الفرنسيون في الإمارات يسعون في هدوء لتعزيز حضورهم

ثقافة تقدم نفسها عبر الزي الراقي والمطعم الأنيق.. والطائرات

TT

لم يكن للفرنسيين وجود عسكري في منطقة الخليج مع بدايات القرن الماضي، كما هم في أرجاء أخرى من العالم العربي، فقط اعطيت بريطانيا الساحة نتيجة توزيع مناطق النفوذ، وبعد ان رحلت الجيوش كان على القوى العظمى ان تعود بأثواب اخرى. فرنسا التي تحاول دوما تقديم نفسها بنموذجها الثقافي والحضاري المميز عن البريطانيين «ببرودهم وعجرفتهم»، كما يصفهم الفرنسيون والأميركيون. لكن الوجود الفرنسي المتسارع النمو، تجلى في مظاهر عدة تأتي من بينها الحركة النشطة لطائرات الخطوط الجوية الفرنسية التي رفعت معدل رحلاتها بين فرنسا والإمارات مرورا بدولة الكويت، من ثلاث رحلات اسبوعية الى 13 رحلة مباشرة بين الامارات وفرنسا، وبدون توقف، مما يعكس إصرار الفرنسيين الواضح على المضي قدما في رحلة الطرق الوعرة.

وقبل عقود، وأمام المد المتنامي للثقافة الأميركية المدعومة بنفوذ اقتصادي وسياسي لا محدود، انكفأ الحضور الفرنسي في المنطقة ليتسرب عبر بعض التفاصيل ابتداء من العطور ومستحضرات التجميل، مرورا بالأزياء او الطعام الفرنسي الى مناح اخرى، فبرزت في الامارات الهوية الفرنسية واضحة في ماركات «شانيل» و«كريستيان ديور» و «ايف سان لوران»، بعض من الاسماء الأشهر في عالم العطور والأزياء الراقية التي تتلهف النساء في ارجاء المعمورة للحصول عليها. ولم تخرج النساء القاطنات في الامارات من دائرة هذا العشق.

فنادق «لو مريديان» شكلت هي الأخرى احد الملامح الفرنسية. ولم تتخلف المطاعم الفرنسية العريقة عن لعب هذا الدور؛ ففي المطاعم التي عرفتها دبي وأبوظبي فرض الطابع الفرنسي هويته، حيث للمطعم أجواؤه وللطعام طقوسه، وهو ما فرض على زواره أناقة كافية تليق بالمكان.

وفي مجال التعليم كان الحضور منحصرا معظم الاحيان في المدارس اللبنانية التي أولت اللغة الفرنسية مكانة مميزة. لكن السنوات القليلة شهدت افتتاح مدارس فرنسية خالصة، مثل مدرسة بومبيدو، التي تعتمد الفرنسية لغة رئيسية، اضافة الى اللغة الانجليزية كـ «لغة اضافية». وخلال العقود الماضية اتسع هذا الحضور ليتسرب بنعومة وسلاسة تخالف ضجة الأميركيين وصخب حضورهم، ابتداء من الأجبان الفرنسية الشهيرة، وحتى طائرات «ايرباص» التي تلقى دعما واضحا من الحكومة الفرنسية على الصعيد الدولي، رغم تصنيفها كصناعة اوروبية مشتركة ليصل عدد الشركات الفرنسية الى 300 شركة.

لكن الفرنسيين ورغم اهتمامهم الشديد بالحضور الاقتصادي، فهم لا ينسون ابدا ولعهم وفخرهم بلغتهم، التي طالما اعتبرت لغة الثقافة الرفيعة. ولأن الامارات ودول الخليج ليست من الدول الفرانكوفونية التي تسعى فرنسا لإبقائها في حظيرة رعايتها، فكان عليها بذل جهود مضاعفة لتثبيت قدميها في هذا البلد الذي يسجل قصة نجاح واعدة. والتنافس بين الدول الكبرى على المنطقة لم يكن هينا في جميع الأوقات، خاصة ما يخص الجانب العسكري من الصادرات، الذي اختلفت وتيرة نموه بحسب ظروف السياسة الدولية ورياحها المتغيرة. غير ان انطباعا سائدا يقول ان العلاقة الشخصية الوثيقة التي تربط الرئيس الفرنسي جاك شيراك بالعديد من زعماء دول المنطقة عززت كثيرا هذا الحضور.

وبعيدا عن التنافس في المجال العسكري، يبدو ان للفرنسيين الكثير ليفعلوه لتعزيز حضورهم الثقافي والاقتصادي؛ ففرنسا التي تفخر بشعرائها وثورتها الشهيرة تفخر ايضا بمطبخها، وهي تقول إن بعضا من أسباب شهرته يعود أصلا الى المواد المكونة له، وهي في هذا المجال ترتكز الى قاعدة صلبة، ففرنسا هي المصدر الثالث والأكبر في العالم للمنتجات الزراعية بقيمة ايرادات سنوية قاربت 40 مليار يورو (50 مليار دولار)، تأتي في مقدمتها الدواجن الفرنسية، ثم منتجات الالبان والأجبان والتفاح. وتعتبر فرنسا مزود الغذاء الرابع لمنطقة الشرق الاوسط متصدرة الدول الاوروبية, رغم التراجع الذي شهدته الصادرات الفرنسية الى منطقة الشرق الاوسط بين عامي 2000 و 2004 بسبب منع استيراد لحوم البقر الاوروبية، وأيضا بسبب ارتفاع معدل سعر صرف اليورو مقابل الدولار. وفي عام 2005 استطاعت فرنسا، أن تكون من أهم مزودي الإمارات بالغذاء ووصل حجم الصادرات الفرنسية من المواد الغذائية حوالي ملياري يورو (2.5 مليار دولار). وتجاوز عدد الشركات الفرنسية في الامارات 300 شركة. واحتفاء بهذا النجاح حضر السفير الفرنسي لدى الامارات باتريك باولي من ابو ظبي الى دبي للمشاركة في حفل نظمه مكتب تسوق الاغذية الفرنسية (سوبيكا) هناك بحضور عدد كبير من مديري الفنادق وأقسام الاغذية والمشروبات في الفنادق والمطاعم، حيث حرص المنظمون على إضفاء الملامح الفرنسية في كافة التفاصيل. وتعزيزا لحضور المنتجات الغذائية الفرنسية، رعت شركة الدواجن تيلي ـ سابكو مسابقة كبار الطهاة، احدى فعاليات مفاجآت صيف دبي التي تلقى حضورا كبيرا من السيدات وربات المنازل. وفي الثقافة والتعليم، لم تكتف فرنسا بتعليم لغتها في المدارس اللبنانية العاملة في الامارات، بل افتتحت مدارس فرنسية في الشارقة وابوظبي.

وقبل أشهر جاءت السيدة الفرنسية الاولى برنانديت شيراك لتقص الشريط الحريري لمدرسة فرنسية اخرى في دبي، حيث شاركتها المناسبة نازك الحريري أرملة رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري في خطوة دللت على العلاقة الشخصية الوثيقة للعائلتين.