على مصر (1798-1801) أن المصريين كانوا يبالغون في إظهار الحزن وربطوا بين دفن افخر ثياب المتوفى مع الميت وما كان يفعله قدامى المصريين من دفن كل فاخر الأثاث والثياب والمتاع مع الميت وتقوم النساء في بعض الجنازات بالأقصر وهن يسدلن شعورهن على الأكتاف حافيات الأقدام مشيعات المتوفى، ويمسكن ببعض العصا مرددات (بو. بو)، وهي كلمة ذكرها ألان جاردنز في كتابه «القواعد المصرية»، وقال انها كلمة فرعونية معناها يا بؤسي ويا شقائي. في حين تمسك أخريات بالدف يضربن عليه، تقودهم الندابة، ومن وراءها النسوة يرددن في إيقاعات رتيبة بكائياتهن. وقد استرعت الباكيات بالأقصر اهتمام ماسبيرو عالم الآثار الشهير حينما كان يعمل اثريا بالأقصر وسجلها في القرن التاسع عشر الميلادى، منها «داركم واسعة وبابها كويس يا ميت ندامة صيحت بلا ريس». وأخرى تقال عند البكاء على الغريب الذي مات بأرض غير موطنه تقول: «يا شيخ البلد يا صاحب الخيمة طلع حريمك بدوا للغريب ليلة».