الشاحنات شبحٌ مرعبٌ.. والحذر حيال الهاتف الجوال واجب

حرب 2006 تغير هواجس اللبنانيين

TT

لم تعد هواجس اللبناني في الحرب الحالية مشابهة لتلك التي ساورته في الحروب السابقة والتي عاشها ما بين السبعينات والتسعينات، إلا في بعض التفاصيل الصغيرة التي تتخلل حياته اليومية. فانقطاع التيار الكهربائي وهمُّ الحصول على المحروقات وبعض المواد الغذائية والحاجات الاساسية صارا بمثابة نتيجة طبيعية يتوقع حصولها إثر كل ازمة أمنية يمر بها لبنان.

والحال ان حرب يوليو (تموز) 2006 زادت هواجس اللبناني، بحيث اخرجته من الاطار الذي اعتاد العيش فيه قابعا في احدى زوايا منزله او تحت الارض هربا من القصف والقذائف، لتنقله الى البر والبحر وتجعله يخال ان صوت الثلاجة في غرفة الطعام هو هدير طائرة حربية وشاحنة الخضار التي تمر قربه على الطريق شبح يلاحقه، فيفر هاربا منها خوفا من ان تستهدفها صواريخ الطيران الاسرائيلي. اما السفن فصارت وسائل رعب فيغمض عينيه، وهو يمر بمحاذاة الشاطئ، حتى لا يراها فيتخيل انها هدف عسكري قد يطاله القصف بين لحظة وأخرى.

وما يعيشه اللبناني اليوم يعود سببه الى الحرب الاسرائيلية التي لا تميز بين هدف مدني وعسكري، اذ صار متأكدا ان لا ممنوعات ولا استثناءات ولا حتى اي مشاعر انسانية فيها. وهكذا تحول جهاز التلفزيون صديقه المفضل، واصوات دوللي غانم ويزبك وهبي وجورج صليبا ونجاة شرف الدين وعماد مرمل عبر الشاشات صارت رمزا من رموز الطمأنينة والأمان. فما دام يشاهدهم ويتابع برامجهم فهو في مأمن من أي خطر، كما يعتقد.

حتى هواجس النساء في هذه الفترة تغيرت، فبعض اللواتي اعتدن الرفاهية واستقدمن خادمات وعاملات في المنازل من بلاد شرق آسيا، من سري لانكا ونيبال وغيرهما، ما عدن اليوم يهتممن إلا بمتابعة نشرات الأخبار، علها تزف بشرى وقف إطلاق النار مما يعيد هؤلاء العاملات الى قواعدهن سالمات، بعد ترحيلهن على متن بواخر أمنتها لهن سفارات بلادهن. وهكذا صارت ربة المنزل تتولى بنفسها ترتيب منزلها وتنظيفه، خصوصا ان بعض الخادمات هددن برمي أنفسهن من شرفة المنزل أو طعن أجسادهن بسكين اذا ما رفضت ربات المنزل ترحيلهن! اما تلامذة المدارس الذين لم يحالفهم الحظ في الدورات الاولى من الامتحانات الرسمية، فأصبح هاجسهم الاول والاخير يتعلق بوزير التربية خالد قباني، اذ ينتظرون ظهوره على التلفزيون او سماع احد تصريحاته الاذاعية عله يعلن خفض المعدل العام الذي قد يعتمده لمن لم يحالفهم الحظ في تلك الامتحانات اذا ما طالت الحرب ولم تسمح باستخدام المدارس الرسمية مركزا لاجراء الدورة الثانية للامتحانات التي تشمل الفلسفة والرياضات والعلوم الانسانية والاقتصادية. اما تلامذة الشهادة المتوسطة، فاُعلن رسميا ان مسابقاتهم موجودة في مكان آمن، وقد انتهى الاساتذة من تصحيحها، ومن المتوقع اعلان نتائجها فور نهاية الحرب. وهؤلاء اليافعون اصبحوا شبه واثقين من نجاحهم الجماعي بعدما استقرت عائلات النازحين في المدارس الرسمية، مما سيلغي ايضا إمكان اجراء امتحانات الدورة الثانية.

أما مفاجأة هذه الحرب فهي الحذر الذي اصاب اللبناني من هاتفه الجوال، فبات لا يرد على رناته إلا بعد التأكد من الرقم الذي تظهره شاشته، بعدما تكررت الاتصالات الهاتفية المسجلة المشبوهة، والتي تعلم متلقي المكالمة عن تطورات الحرب الدائرة على الساحة اللبنانية وتصب في مصلحة اسرائيل، الامر الذي جعل الجوال هاجسا في حد ذاته عندما تكون ارقام المتصل مؤلفة من الأصفار، وهي الدليل على ان الاتصال يأتي من خارج لبنان.

أما هاجس الهدية التي كان اللبناني يفكر فيها مليا قبيل تلبية دعوة صديق او قريب الى مائدته، فقد اصبحت مجرد كيلوغرام من الحامض بعدما ندرت الحمضيات إثر إقفال الطرق الساحلية المؤدية الى صيدا وصور، وسائر المناطق الساحلية الجنوبية والمعروفة بإنتاجها الكبير منها. وقد ارتفع ثمنها بحيث وصل الى 5000 ليرة لبنانية (اكثر من 3 دولارات اميركية) للكيلوغرام الواحد، مما جعلها هدية قيّمة تسعد ربة المنزل اذا ما تلقتها.